رأي/ كرونيك

الكاتبة الجزائرية خديجة زتيلي وقراءة في كتاب “الفلسفة بصيغة المؤنث لرشيد العلوي”

الفلسفة بصيغة المؤنث هو عنوان الكتاب الجديد الذي صدر عن مؤسسة هنداوي بالمملكة المتحدة للباحث المغربي الدكتور رشيد العلوي، ففي استهلاله للكتاب يطرح العلوي السؤال: لماذا الفلسفة بصيغة المؤنث؟ وفي معاينة له تبدو علاقة الكاتب منتهية مع بعض الأطروحات القديمة – الجديدة التي ليس بوسعها النفاذ إلى عمق الأشياء والإمعان فيها مليّا، ما نتج عنه تسطيح العميق واختزال ما لا يُختزل والانتهاء بتحويل المركز إلى هامش. فالعديد من الكتب التي تحدثتْ عن المرأة والفلسفة عالجتْ الموضوع من زاوية علاقة الفلاسفة بالمرأة ودور النساء في حياة الفلاسفة أو عن تجارب الحبّ التي خاضها بعض الفلاسفة مع النساء، وقد تواتر هذا التصور عن المرأة في أكثر من مؤلَّف. وحتى الكتب التي تطرقتْ إلى أفكار بعض النساء الفلاسفة قليلة للغاية ولا يمكنها أن تفي بالغرض، وفوق ذلك كله تمّ التركيز فيها على بعض الفيلسوفات اللواتي يتكرر ذكرهن في التاريخ المعاصر على وجه الخصوص، مثل هيباتيا – حنة آرنت – جوليا كريستيفا – سيمون دي بوفوار … في الوقت الذي يزخرُ فيه العالم بفيلسوفات أخريات طواهنّ النسيان والتعتيم فلا تؤخذ تجاربهن الفكرية على محمل الجدّ، علما أنهنّ دخلن عالم الفكر والتفلسف تدريسا وتأليفا، وقد عانين ما عانينه من أجل الفلسفة وممارستها، من ويلات حروب ومن اضطهاد ديني ولغوي وطائفي، وضحّى البعض منهن بالأسرة والأمومة أملا في توطين أنفسهنّ فكريا في عالم هيمنتْ عليه السلطة الذكورية بامتياز.
يغوص كتاب رشيد العلوي في التجارب الفكريّة لـــ إيديث شتاين – سيمون فايل – صبا محمود – نادية دو موند – جوديث بتلر – آين راند – نانسي فريزر – وسيلا بن حبيب، تلك التجارب التي أريد لها أن تكون مغمورة وهي المضيئة في واقع الحال، بالاستناد إلى القضايا الفكرية والسياسية التي طرحنها في الفكر المعاصر، فقد لفتن الأنظار إلى مسائل غاية في الأهميّة كان التعاطي معها خجولا في سابق الزمن. إنّ ما يجمع هذه الوجوه برأي الكاتب «هو ذلك الصوت النسوي النقدي الذي تغفله بعض الأقلام الفلسفية ولا تمنحه ما يستحقّ من اهتمام. فجميعهنّ رغم اختلاف مشاربهنّ واتجاهاتهنّ الفلسفية وانتماءاتهنّ العقدية واختياراتهن السياسية تركن أثرا فلسفيا عميقا، ناهيك عن الخيوط الناظمة لبعض المفاهيم التي نحتناها حيث التداعي قائم» (1)، ولعلّ هذا ما يجعل تثمين آرائهنّ والاهتمام بفكرهن ضرورة ملحة تفرضها نصوصهنّ. وإنّ هذا الاستحضار برأي الكاتب من شأنه استنهاض الهمم في مجتمعاتنا التي لا تزال فيها النساء عرضة للاضطهاد والتهميش والتحقير من طرف السلطة الذكورية، التي تستأنس في بسط نفوذها بالتيارات المحافظة والمعادية لقيم الحداثة والتنوير. إذ تعمل هذه الأخيرة على مفاقمة الأزمات الاجتماعية بالاجتهاد في ترسيخ فكرة عدم أهليّة المرأة العقلية وتسويغ حق الوصاية عليها من طرف الرجل بوصفها ”ناقصة عقل ودين” كما يتكرر ذكره في أدبيّات الخطاب الديني المتطرف. ويزداد يقين العلوي في هذا الكتاب بأنّ ”الفلسفة بصيغة المؤنث” إنّما تجد «شرعيتها في طبيعة الموضوعات التي تناولتها الوجوه المنتقاة في هذا العمل بقليل من التفصيل، ولكن بعمق فلسفي حي يروم إبراز دورها في تاريخ الفلسفة المعاصر» (2).
يستهلّ كتاب الفلسفة بصيغة المؤنث رحلته مع الفيلسوفة اللاهوتية إديث شتاين Edith Stein (1891-1942)، التي تتلمذتْ على يد الفينومينولجي الألماني إدموند هوسرل وقد عينها مساعدة له عام 1917 بعد وفاة معاونه الأوّل الدكتور ريناخ، تحصلتْ على شهادة الدكتوراه ببحث عنوانه” تسرب الانفعالات والعواطف” وحاولتْ فيه تجاوز مقاربة علم النفس إلى علم يعتني بالظواهر الإنسانية لاستكناه باطن النفس البشرية المعبر عنها في حدوس انفعالية وعقلية. عانت شتاين من اليتم في سن مبكر من حياتها، ولاحقا تأذت المرأة من ملاحقة النازية لها كونها يهودية، وهذا ما يفسرّ جهل الأوساط الأكاديمية لها في فترة الثلاثينيات. ويرصد كتابها الذي يحمل عنوان «قصة حياة يهودية» سيرتها الذاتية مع انفعالاتها وما عانته من مشقّات في الحياة. وانتهى أمر شتاين إلى الحرق بمعية أختها الطبيبة روز في محرقة أشفيتز الغازية عام 1942 رغم انتمائها إلى الطائفة المسيحية فيما بعد.
أصدرتْ شتاين كتبا هامة ركّزت فيها بشكل خاص على المرأة والتربية والوضع الإنساني، ومن مؤلفاتها: «العلم والإيمان»، «بناء الكائن البشري/الإناسة اللاهوتية»، «جوهر الحياة/الحياة في شموليتها»، «فنّ التربية»، «في الشخص»،« عن قدر المرأة»، ومؤلفات أخرى، كما قامت بترجمة كتاب توما الأكويني في «الحقيقة»، ويُشكل بحثها «المعنون الكينونة الفانية والكينونة الأبدية» أعمق تأملاتها إذ تُشدّد فيه على أهميّة فهم الآخر عبر التعلّم واكتساب المعرفة.
ينتقل بنا العلوي بعد ذلك إلى سرد سيرة فيلسوفة المصنع والشرط العمالي سيمون فايل Simon Weil (1909 – 1943) وتجربتها المثيرة للانتباه بعدما قرّرت التخلي عن وظيفتها التعليميّة وهي اليهودية البورجوازية، لتصبح عاملة في المصانع الفرنسية بتأثير من الأفكار الماركسية المعادية للستالينية، فقد تعاطفت فايل كثيرا وعميقا مع البسطاء والفقراء والعمال إلى درجة أنها كانت تتبرّع بأجرتها الشهريّة إلى صندوق التضامن مع عمال المناجم ولا تحتفظ منها إلا ببضع فرنكات تسد بها الرمق. وكانت تلتقي بالعاطلين والعمال في المقاهي ولا تتوانى في تزويدهم بثقافة الالتزام السياسي، تأثّرت فايل كثيرا بالفيلسوف الفرنسي آلان Alain (إميل شارتيه) الذي اعتبرها قلما واعدا بعد صدور دراستها «تأملات حول أسباب القمع والحرية».
كتبتْ فايل على مدى أربعة وثلاثين عاما التي عاشتهم خمسة وعشرين كتابا، وقد صدرتْ أعمالها كاملة عن دار غاليمار الفرنسية في سبعة عشر جزءا موزعة على سبعة مجلدات تشهد على فيلسوفة متجذرة وشرسة بشكل غير مسبوق، على حد تعبير الكاتب، التزمتْ فيهم بقضايا المجتمع والمضطهدين. صادقتْ هذه المرأة الثائرة الفقراء والعمّال وكانت مناضلة ونقابية عملت بلا هوادة من أجل مبادئها، كما شاركت في مسيرات التضامن وفي الإضرابات، وقد تصدتْ للأنظمة الشموليّة في كتابها «تأملات في قضايا الحرية والقهر الاجتماعي». ويجب التذكير في هذه العجالة أنّ دورا مهما لعبه رجال الدين في حياتها وفي تجربتها الروحية من أمثال جوزيف ماري بيرين على وجه الدقة أظهرته رسائلها بعد وفاتها.
أمّا القسم الثالث من هذا الكتاب فيركّز على الأنثروبولوجية الأمريكية الباكستانية الأصل صبا محمود Saba Mahmood المولودة عام 1962، التي تنتمي إلى الجيل الثالث لمدرسة فرانكفورت والمهتمة بالنظرية السياسية والأنثروبولوجية لمنطقة الشرق الأوسط. تُركز صبا في أعمالها البحثية على المجتمعات ذات الغالبية المسلمة، وفي هذا الشأن أنجزتْ العديد من الأبحاث حول الأخلاق والسياسة، العلاقة بين الدين والعلمانيةـ، وعن مكانة النساء ودورهن في تلك المجتمعات. عملت كمهندسة معمارية بعد تخرجها من الجامعة لكن شغفها بالبحث الأنثروبولوجي الإسلامي جعل مسار حياتها يتجه وجهة جديدة لاستكشاف الأسئلة التي تهمها ومنها أسئلة الاختلاف الثقافي بين الحضارات، كان أول أبحاثها الميدانية «سياسة التقوى: الإحياء الإسلامي والشخصية النسوية» ما بين عام 1977 و1995، حول المرشدات الدينيات في القاهرة، والذي نالت بموجبه درجة الدكتوراه. نشرت مجموعة من العناوين الهامّة منها « هل النقد علماني؟»، «سياسات الحرية الدينية»، «الاختلاف الديني في عصر العلمنة: تقرير حول الأقليات الدينيّة».
ولكنّ كتابها الموسوم بـــــ «سياسة التقوى» هو الذي حظي بشهرة واسعة، فقد دافعت فيه بقوة عن خروج النساء إلى المجال العمومي لمناقشة مواضيع كانت حكرا على الرجال ويتعلق الأمر بشؤون العقيدة والإيمان، وتناولتْ فيه مواضيع هامة مثل: الحرية، الحجاج أو فن الاقناع، الأخلاق العملية والتقاليد.. ونظير جهودها التي لا تخطئها العين لفتت الأنظار إلى أهميّة منجزاتها في مجال البحث الأنثروبولوجي، الذي تنبثق عنه نقاشات سياسية وأيديولوجيّة واسعة للرقي بأوضاعنا وبمجتمعاتنا وأهمها شرط الحرية كأساس لوجودنا الإنساني.
ويبحث المقال الرابع من كتاب «الفلسفة بصيغة المؤنث» في السيرة الفكرية لأبرز نساء الفكر الماركسي التروتسكي نادية دو موند Nadia de Mond التي دافعت عن مبدأ المساواة بين الجنسين من أجل تحرير المجتمع المعاصر من كل أشكال الهيمنة الذكورية، وترتكز في مقالاتها على نصوص فريديريك إنجلز وعلى كتابه «أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة» الذي يذهب فيه كاتبه إلى أنّ العلاقات بين الجنسين في المجتمعات القديمة والبدائية التي كانت تعتمد على حرفة الصيد وجني الثمار كانت متكافئة ومتساوية، وأنّ وضع المرأة ساء كثيرا وأصبح بائسا مع ظهور الملكية الخاصّة والزراعة والدولة. وعطفا على ما قيل فإنها تعيد النظر في بعض الأطروحات الأنثروبولوجية المعاصرة وتجتهد في أبحاثها من أجل توضيح «ثلاث قضايا متصلة بنضال الحركة النسائية: أصل وطبيعة النظام الأبوي، ركائز وأعمدة النظام الأبوي، مفهوم النوع الاجتماعي» (3.)
وليس خافيا أن دو موند تسعى في نضالها المستميت إلى تصحيح الكثير من الأخطاء التاريخية ودحض الأحكام المعادية لحقوق المرأة، وفي مقدمتها تلك المستندة أساسا على مسوّغات بيولوجية واهية تمنح لنفسها الحقّ في إقرار التراتبيّة الهرمية بين الجنسين بالرغم من افتقارها إلى أي سند علمي أو منهجي. وهي تشدّد على القول أن هذه التراتبيّة قد بسطتْ من نفوذها في المجتمع الراهن حيث تتمدّد الليبيرالية بسرعة وبقوة وتستعمل النساء في منظومتها كجيش لتطوير الاقتصاد. وإنّ إيهام الناس بالمساواة بين الجنسين لتقدير غير صائب طالما أنّ النساء بقين مجرد أرقام في عملية الإنتاج ليس إلاّ.
أما القسم الخامس من الكتاب فيحطّ رحاله عند الفيلسوفة اليهودية الأمريكية ذات الأصول الروسية -المجرية جوديث بتلر Judith Butler المولودة في عام 1956، تنتمي إلى النظرية النقدية المعاصرة وقد اهتمت بالسياسة والأدب وبالدراسات الثقافية والجنسانية والنوع، وفي بحثها المعنون «ذواتٌ راغبة: تأملات هيغلية حول فرنسا القرن العشرين» طوّرتْ فهما جديدا للعلاقة بين الرغبة والاعتراف، وأصدرت في عام 1993 دراستها الشهيرة «هذه الأجساد التي يجب اعتبارها». قرأتْ للكثير من الفلاسفة المحدثين والمعاصرين ولكنّها اهتمت أكثر بهيغل وستتبنى لاحقا مفهوم الاعتراف الوثيق الصلة بالعيش في كنف الحرية، وهو غير معزول عن العلاقة مع الغير ولا ينفصل في الآن نفسه عن سؤال الهوية وعلاقته بالذات. هذا وتستعين بتلر لعرض وجهات نظرها الفلسفية بأطروحات أدورنو في العلاقة بين الأخلاق والشروط الاجتماعية، وبمواقف آرنت حول الحياة الجيّدة والعيش الكريم.
يُعرفُ عن بتلر أنّها من دعاة إنهاء الاحتلال والعنف والبحث عن اعتراف متبادل بين الشعبين الفلسطيني واليهودي، وبضرورة إجراء تسوية عادلة من أجل نظام ديمقراطي يمكن التعايش فيه سويا لجميع الأطراف. ويرتفع صوتها في الكثير من المحافل الدولية منادية بالسلام، فهي عضو في اللجنة الاستشارية لــــ ”الصوت اليهودي من أجل السلام”، وممثلة في اللجنة التنفيذية لــــ ”أساتذة من أجل السلام الفلسطيني – الإسرائيلي في الولايات المتحدة” وفي ”مؤسسة مسرح الحرية في جنين”. وتؤكد كتاباتها من قبيل «حياة قلقة – مستباحة: قوى العنف والعزاء»، «أطر الحرب: متى يؤسى على الحياة؟»، «طريق متفرقة: اليهودية ونقد الصهيونية»، و«حياة هشة» رفضها للعنف تحت أي مبرّر، وميلها إلى ممارسة السياسة في أجواء من السلام.
في المقال السادس من كتاب «الفلسفة بصيغة المؤنث» نعثر على تجربة فكرية مختلفة عما سبق من التجارب في هذا الكتاب، إنّه عن الفيلسوفة والروائية والسينمائية الروسية آين راند Ayn Rand (1905- 1982)، التي تؤكّد في مقدمة كتابها «في سبيل نخبة جديدة » الذي تطرقت فيه إلى فلسفة أفلاطون وأرسطو وهيوم وكانط وهيغل، بأنه لا يمكنها تقديم صورة عن الوجود البشري من دون إطار فلسفي. اشتهرت كثيرا في عالم الفن السابع والأدب أكثر مما اشتهرت في مجال الفلسفة رغم كتاباتها الفلسفية الكثيرة، رافقت نجوم وكتاب السينما في هوليود وتركت آثارها في أعمالهم بفضل أفكارها التي دعت إلى تجديد المضامين والأساليب في مجال السينما. ويجب التذكير هنا أنّ الكثير من رواياتها تحولتْ إلى أفلام شهيرة كــ «نحن الأحياء»، «منبع العيش»، «الإضراب» وغيرها من الروايات.
لخصتْ راند فلسفتها الإثيقية والأخلاقية في بحثها الذي نالت به شهادة الدكتوراه تحت عنوان ”فضيلة الأنانيّة” the Virtue of Selfishness الذي قامت بنشره في عام 1964، وهو يعبر إلى جانب كتابها «مدخل إلى الموضوعية الأبستمولوجية» عن مذهبها الفلسفي والأخلاقي في الموضوعية والعقلانية. وفي كتابها «فيم نحتاج الفلسفة؟» الذي يضم بين دفتيه ثمانية عشر مقالا دافعتْ هذه الفيلسوفة عن الحاجة الملحة إلى وجود الفلسفة في كل مكان، عن فلسفة للعيش المشترك وليس عن فلسفة للعقل، فالبشر حسبها بحاجة إلى إطار أخلاقي، في محاولة منها للردّ على كانط ونزعته المغالية في أخلاقيّة غيرية دمرتْ حسبها أسس الذاتية العقلانية، فلقد قوض كانط وفق راند النزعة الفرية التي لا مناص بأنها أساس البقاء الانساني.
ويخصص كتاب العلوي مقاله الموالي للفيلسوفة الأمريكية نانسي فريزر Nancy Fraser التي ولدت في عام 1947، تتمحور كتاباتها حول العدالة والحق والنظرية النسوية وحول الفضاء العمومي، وهي تهتم بالمواضيع السياسية التي طرحها الجيل الثالث للنظرية النقديّة لمدرسة فرانكفورت. وجذير بالذكر أنّ هناك مجالات ثلاث تحكم تفكير فريزر هي: المجال السياسي وفيه تعيد النظر في مفهوم الفضاء العمومي، وتعد كتبها، «ماهي العدالة الاجتماعية؟ الاعتراف وإعادة التوزيع»، و«دينامية النساء»، و«جدالات نسائية: مطارحات فلسفية»، أساس تصورها. أما الثاني فهو المجال الثقافي وتعيد فيه تفحص مفهوم الاعتراف ويمكن بهذا الصدد العودة إلى كتابها «التصور الراديكالي: بين إعادة التوزيع والاعتراف» لمزيد من الإيضاح، أما المجال الثالث الذي تعتني به فريزر فهو المجال الاقتصادي حيث تُعيد النظر في مفهوم التوزيع، ويمكن الاستناد على كتابيها «انقطاعات العدالة: تأملات نقدية حول الوضع ما بعد – الاشتراكي»، و«موازين العدالة: إعادة تصور الفضاء السياسي في عالم معولم» لفهم أكثر للموضوع.
لا شك أنّ المسألة النسوية تشغل حيزا كبيرا من تفكير فريزر، وهي تدعو في كتابها «دينامية النساء» إلى تفحص المعاني وإلى نظرية متكاملة حول الخطاب، إلى خطابات فوق – نظرية في ظلّ انتشار قيم الليبيرالية والليبيرالية الجديدة، فمع مرور الوقت تغير خطاب الحركات النسوية ولم يعد كما كان في سابق عهده مع الموجة الأولى، ويتعين وفقا لذلك التفاعل مع ما يجري لأنّ مفهوم المرأة تغير أيضا وفقا لتنوع الهويات الاجتماعية.
ويعتني المقال الأخير في هذا الكتاب بـــ سيلا بن حبيبBenhabib Seylaالمولودة بتركيا عام 1950، تدير في جامعة يال بأمريكا برنامج الإثيقا والعلوم الاقتصادية والسياسية، وهي عضو الجمعية الفلسفية الأمريكية ورئيسة اللجنة العلمية بجامعة كولونيا بألمانيا، درّستْ الفلسفة وتهتم في أبحاثها بالنظرية النقدية والنظرية النسوية، وتتمحور مؤلفاتها في الفلسفة السياسية تحديدا وتعتني بمواضيع مثل الهجرة، الاحتلال، مخيمات اللاجئين، المقيمين، البدون أوراق، المهمشين، والمقصيين لسبب ديني أو عرقي أو لغوي. المواطنة العالمية، العدالة، الديمقراطية، التعدد الثقافي، النسوية.. تنتمي هذه الفيلسوفة إلى الجيل الثالث للنظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت من خلال اشتغالها مع هابرماس، وهونيث، ونانسي فريزر، وجودي بتلر.
إنّه يتوجب علينا وفق بن حبيب الوعي بالتحولات العميقة التي طالت الفضاء العمومي والتي ساهمت فيه وسائل الاعلام والوسائط الجديد للاتصال، وبهذا الشأن اعترضت أن تحلّ وسائل الاعلام، وهي مجرد أدوات لتبادل الرأي، محل عملية التداول الواقعية واتخاذ القرارات. ويعدّ كتابها «النقد، المعيار واليوتوبيا» أشهر كتبها صاغت فيه مفهوم النقد وذلك بالرجوع إلى جملة من الفلاسفة المعاصرين كهيغل وماركس ولوكاكش وفيبر وغيرهم. والمقال حول سيلا بن حبيب يتناول قضايا أخرى تطرق إليه العلوي مثل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وموقف الفيلسوفة منه وبدائله، وكذلك ثورات الربيع العربي، والفعل السياسي في تركيا، وقضية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، ومسائل أخرى من الأهمية بمكان العودة إليها في هذا الكتاب.
في ختام هذه القراءة التي قَدَمتها للكتاب لا يسعني إلاّ التأكيد على أنّ عودة القارئ إلى كتاب «الفلسفة بصيغة المؤنث» في تفاصيله ومحاوره الكبرى سيضيئ زوايا أخرى أغفلها التلخيص والاختزال، فلقد بدل العلوي فيه مجهودا كبيرا وصادقا كان ديدنه فيه المعرفة وكتابة التاريخ والفلسفة بكثير من المحبة والصدق والعمق، يحدوه في ذلك أمل استنهاض همم مجتمعاتنا التي تعاني من الانسداد التاريخي وعدم التصالح مع الذات. فهل ستتناسل كتب أخرى على خطاه تحكي الفلسفة بصيغة المؤنث؟ وهل ستتوسع دائرة وأفق الإشكاليات التي طرحتها إديث شتاين وزميلاتها في هذا الكتاب والتي قام رشيد العلوي بعرضها باقتدار
كبير؟ .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى