حول العالم

بورتريه للمرأة التي جلبت احترام العالم جاسيندا رئيسة الوزراء في نيوزيلاندا

انتبه العالم لنيوزيلندا مع وقوع الحادث الإرهابيّ الأخير فيها، وكانت عدة صورٌ منها: مقطعُ الهجوم المصوّر، وصور السلاح وحامله، وصورٌ لبعض الضحايا، لكن وحدها صورة أثارت انتباه الناس في العالم؛ تظهر رئيسة وزراء نيوزيلندا، وهي ترتدي غطاء الرأس الإسلامي في إشارة إلى تضامنها مع الجالية المسلمة التي استهدفت في الهجوم.

تسألت الصحافة وتسأل معها الناس في العالم، من هي رئيسة وزراء نيوزيلانذا؟

عائلة بسيطة وأحلام كبيرة

حياة جاسيندا السياسيّة كما قالت صحف العالم عادية جدا، رئيسة الوزراء النيوزيلندية الحاليّة هي ابنت  الـ38 عامًا وُلدت في مدينة هاميلتون شمالَ نيوزيلندا، عام 1980.
سيرتها  كالسير التقليديّة العادية عن الأبطال القوميين، وُلدت لعائلةٍ عاديّة، وربما أقل من عاديّة؛ والدها شرطيّ، وأمها عاملة  في كافتيريا مدرسة، وكانا يزرعان الإجاص والتفاح للتصدير، وابنتهما تساعدهما بقيادة الجرّار الزراعي.
تذكرُ عن نفسها أنّ وجودَ طلابٍ بوضعٍ صعبٍ في المدرسة أثَّر عليها من البداية، وكَذَا حالة الحرمان في المجتمع، من إدمان الكحول وانتشار المخدرات، كانت فاتحة لوعيها السياسيّ الذي انطلقَ بشكله الرسمي بدخولها «حزبَ العمال» في عمر الـ17، مشاركةً بحملة انتخابيّة للحزب.

ثم بدأت دراستها الجامعيّة بتخصص مزدوج، جامعةً العلومَ السياسية مع العلاقات الدولية، وتخرجت  عامَ 2001.

من نيويورك إلى لندن.. عشرينيّة تائهة في مكتب توني بلير

حين بلغت قائدة نيوزيلاندا العشرينات تحوّلت جاسيندا من مذهب المورمونية المسيحيّ إلى الإلحاد، نعم هي ملحدة ، و تصادمت رؤيتها لحقوق المثليين مع رؤية الكنيسة المُتحفظة.

صاغت تفكيرا اعتبرت فيه  جاسيندا أن للكنيسة قوة وتأثير حاضرًا حتى اليوم فيها رغمَ تركها لها وللدين، وبأسلوب علمانيّ تقول إنها لا مشكلة لديها مع الدين، ولا المتدينين، وإنما مع الذين يسيئون استخدامه. أما عن تأثرها بالكنيسة فتقول أنها أخذت منها عقلية باستعارة اسم لتنظيم ولد في مغربنا اسمه “لنخذم الشعب”.

حين  تخرجت من الجامعة  كانت جاسيندا ترغبُ بالسفر للـ«عيش في الخارج» وقضاء الوقت بعيدًا عن بلدها الأم. وفي مطلع 2006 كانت في ولاية نيويورك الأمريكيّة تعمل بمطعمٍ لخدمة الفقراء ومتطوعةً كذلك في حملة لحقوق العمال، وكانت آنذاك عاملةً غير قانونيّة في أمريكا. وفي ذلك الوقت رأت إعلانًا للعمل في رئاسة الوزراء البريطانيّة، في فريقٍ للسياسات، ودخلت في جدلٍ داخليّ أخلاقي مع نفسها حول العمل مع شخصٍ مثل توني بلير.

لحظة الصعود.. من البرلمان للرئاسة

سيكون صعود جاسيندا سياسيًا في لحظةٍ من أحلك لحظات الحياة السياسيّة لحزبها، «حزب العمال»، منذُ مطلع القرن الماضي. إذ في  2008 حقَق «حزب نيوزيلندا الوطنيّ» فوزًا كبيرًا بالانتخابات البرلمانيّة مقابلَ تراجعٍ كبير لحزب العمال اضطره للخروج من رئاسة الوزراء، وأُزيحت من المشهد هيلين كلارك، مُعلّمة جاسيندا ورئيسة الوزراء آنذاك، التي كانت جاسيندا تعملُ باحثةً في مكتبها.

في هذا الوضع وفي هذه اللحظة، تقدَّم «حزب نيوزيلندا الوطني» بسياساته المحافظة والقوميّة، ورؤاه الاقتصاديّة النيوليبرالية، دخلت جاسيندا البرلمان النيوزيلندي لتصبح حياتها مُسخّرة بشكل كاملٍ للعمل السياسيّ. كان سقوط «حزب العمال» مدويا ولم يكن لحظة عابرة، كان بإحدى المعاني إفلاس تاريخي له.

كان مصير هذا الحزب أن يدخل في حالة انهيار تام وتخبط وتشتت، ونتج عن كل ذلك ان اشتغل الحزب تنظيميا حد أنه غير قيادته لأكثر من خمس مرات، هنا ستبرز شابة صغيرة في المشهد، إذ توصل قادة «حزب العمال» آنذاك، أندرو ليتل، لقناعة مفادها أنّ الحزب لن يقدر على تأمين الأغلبية البرلمانية دون التحالف مع الحزب المُحافظ الآخر، حزب «نيوزيلندا أولًا»، وبالفعل بُني التحالف وأُلحق به “«حزب الخضر”.

وكان فعلا أن استقال رئيس «حزب العمال» وجرى الإعلان عن جاسيندا الشابة مُرشحةً للحزب، وبحضورها الشبابيّ، ولغتها المُباشرة -التي وصفتها الصحافة يومها بأنها مثل لغة بيرني ساندرز، ووعودها الحسّاسة المرتبطة بالتعليم وبأجور السكن، استطاعت أن تحقق فوزًا معقولًا تلاه تشكيل الحكومة بقيادتها بعد مفاوضات مكثّفة، لتصبح رئيسة الوزراء منذ غشت 2017.

نعم إسرائيل منزعجة تماما من جاسيندا أرديرن

انطلقَ هجوم إسرائيليّ على جاسيندا أرديرن وحكومتها مع اندلاع احتجاجات العودة عند حدود قطاع غزّة المحاصر المقابلة لحدود الأراضي المحتلّة تحت السيطرة الإسرائيلية.

أدانت جاسيندا علنيًا الاستخدام الإسرائيليّ المُفرط للقوة، واستدعت حكومتها بشكل متكرر، السفير الإسرائيليّ في نيوزيلندا للاعتراض على الأفعال الإسرائيليّة ضد المُحتجين، مما أثارَ رد فعل إسرائيليّ بإدانة نيوزيلندا لما فعلته، ولومها، من إسرائيل ومن جماعاة  صهيونية في نيوزيلندا، على إدانة إسرائيل وعدم الإشارة لـ«حماس» بأي شيء.

بالطبع، أثارت علاقتها بجيرمي كوربين تخوفا   صهيونيًا وإسرائيليًا فموقف الأخير من إسرائيل نقديّ وحاد. وفي مشهدٍ حرج آخر على الصعيد الدوليّ، رفضت نيوزيلندا نقلَ سفارتها للقدس، واعتبرت ما فعله الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بنقل السفارة، عاملًا يزعزع السلام ويُعثّر حلّ الدولتين، وصرّحت أن بلادها «لن تخضع للتتنمر   على المسرح الدوليّ»، ردًا على تهديد ترامب بقطع المساعدات عن الدول التي تصوّت ضد إسرائيل.

في أشد الأزمات، بما فيها الهجوم على المسجدين، عبرت عن عمق تسامح أثار إعجاب العالم، وصنعت رئيسة نيوزيلاندا الحدث في عالم صنعت فيه كل عناصر الكراهيةن قالت واحدة من زعمائه ممكن إدارة العالم بطريقة مختلفة، واستحقت بذلك رئيسة نيوزيلاندا كل هذا التقدير العالمي، الأهم قدر الكثيرون أن للمسات النساء قيادة طابع إنساني ليس فيه شك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى