اقتصادحول العالمميديا و أونلاين

الأرقام لا تكذب عادةً.. 2019 موعد الأزمة المالية الجديدة

ربما سمعتَ أو قرأتَ مؤخّرًا عن توقّعات أن يواجِه العالم في 2019 أزمة ماليّة عنيفة، تشبه أزمة 2008، أو قد تكون أعنف منها، فهل هذه التوقعات كغيرها من التوقعات الكثيرة التي تخرج كل فترة ولا تتحقق، أم أن توقعات هذه المرة مختلفة؟ في الواقع ربما تكون توقعات هذه المرة فعلًا مختلفة عن السابق، وخلال هذا التقرير سنتحدث عن أسباب اختلاف توقعات حدوث أزمة حاليًا.

في البداية قد يقول البعض إن الأزمات المالية غالبًا ما تكون خارج إطار التوقعات؛ لأن توقّع الأزمة قد يجعلنا نتجنبها أو نعالجها قبل حدوثها، ولكن ماذا إذا جاءت الأزمة من عدّة قطاعات، أو كانت أكبر من إمكانيّة تجنبها؟ هنا قد لا يُفيد توقّع الأزمة كثيرًا؛ لأنّ في النهاية عندما نتوقّع بداية الأزمة، فنحن لا نعرِف متى ستنتهي، أو أين ستتوقف آثارها في حال كانت خارج السيطرة.

بشكل عام، مرّ الاقتصاد العالمي خلال آخر 30 عامًا تقريبًا بأزمة اقتصادية كلّ 10 سنوات، ففي 1987 -أو ما عُرف بـالاثنين الأسود- اختفت ملايين الدولارات من أسواق الأسهم في كبرى البورصات العالمية، والتي لا يعرف حتى الآن السبّب الحقيقي وراء ما حدث؛ بينما في 1997، إبان الأزمة المالية في أسواق شرق آسيا، تحول الانتعاش الاقتصادي الآسيوي بين يوم وليلة إلى كارثة اقتصادية، خسر إثرها الاقتصاد التايلاندي 75% من قيمته، وفي 2008 كانت الأزمة المالية الأخيرة، والتي شعر بها العالم كله تقريبًا.

الركود يأتي بعد النمو.. هكذا تكون الدورة الاقتصادية

لكن ربما قد تسأل: لماذا قد تحدث الأزمة الاقتصاديّة في 2019 بالذات؟ لهذا السؤال إجابة تنقسم إلى جانبين، الأول: هو الطبيعة الاقتصادية أو الدورة الاقتصادية، والجانب الثاني: يدور حول الأسباب التي تشير إلى أننا في اتجاه أزمة مالية، ولنتحدث أولًا عن الدورة الاقتصادية، وهو تعبير اقتصادي يطلَق على المراحل التي يمرّ بها الاقتصاد من نموّ وركود، إذ يشير هذا المصطلح إلى أن الاقتصاد العالمي، أو اقتصاد أي دولة يمر بدورة اقتصادية عبارة عن فترة زيادة في النمو، ومن بعدها انخفاض، ومن ثم زيادة ثم انخفاض… وهكذا.

قد تظنّ أن الدورة الاقتصادية هي أمر عادي ومعلوم للاقتصاديين، وأن هذه الدورة تسير سيرًا منتظمًا، ولكن في الواقع الأمر ليس كذلك، فالدورة الاقتصادية يصعب التنبؤ بها، إذ تمرّ بأربع مراحل، وهي ازدهار، ثم الذروة، ثم ركود، ثم القاع. هذه المراحل قد لا يشعر الكثيرون بها، فبعد خروج الاقتصاد من القاع إلى مرحلة الازدهار، يكون الجميع في حالة من التحفّظ والخوف من المخاطرة، بسبب الوضع الصعب السابق.

لكن مع مرور الوقت، تندمج الأسواق في حالة الازدهار، ويحقّق الاقتصاد معدّلات نموّ قوية ويصل إلى الذروة، وسرعان ما تبدأ علامات المرحلة الجديدة –الركود- بالظهور، وفي هذا الوقت تقاوم الأسواق هذا الركود، وغالبًا ما يظنّ البعض أنّه ركود مؤقت سينتهي، لكنه لا ينتهي، فيشتد هذا الركود ويصل إلى القاع، وهي المرحلة الرابعة من الدورة الاقتصادية.

وفي العادة تتراوح الفترة بالدورة الاقتصادية بين سنتين إلى سبع أو ثماني سنوات، و أحيانًا 10 سنوات، هذه المدة قد تزيد أو تنقص وليس شرطًا أن تستغرق كل المراحل المدة نفسها، وبالطبع هذا الشرح مبسط كثيرًا لكي نفهم الأمر فهمًا أوضح، لكن الأمورَ في الواقع قد تكون أكثر تعقيدًا من ذلك، لكن إجمالًا هكذا يحدث الأمر.

نعود إلى سؤال، لماذا 2019؟ في الواقع، المتابع للاقتصاد العالمي منذ أزمة 2008 وهو العام الذي سبق عام القاع 2009، نجد أن الاقتصاد تمكّن من تجاوز الأزمة من خلال تحقيق معدّلات نموّ قوية، وربما قد وصلنا إلى الذروة قبل بداية 2018، فبحسب ما ذكر  تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر عن صندوق النقد الدولي في سبتمبر (أيلول) الماضي، فالأحداث جاءت كالتالي:

هبط النمو العالمي في 2009 على نحو كبير ربما لم يحدث من قبل، فالهبوط القوي كان في 2009 وليس 2008 -لذلك لو افترضنا أن الدورة الاقتصادية 10 سنوات فإن 2019 هو موعد القاع الجديد- عمومًا تعافت معظم مناطق العالم من الهبوط في الفترة ما بين 2010- 2011.

وبعد هذه الفترة 2010- 2011، وقعت صدمات متعاقبة حالت دون استمرار النمو القويّ -أزمة منطقة اليورو، والتراجع عن سياسة التنشيط المالي في الاقتصادات الكبرى، وحدوث اهتزازات في نمو الاقتصاد الصيني، وتراجُع أسعار السلع الأولية- وفي نهاية عام 2015، حدث اهتزاز في الأسواق المالية العالمية، وزاد انخفاض أسعار السلع الأولية، وكان معدل النمو العالمي الذي بلغ 3.3% في عام 2016 هو الأدنى منذ عام 2009.

بينما عاد التفاؤل في منتصف 2016، وحدثت طفرة في نشاط الصناعة التحويلية وتحسّن النمو في كثير من بلدان العالم، مما أدى إلى انتعاش عالمي هو الأكثر توازنًا منذ عام 2010، ووصل النمو العالمي إلى 3.6% في عام 2017، لكن في 2018 عاد الركود مرّة أخرى، إذ تُشير البيانات إلى تراجع التجارة والصناعة التحويلية والاستثمار، وبالرغم من أن النمو العالمي يبدو قويًّا على وجه الإجمال مقارنة بأوائل العقد الحالي، لكنّه لا يبدو أنه سيكون ثابتًا عند مستواه الحالي، وهو ما دفع النقد الدولي لخفض توقّعاته.

جدير بالذكر أن الدورة الاقتصادية لا تعني أننا قد نمر بأزمة مالية مع انتهاء كل دورة اقتصادية، لذلك لا يكفي هذا السبب لتوقّع حدوث أزمة مالية في 2019، ولكن هناك أسبابًا أخرى تتزامن مع مرور الاقتصاد العالمي بمرحلة الركود، وهي ما ستدفعُه نحو الأزمة، وهذه الأسباب هي الجانب الثاني من إجابة سؤال لماذا 2019؟

أسواق المال.. الهبوط الأسوأ منذ 2008

في 2018، مرّت أسواق المال بثلاث هزّات عنيفة، ورغم أنّها حقّقت أرباحًا قياسية؛ إلّا أنها تراجعت أيضًا بنسب قياسية، ففي أولى جلسات تداول الأسهم خلال فبرايرالماضي؛ هز زلزال عنيف الأسواق  ، وسجلت أسواق المال العالمية هبوطًا حادًا، بعدما هَوَتْ «وول ستريت» لأدنى نسبة منذ 2011، وشهدت كل أسواق المال تقريبًا تراجعات كبيرة تراوحت ما بين 5- 7% في كل من آسيا وأوروبا، بالإضافة إلى الأسواق الناشئة، واستمرت هذه التراجعات عدة أيام.

وفي أكتوبر تكرّر سيناريو فبراير (شباط) الماضي نفسه؛ إذ تراجعت أسواق المال   بقوّة ليكون الانهيار الثاني الحاد هذا العام، الذي استمر على مدار ستّ جلسات، في ما سُمّي بـ«الأسبوع الكئيب». وفشلت خلاله أسواق المال في تجاوز الخسائر التي كانت الأسوأ على مدار الأشهر السابقة، وجاءت كذلك بقيادة أسهُم التكنولوجيا التي تشهد تقلّبات كبيرة منذ بداية العام؛ إذ فقد مؤشّر التكنولوجيا خلال إحدى الجلسات في «وول ستريت» نحو 9% وهو هبوط كبير للقطاع صاحب القيمة الأكبر في السوق الأمريكية.

وأخيرًا كان الهبوط الأكبر، وتحديدًا في 21 ديسمبر 2018، إذ أغلقت بورصة «وول ستريت» على هبوط حاد في تعاملات متقلبة، وأنهت المؤشرات الثلاثة الأسبوع على خسائر حادة مع هبوط «ناسداك» و«ستاندرد آند بورز» و«داو جونز»، بواقع 8.36% و7.05% و6.87% على التوالي، وكان هذا هو أكبر هبوط أسبوعي للمؤشر «ستاندرد آند بورز» منذ غشت 2008، في حين سجّل «داو جونز» أكبر هبوط أسبوعي منذ أكتوبر 2008، بالإضافة إلى أن «ناسداك» سجّل أكبر خسارةٍ أسبوعية منذ نوفمبر 2008، وتبع «وول ستريت» في الهبوط كل من أسهم أوروبا وآسيا والشرق الأوسط.

هذه الهزّات ربّما هي التي تسبق عاصفة الهبوط التي قد تحدث في 2019 إذا استمر الوضع بهذه الوتيرة، فبحسب بنك التسويات الدولية، فقد شهدت سنة 2018 انخفاضات كبيرة في الأسهم الأوروبية والآسيوية والأمريكية التي تحول أداؤها إلى التراجع بعد ارتفاع 10 سنوات، مرجّحًا ألّا تكون عمليات البيع الكثيفة التي شهدتها أسواق المال العالمية هي الأخيرة.

الدين العالمي.. 50% زيادة في 10 أعوام          

تعتبر الديون هي ثاني الأسباب التي تُشير إلى أنّ العالم متّجه إلى أزمة مالية عنيفة، إذ نمت مستويات الدين العالمي في الأعوام العشرة السابقة بنسبة تزيد على 50%؛ فقد سجل الدين العام العالمي رقمًا قياسيًّا جديدًا، وِفق آخر بيانات النقد الدولي الصادرة في ديسمبر 2018، عندما وصل إلى 184 تريليون دولار، وهو أعلى مستوى على الإطلاق، كما أنّه أعلى بنحو تريليوني دولار عن تقديرات الصندوق  السابقة في أكتوبر الماضي.

و بحسب “بلومبرج” ، فإن متوسط نصيب الفرد من الدين العالمي بلغ 86 ألف دولار، وهو أكبر من متوسط دخل الفرد بنحو مرّتين ونصف المرة، بينما يعادل حجم الدين العالمي المسجل نحو 225% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2017.

المقلق أكثر أن هذه الديون يسيطر على الجزء الأكبر منها الاقتصادان الأول والثاني على مستوى العالم، فأمريكا لديها جبال من الديون، والصين كذلك، إلا أننا عندما نتحدث عن ديون الشركات التي شكلت فقّاعة باتت على مشارف الانفجار، فإن الواقع قد يكون أكثر فزعًا.

فعلى مستوى الولايات المتحدة وصل إجمالي الديون   التي أصدرتها الشركات الأمريكية غير المالية في نهاية العام الماضي 2017 حوالي 6.1 تريليون دولار، وهو المستوى الأعلى منذ أن بدأ الاحتياطي الفيدرالي في تتبع البيانات في عام 1947، وبالرّغم من النمو الكبير في ديون الشركات؛ إلا أن التدفقات النقدية سجلت انخفاضًا ملحوظًا، خاصة في ديسمبر 2017؛ إذ ارتفعت نسبة ديون الشركات إلى التدفقات النقدية في عام 2017 مقارنة بالسنتين السابقتين، مع ظهور أنشطة الاندماج والاستحواذ للشركات، واحتمال ارتفاع تكاليف الإقراض في المستقبل.

وما يجعلنا على أعتاب الأزمة، إن لم نكن قد دخلناها بالفعل، هو أن هناك نحو 4 تريليونات دولار من هذه الديون تستحق على مدار الخمس سنوات المقبلة، بالإضافة إلى أن الشركات الأمريكية صاحبة أكبر معدل للتعثّر عن سداد التزاماتها المالية مقارنة بمثيلاتها العالمية، وذلك بحسب تقرير لـ«ستاندرد آند بورز». ففي 2015، كان حوالي 60% من الشركات المتعثرة حول العالم هي مؤسسات أمريكية، مقارنة بـ55% في 2014.

بشكل عام، تُواصل الولايات المتحدة الأمريكية -الأولى عالميًّا في حجم الدَيْن- فشلها في تحقيق فائض في ميزانيتها منذ عام 2001، وذلك بسبب زيادة الديون، إذ ارتفع الدين إلى 20 تريليون دولار نهاية السنة الماضية بواقع 107% من الناتج المحلي الإجمالي، وبالنسبة للصين التي تعد الطرف   الآخر من معادلة الديون العالمية المرعبة، فإن الديون الصينية خلال آخر 10 أعوام نمت من 171% نسبة من الناتج المحلي الإجمالي وقتها إلى قرابة 300% عام 2018؛ إذ تستحوذ ديون الشركات غير المالية على نصيب الأسد من هذه الديون، وكثيرًا ما يحذّر المتخصّصون من هذه الآثار السلبية التي من المتوقع أن تتسبب في أزمة طاحنة، ولكن مع هذه الأرقام فإننا بالفعل داخل هذه الأزمة.

عصر ازدهار الصين على وشك الانتهاء

مشكلة الصين لا تكمن فقط في الديون، إذ إن التنين الصيني الذي كان بمثابة قاطرة النمو الاقتصادي العالمي خلال آخر عقدين بات يواجه تراجعًا حادًّا في النمو، وهو ما سيكون تأثيره مضاعفًا في الاقتصاد العالمي، فازدهار الصين الذي كان صمّام أمان في مواجهة الأزمات المالية لن يكون موجودًا في 2019، وقال «البنك الدولي» في تقرير حديث   إن من المرجح تباطؤ النمو الاقتصادي للصين إلى 6.2% في 2019 من 6.5% متوقعة للعام الحالي، وهو الأضعف في 28 عامًا.

وتحدث التقرير عن أن ثاني أكبر اقتصاد في العالم سيكون أمام تحدٍّ أساسي في مواجهة العوامل المعاكسة المتصلة بالتجارة، ومواصلة جهود الحد من المخاطر المالية في الوقت نفسه، بينما سيؤثّر تباطؤ الطلب العالمي وزيادة الرسوم الجمركية الأمريكية في صادرات بكين.

يشار إلى أن النمو الصيني قد تباطأ إلى 6.5% في الربع الثالث من العام، وهي أضعف وتيرة منذ الأزمة المالية العالمية، وفي أكتوبر الماضي خفض «صندوق النقد الدولي» توقّعاته للنمو الاقتصادي الصيني في 2019 إلى 6.2 من 6.4%، وهو ما يعزز أن الصين لن تعيش عامًا جيدًا على ما يبدو في 2019.

المصدر:  المقال منشور بساسة بوست

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى