مجتمع

أسباب محدودية التحديات المجتمعية في مواجهة سلطوية حاكمة في المنطقة العربية تفتقد شرعية إنجاز التنمية

عمر حمزاوي باحث غير مقيم
برنامج كارنيغي للشرق الأوسط

يكشف المشهد العربى الراهن عن مفارقة هامة تتمثل فى محدودية التحديات المجتمعية التى تواجهها السلطوية الحاكمة على الرغم من الضعف البين لأداء نخبها الاجتماعى والاقتصادى، وتهافت سجل إنجازاتها التنموية.

فعلى سبيل المثال، وباستثناء منطقة الخليج، ما تزال معدلات الفقر والبطالة والأمية فى عموم العالم العربى مرتفعة للغاية بينما تتدنى إلى مهابط غير مسبوقة مستويات الخدمة العامة المقدمة فى قطاعات حيوية كالتعليم المدرسى والجامعى والصحة”. ويضيف الكاتب والباحث عمر حمزاوي في مقال تحليلي جديد له، تحت عنوان لمادا يستمرون؟، أنه يسجل استمرار إخفاق السلطوية الحاكمة في هده المنطقة، في مواجهة عوائق فعلية تمنع التنمية “كالفساد والمحسوبية واستغلال المنصب العام والغياب شبه الكامل للشفافية والمحاسبة كمبادئ يتعين أن تحكم عمل المؤسسات العامة والخاصة”.

يقول عمر حمزاوي في نفس المقال التحليلي، الدي اختار له عنوان دال “لمادا يستمرون؟”، “نحن هنا أمام سلطوية فاقدة لشرعية الإنجاز بمعناها التنموى ومضامينها المرتبطة بما اصطلح على تسميته الحكم الرشيد، سلطوية تهيمن نخبها بقبضة حديدية على الدولة والمجتمع والمواطنين فلا تسمح فى المجال السياسى بمنافسة فعلية وتقيد من حريات المواطنين فى التعبير عن الرأى والتنظيم والمشاركة فى الشأن العام”، لكن على الرغم من كل دلك لا تجد هده السلطوية الفاقدة للشرعية تحديات على الرغم من ذلك، تحديات مواجهة حقيقية من طرف مجتمعاتها “بل ولا تحتاج فى الأغلب الأعم إلى توظيف العنف المفتوح أو القمع الواسع النطاق للسيطرة عليها”.

إن العجز الاجتماعي والاقتصادي لنخب الحكم في هده المنطقة، وفقدانها لشرعية الإنجاز يوازيه استمراريتها المريحة وغير المكلفة للسلطوية على نحو يتناقض تماما مع الإنجازات الكونية التي تحققت بانهيار سلطويات عندما تعجز عن إيجاد حلول وينتفض ضدها المواطنون دفاعا عن حقوقهم، ويضيف حمزاوي في نفس المقال التحليلي، المنشور على صفحات معهد كارنيغي ، إن كل هدا يحفز البحث والباحث ويحرضه على “التساؤل عن ماهية العوامل المسببة للاستثناء العربى فى هذا الصدد.”

يسرد حمزاوي أدوار تقوم بها مؤسسات بعينيها، منها المؤسسات الأمنية، التي يعتبرها تغولت في الأعوام الأخيرة في هده المنطقة، وباتت يخصص لها من الميزانيات على أكبر نصيب من الموارد، وأنه لم يعد أدوارها مقتصر على “تعقب ومراقبة قوى المعارضة والتوظيف الانتقائى للأدوات القمعية إزاء من تراهم نخب الحكم مصدرا لتهديدات آنية أو محتملة قد ترد على سيطرتها، بل تجاوزت ذلك باتجاه تغليب منطق الإدارة الأمنية المباشرة للعديد من الملفات المجتمعية والسياسية الحيوية، بدءا من ملفات كتعيين حدود نشاط منظمات المجتمع المدنى والنقابات المهنية والخطوط الحمراء لممارسة الحريات الإعلامية مرورا بهوية وتفاصيل النظم الانتخابية المعمول بها على المستويين الوطنى والمحلى وكيفية تقطيع الدوائر الانتخابية وانتهاء بتعديل القوانين المنظمة لمباشرة لحقوق السياسية والمدنية”.

وبالمحصلة واستنادا للمقال التحليلي للحمزاوي، المؤسسة الأمنية أصبحت صاحبة الكلمة الفصل تتفوق على باقي المؤسسات والوزارات، “كما تضخم تمثيل الأمنيين فى بيروقراطية الدولة وأجهزتها خاصة تلك المضطلعة بتسيير شئون الجهات والمحليات بصورة بلورت شبكة شاملة ونافذة للإدارة الأمنية الشاملة للمجتمع يصعب معها على المواطنين التحرك المنظم لمجابهة السلطوية الحاسم”.

إلى جانب المؤسسات الأمنية يرصد حمزاوي في نفس المقال التحليلي، نزوع نخب الحكم في هده المنطقة، نحو شخصنة الحكم، وتركيز السلطة في مجوعة محددة العدد، صغيرة وذات مصالح متجانسة، ومرتبطة بتحالفات عضوية، تمنع أو بلغة الباحث المصري، تحد من نشوب صراعات داخل النخب.

وبعد أن يتحدث عن أدوار أخرى تتبعها السلطوية في هده المنطقة من قبيل توظيف تخويف الناس من التغيير، توظيف الدين، يدهب لعنصر هام ممثلا في من ترابط استمراية السلطوية مع وضعية الهامشية لقوى وأحزاب المعارضة القدة على الضغط، ” فمعظم القوى الليبرالية واليسارية تفتقد اليوم، وفى ظل الترتيبات السلطوية الضاغطة، القواعد الشعبية الحقيقية وتتكلس بالتالى نخبها وخطاباتها وبرامجها.”
يختم الحمزاوي مقالته التحليلة بعنصر هام في تفسير لماد لا تتواجه السلطوية بتحيات قوين من طرف مجتمعات هده المنطقة العصية على التحول الديمقراطي فيقول هناك “رابطة سببية بين استمرارية السلطوية وتهافت فرص التحول الديمقراطى وبين هيمنة ثقافة العنف الإقصائية على المجتمعات العربية والغياب الكامل لقيمة الفرد ــ الإنسان ــ المواطن. فلا إدارة سلمية للاختلاف فى مجتمعاتنا،

والديمقراطية هى فى الجوهر منهج وإجراءات الإدارة السلمية للاختلاف التى تسمح بتعددية الطروحات والفاعلين وبتداول السلطة بينهم فى إطار من حكم القانون والمشاركة الشعبية. وفى حين يرتبط تعدد مصادر القمع فى بلدان كسوريا وليبيا والعراق بالانهيار الكامل لقدرة الدولة على احتكار الاستخدام الشرعى للعنف، تنفرد السلطوية الحاكمة فى جل الحالات العربية الأخرى بأداء المهمة بكفاءة وتعقد وظيفى تتنوع معهما مستويات القمع من قتل إلى سجن واعتقال وتعذيب مرورا بتعقب وتشريد ومنع وانتهاء بتهديد ووعيد، تماما كما تختلف الجهات المنفذة من أجهزة رسمية إلى شبكات غير رسمية.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى