رأي/ كرونيك

الدعوشة تغزو المجتمع وتنخر الدولة

 

بقلم سعيد الكحل

تزايدت نسبة الوقائع التي يخرج فيها متطرفون بقرارات ويتخذون قوانين زجرية مانعة لكل ما يخالف عقائدهم التكفيرية، ونمط تدينهم المنغلق والمناهض للفنون والأفراح والمهرجانات ولكل ما هو جميل ومبهج .

فمنذ تحمل حزب العدالة والتنمية مسئولية رئاسة الحكومة، أطلق العنان لدعاة التطرف وفقهاء الكراهية وجحافل المهووسين بالجنس أن يفرضوا قوانينهم على المجتمع مانعين الناس من ممارسة حياتهم الاعتيادية وأنشطتهم الترفيهية بكل حرية .

بل سمحت لهم وضعية الحماية القانونية التي وفرتها لهم الحكومة بأن يمارسوا “شرع اليد” ضد المواطنات والمواطنين في مختلف المدن والقرى المغربية .

هكذا أقاموا حواجز “أمنية” في مدخل مدينة عين اللوح لمنع الزوار من دخولها إلا بإذن من الفرق الخارجة عن القانون ، ثم أجبروا 600 امرأة على مغادرة المدينة في تهجير قسري لهن ضدا على كل القوانين .

جاءت بعدها وقائع خطيرة مثل الاعتداء على فتيات إنزكان ومثليي فاس وفتاة الرباط وطنجة وفتيات ونساء تيفلت . وامتدت ممارسات “شرع اليد” لتمنع الفتيات والنساء من ارتداء لباس البحر”البيكيني” في شاطئ تغازوت . لم تكن لهذه الوقائع المناهضة للدولة والخارجة عن القانون أن تحدث لو أن الحكومة تصدت بكل حزم لدعاة التطرف وناشري الكراهية عبر فتاوى يطلقونها من أعلى منابر المساجد وفي مواقع التواصل الاجتماعي .

لقد أطلقت الحكومة العنان لشيوخ التطرف والتكفير أمثال النهاري ، وأبو النعيم والريسوني للمس بكرامة فئات من المواطنات والمواطنين والتحريض ضد المفكرين والفنانين والصحفيين والسياسيين ، بل ضد مسئولين في الدولة نفسها دون أن تطالهم يد العدالة أو تحقق معهم النيابة العامة رغم خطورة دعواتهم التحريضية على سلامة المواطنين وأمنهم . فلا غرابة إذن ، أن يواصل التكفيري “النهاري” قذفه لنساء مدينة خنيفرة وأجلموس ونعتهن بشتى نعوت الفسق والفجور والدعارة ؛ لأن المس بشرف النساء هو مس بشرف كل ساكنة الأطلس وعموم المغاربة ذكورا وإناثا ، طالما لم تتخذ العدالة مجراها الطبيعي في حقه وظل في منأى عن أية متابعة قضائية .

ولعل سكوت أو تواطؤ الدولة/ الحكومة مع التكفيريين ودعاة الكراهية والفتنة هو الذي شجع من أسموا أنفسهم ب”وجهاء زاكورة” لتكوين عصابتهم أولا والإعلان عن دعوشتهم العقائدية ثانيا ، ثم فرضهم لقوانين وعقوبات زجرية في حق من يقيمون الأعراس والاحتفالات بالموسيقى والأغاني أو من يسمحون لبناتهم وزوجاتهم لحضورها أو الخروج مساء .

واقعة زاكورة هذه لها دلالات جد خطيرة :

1ــ تغييب كلي للدولة ومؤسساتها الأمنية والقضائية وشطب لها . فهؤلاء ، ليس فقط أسسوا هيئتهم ضدا على القانون ، وإنما ألغوا وجود الدولة وعطّلوا وظائفها ومؤسساتها . 2ــ إحلال “الهيئة” محل الدولة في التشريع وفي الزجر ، بحيث جعلت الهيئة نفسها هي الدولة وهي الجهة الوحيد التي لها حق التشريع وحق ممارسة العنف والزجر ضد من يخالف قوانينها . وهنا ضرب لشرعية الدولة ومشروعيتها .

3 ــ اعتداء سافر وخطير على الأفراد وعلى الحريات الفردية والجماعية . فالدولة التي كانت تحمي الأفراد وتصون حقوقهم أزاحتها الهيئة وحلت محلها ، مما جرّد الأفراد من حماية الدولة ورمى بهم بين مخالب هذه العصابة الداعشية .

4 ــ خرق صارخ للدستور الذي يجرّم الاعتداء على الدولة والمؤسسات والأفراد . الأمر الذي يفرض طرح السؤال حول مدى مسئولية الدولة ومؤسساتها الأمنية والقضائية في تأسيس هذه “الهيئة” والسماح لها بعقد الاجتماعات ونشر بيانها واتخاذ قوانين وإجراءات عقابية ضد الأفراد والجماعات .

إن واقعة زاكورة تعيد إلى الأذهان وقائع مماثلة حين فرض الإرهابيون على عدد من الأحياء الهامشية في بعض المدن المغربية قوانينهم الداعشية تحت أنظار وبعلم السلطات الأمنية المحلية فحولوا تكل الأحياء إلى “إمارات” مغلقة . ولم تتحرك السلطات الأمنية إلا بعد تفجيرات 16 ماي الإرهابية . فالواقعة لا ينبغي الاستهانة بها أو اعتبارها حدثا معزولا ، بل هي مؤشر خطير على حالة التردي الأمني الذي يفقد الدولة ومؤسساتها الهيبة والاحترام ويشجع أطرافا أخرى على خرق القانون واستهداف الآمنين في أعراضهم وممتلكاتهم . لهذا ، تقتضي المسئولية الوطنية والدستورية من الأجهزة الأمنية ومن النيابة العامة أن تسارع إلى فتح تحقيق في الواقعة ومتابعة أعضاء تلك “الهيئة” بالتهم التي يحددها القانون وقف المنسوب إليهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى