سياسةميديا و أونلاين

هل ينجح الملك في إنهاء مسلسل «الإخوة الأعداء» بين المغرب والجزائر؟ (مع فيديو) وصور

 

 

أ

أتى خطاب ملك المغرب محمد السادس، بمناسبة الذكرى الثالثة والأربعين للمسيرة الخضراء، على غير العادة في شكل دعوة صريحة ومباشرة للمصالحة مع الجزائر. دعوة كذلك رامت تخطّي المشاكل العالقة بين الجارين، وتسريع الاتفاق حول إعادة فتح الحدود بين الجارين، والتي دام إغلاقها أكثر من 20 السنة. خطاب الملك جاء في ظرفية محسوبة، وخلق ردود فعل مهمة، نستعرضها في السطور الآتية، باحثين من خلالها عن آفاق تحقق «الحلم المغاربي» المجمّد عقودًا طويلة.

قال الملك محمد السادس “أودّ الوقوف على واقع التفرقة والانشقاق داخل الفضاء المغاربي، في تناقض صارخ وغير معقول مع ما يجمع شعوبنا من أواصر الأخوة، ووحدة الدين واللغة، والتاريخ والمصير المشترك”.

هكذا افتتح الملك محمد السادس خطابه، والذي جرت عادة إلقائه كلّ سنة على مسامع الشعب، تخليدًا ليوم انطلاق المسيرة الخضراء، في ذكراها الثالثة والأربعين هذه السنة.

وقد ركّز في هذا الخطاب  على منطلقات سياسة المغرب الخارجية «الواضحة والطموحة» كما وصفها. موضحًا أن واقع الشقاق بين الدول المغاربية، لا يتماشى ومصالح المغاربية في الوحدة والتكامل والاندماج، كما يخالف الطموح الذي حفَّز جيل الاستقلال والتحرير بهذه الأقطار العربية «والذي جسده آنذاك، مؤتمر طنجة 1958، الذي نحتفل بذكراه الستين» كما جاء في الخطاب، وأضاف الملك: «يجب أن نكون واقعيين، وأن نعترف بأن وضع العلاقات بين البلدين غير طبيعي وغير مقبول».

هكذا يسلط العاهل المغربي بصراحة الضوء على الحالة الراهنة للعلاقات المغربية الجزائرية، مشيرًا إلى سعيه الدائم لحل مشكل الحدود، وفتحها أمام حرية حركة الأفراد والسلع ورؤوس الأموال عبرها.

وقد أطلق الملك اقتراحًا لإحداث آلية للحوار «الصريح والمباشر» مع الجزائر الشقيقة، لحل الإشكالات العالقة بين البلدين، مهمّتها الانكباب على دراسة جميع القضايا المطروحة «بكل صراحة وموضوعية، وصدق وحسن نية، وبأجندة مفتوحة، ودون شروط أو استثناءات» كما جاء في الخطاب.

ووضح العاهل المغربي في خطابه استعداده لتقبل كل المقترحات والمبادرات الجزائرية التي تصبُّ في هذا الصدد، وإمكانية تشكيل إطار عمليّ للتعاون، بخصوص مختلف القضايا الثنائية، وخاصة في ما يتعلق باستثمار الفرص والإمكانات التنموية التي تزخر بها المنطقة المغاربية، وكذا تعزيز التنسيق والتشاور الثنائي لرفع التحديات الإقليمية والدولية، لا سيما في ما يخص محاربة الإرهاب وإشكالية الهجرة، معبّرًا عن مدى المودّة والتقدير التي يكنها العرش المغربي للجزائر، قيادة وشعبًا بقوله: «إننا في المغرب لن ندخر أي جهد، من أجل إرساء علاقاتنا الثنائية على أسس متينة، من الثقة والتضامن وحسن الجوار».

المغرب والجزائر.. علاقات عالقة بين الجليد والنار

أعرب الخطاب الملكي عن نيّة المغرب لإعادة الدفء إلى العلاقات بين الجارين الشقيقين. علاقات طبع تاريخها المديد تأرجح بين التقارب والقطيعة التامّة. جسّدت مرحلة التحرير في خمسينات وستينات القرن الماضي أولى المراحل الحديثة لتشكّل العلاقة بين البلدين، وبالتالي فإن حيثياتها كانت محكومة بما يحدّد تلك المرحلة من إرهاصات تصفية الا هكذا نجد أنّ التعاون بين الجاريْن قد بلغ مراحل جدّ متقدّمة، إذ إنّ المغرب كان إحدى القواعد الرئيسيّة لتمركز جزء كبير من جيش التحرير الوطني الجزائري، أو ما يُعرف بـ«جيش الحدود» بقيادة بومدين، بالإضافة إلى أنّ المغرب كان أحد المعابر الرئيسيّة لنقل السلاح إلى الثورة الجزائرية، كما أنّ الملك المغربي محمد الخامس كان أحد أكثر الداعمين للثورة من خلال خطاباته وتصريحاته، وجهوده الدوليّة لإيصال صوت القضيّة الجزائريّة إلى الخارج، ودعوته إلى الوحدة بين بلدان المغرب العربي.

 

لكن هذه العلاقة بين الطرفيْن سرعان ما تدهورت مباشرة بعد الاستقلال، وبلغت مرحلة استثنائيّة من التوتّر بدأت بالخلاف حول ترسيم الحدود بين البلدين، لتصل حدّ اندلاع نزاع عسكريّ أُطلق عليه اسم «حرب الرمال»، ورغم أنّ هذه الحرب لم تدم طويلًا؛ إلا أنّ آثارها سبّبت جراحًا غائرة في العلاقة بين الجارين لسنوات طويلة بعدها.

بالإضافة إلى النزاعات الحدوديّة، فقد كان الاختلاف الأيديولوجي بين قيادة الدولتين، واصطفاف كلّ منهما مع أحد قُطبيْ الصراع إبان الحرب الباردة الأمريكية السوفيتية، أحد العوامل التي عمّقت من الخلافات بين الطرفين، وقد انعكس هذا الخلاف السياسي انعكاسًا خطيرًا على مواطني البلدين، إذ جرت عمليات ترحيل قسري   لآلاف المغاربة من الجزائر، كما تمّت مصادرة أملاك   العديد من الجزائريين في المغرب، بالإضافة إلى ذلك فقد كانت قضيّة الصحراء إحدى نقاط النزاع الرئيسية بين الطرفيْن، والتي ما زالت مستمرّة إلى اليوم، إذ تدعم الجزائر «جبهة البوليساريو» المُطالبة باستقلال الصحراء، فيما يرى المغرب في هذا الدعم تهديدًا لوحدته التُرابيّة.

 

وقد عرفت حقبة الثمانينات انبعاثًا للخطاب الوحدوي من جديد بعد تغيّر القيادة في الجزائر إثر وفاة الرئيس بومدين ووصول الشاذلي بن جديد إلى سُدّة الرئاسة، وتكللت دعواته بانعقاد قمة مراكش 1989  بين قيادات البلدان المغاربية، القمة التي أنجبت اتحاد المغرب العربي، مولودًا شلَّ بعد سنواته الأولى.

https://www.youtube.com/watch?v=LdylMrSNJSA

استعمار… وبناء الدولة الوطنيّة المستقلّة

تجدّدت القطيعة المغربية الجزائرية التي أدّت هذه المرّة إلى غلق الحدود البرية بينهما سنة 1994، وفرض تأشيرة السفر على كل رعايا البلدين، وكان ذلك بعد تحميل المغرب للجزائر مسؤولية تفجيرات مراكش  في العام نفسه.

وقد عرف عهد الملك محمد السادس والرئيس بوتفليقة، انفراجات معتبرة في دبلوماسية البلدين تجاه بعضهما، أنتجت مبادرة المغرب بإعفاء الشعب الجزائري من تأشيرة الدخول إلى ترابه سنة 2004، الأمر الذي لقي استحسانًا آنذاك في الجزائر، وتجاوبت معه كذلك بإلغاء التأشيرة على المغاربة، كما عبر عن ذلك وزير الخارجية الجزائري وقتها قائلًا: «إن قرار المملكة المغربية القاضي بإلغاء التأشيرة بالنسبة للمواطنين الجزائريين للدخول إلى أراضيها يدخل في إطار تجسيد علاقات المودة والأخوة بين البلدين». توقيت حسّاس للخطاب.. وصمت رسميّ جزائري

ويأتي خطاب الملك المغربي في توقيت حسّاس للغاية؛ إذ الساحة السياسية في الجزائر تشهد أزمة حقيقيّة بسبب مرض الرئيس بوتفليقة، والذي تنادي أحزاب السُلطة لإعادة انتخابه لعُهدة خامسة، بالإضافة إلى محاكمات وتغييرات تاريخية داخل مؤسّسة الجيش الجزائري؛ وبالتالي فإنّ من المرجّح أنّ يكون الطرف الجزائري مشغولًا بمشاكله الداخلية، قبل أشهر قليلة من انتخابات رئاسية مصيرية في أبريل (نيسان) القادم. كما أنّ خطاب الملك المغربي يأتي أيضًا قبل أسابيع قليلة  من انطلاق المحادثات بينه وبين «جبهة البوليساريو»

ولم يخرج حتى اللحظة أي صوت رسمي من الحكومة الجزائرية بتعليق على الخطاب الملكي، إذ بقيت ردود الفعل الإعلامية  الجزائرية رهينة تحفّظها المعتاد اتجاه الموضوع إلى حدّ كبير. وأوضحت حدّة حزام، الصحافية الجزائرية ومديرة جريدة الفجر، في تصريح لها لـ«ساسة بوست» أن خطاب الملك جاء «بلهجة مختلفة عن التي عوَّدنا عليها المغرب، وقد ترك صدى إيجابيًّا على المواطنين، ما عبروا عنه بجلاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي».

وكذا نفت أن العلاقات المغربية الجزائرية غير طبيعية، قائلة: «نعم لتحسين العلاقات، ولا أقول تطبيعها، لأنها طبيعية بين البلدين الشقيقين»، مؤكدة أن الحدود «لن تبقى مغلقة إلى الأبد»، معتبرة إيصال الطريق السيار شرق- غرب إلى حدود المغرب، دليل على نية الجزائر فتحها «عاجلًا أم آجلًا».

وفي حوار له مع «ساسة بوست» أفاد سعيد هادف، الكاتب الجزائري والباحث في الشؤون المغاربية، أن خطاب العاهل المغربي تضمن دعوة صريحة إلى الحوار مع الجزائر، بهدف تجاوز حالة الجمود بين البلدين الشقيقين.

ويقرأ سعيد هادف في نص الخطاب كون: «الجديد في الخطاب هو معجمه وأسلوبه المتميزان إزاء الجزائر بوصفه بلدًا شقيقًا وجارًا متميّزًا ودولة لها أهميتها الإقليمية، كما تميّز الخطاب بدعوة الجزائر إلى تقديم ما لديها من البدائل والمقترحات التي من شأنها أن تحدث نقلة نوعية. وإن الإحالة إلى مؤتمر طنجة هو إحالة إلى المشروع المغاربي الذي كان من المفترض أن يتأسس، من منظور فيدرالي يضمن الاتحاد بين الأقطار المغاربية».

كما يختم تصريحه بأنه: «من المحتمل أن يلقى هذا الخطاب تجاوبًا لدى الطرف الجزائري، وقد يعود الدفء إلى علاقة البلدين، بحثًا عن أنجع السبل ليس فقط لتفعيل العلاقة البينية بينهما، بل لإعادة بناء تصوّر سياسي يتيح لهما التعامل بواقعية مع أوضاعهما الداخلية من جهة، والقضايا.

 هل سنشهد نهاية للقطيعة الجزائرية المغربية؟

ويرى خبراء أنّ دعوة الملك محمد السادس في خطابه الأخير لمصالحة تأتي نظرًا إلى حجم المنافع في مختلف المجالات، التي يعود بها خلق فضاء مغربي متحد، وضرورتها. هذا ما يثبته نص الخطاب، عند قوله: «يمكن أن تشكل إطارًا عمليًّا للتعاون، بخصوص مختلف القضايا الثنائية، وخاصة في ما يتعلق باستثمار الفرص والإمكانات التنموية التي تزخر بها المنطقة المغاربية (…) كما ستساهم في تعزيز التنسيق والتشاور الثنائي لرفع التحديات الإقليمية والدولية،

محاربة الإرهاب وإشكالية الهجرة».

هذا الشيء الذي يستفيض في توضيحه مصطفى الراجعي، مدير مكتب هايك للدراسات الاقتصادية بالجزائر، مصرّحًا لـ«ساسة بوست»: «إن المشكل الأساسي في اتحاد المغرب العربي، هو العلاقات بين المغرب والجزائر؛ لأن واقع ومستقبل الموضوع متعلق بالعلاقات بين هذين البلدين. وكل المنافع الاقتصادية والأمنية للتكامل المغاربي تعتمد على التكامل بين المغرب والجزائر».

كما يوضح أن التجارة البينية «هي دائمًا مفيدة، حتى ولو كانت من جانب واحد، فما بالك عندما تكون الحدود مفتوحة على الاتجاهين». مبرزًا أن فتح الحدود والسماح بحرية تنقل السلع والأشخاص، وتطبيق اتحاد جمركي، سيعود بنفع عظيم على الشعبين.

ويُقرّ راجعي بأن «الجزائريين اليوم يستفيدون من المهارات الحرفية للمغاربة إذ لديهم ميزة تنافسية، ولديهم مهارات ومعرفة زراعية مفيدة لنا. الجزائري الذي يطلب خدمات المهارات المغربية يحصل على خدمة جيدة منافسة الخدمة التي يقدمها له الحرفيون المحليون غير المتوفرين بأعداد كافية، وهذا يسمح للحرفيين المغاربة برفع مداخيلهم، ويسمح للجزائريين بتخفيض تكاليف الخدمات بفضل المنافسة في سوق العمالة اليدوية».

وفي ما يخصّ الاستثمارات البينية، يوضح ذات المصدر، أن فتح الحدود وتوسيع السوق المغاربية، من شأنه فتح المجال أمام المقاولين لاكتشاف الفُرص والمميّزات التنافسية في كل بلد، وهكذا تظهر مناطق بميزات تنافسية مختلفة تجعل المقاولين يخفضون التكاليف؛ وبالتالي يكبرون حجم إنتاجهم، ما يعني تحقيق مكاسب مهمة، وبذلك يخلقون فرص شغل للشباب، ويقدمون سلعًا بأسعار في متناول شعوب البلدان المغاربية. بهذا الشكل ستتمكن البلدان المغاربية، حسب مصطفى الراجعي «من تحقيق إقلاعها التنموي المنشود، بالتعاون بينها، كما سيمكن ذات التعاون من تشكيلها جبهة للدفاع عن مكاسبها الاقتصادية والأمنية، أمام ما يتهددها خارجيًّا».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى