ثقافة وفنون

المرنيسي تكشف تهافت الحديث عن ولاية المرأة بوقائع من زمن النبي

تمكنت الباحثة المغربية، فاطمة المرنيسي (1940-2015)، من رد الاعتبار للمرأة العربية؛ فقدمت بحوثاً جريئة، خاضت من خلالها،

محاولات عديدة، لفضح العوامل والأسباب، المؤدية إلى ترسيخ صورة ذهنية، غير عادلة للأنثى؛ احتلت فيها موقعاً أدنى، أمام

سلطة الرجل، وتبعيتها الهامشية له، في ظلّ مركزيته المباشرة، بالإضافة إلى فض الصورة المشوهة، التي راكمتها السلطة

والثقافة العربية، في بنيتها وتراثها، ما آل بها، أن تصبح محل إدانة وإتهام، وتتنقل بين دوائر الخوف والقمع.

منذ رسالة الدكتوراة، التي شرعت، المرنيسي، في إنجازها بالولايات المتحدة الأمريكية، في العام 1972، تحت عنوان: “ما وراء

الحجاب: الجنس كهندسة اجتماعية”، رسخت أدواتها المنهجية، التي دأبت فيها على تفكيك الخطابات التاريخية، التي حبست

المرأة في مفاهيم مغلقة.

 

ترى الباحثة فاطمة المرنيسي أنّ شخصية الرسول عليه السلام في معاملته للنساء وزوجاته اتسمت بالمرونة وسعة العقل والتفاهم

ووضعت يدها على الأيديولوجيا الدينية والسياسية في التاريخ، التي جذبت المرأة داخل حصانة الرجل، وضياع هويتها، وفقدان أي

أثر لها، عن عمد، فضلاً عن تفصيل تلك الشروط المؤدية، لعدم تحرير المرأة في الواقع المعاصر.

في كتابها: “الحريم السياسي.. النبي والنساء”، تحاول إضاءة الجانب المسكوت عنه، الخفي والمضمر في حياة المرأة العربية

والمسلمة، منذ زمن النبي، عليه السلام، وخلال مراحل تشكل الإسلام، والتطورات التي لحقت على المرأة، بكل تناقضاتها

وتفاوتاتها، في حياة الرسول، عليه السلام، والصحابة، رضي الله عنهم، والخلفاء.

 

رسالة الدكتوراة للمرنيسي: "ما وراء الحجاب: الجنس كهندسة اجتماعية"

النبي والنساء

ترى المرنيسي، أنّ شخصية الرسول، عليه السلام، في معاملته للنساء وزوجاته، اتسمت بالمرونة، وسعة العقل والتفاهم. وقد

“كان النبي رجلاً مهذباً ومتحفظاً، إلى أقصى حد، وأعطى طيلة فترة بعثته النبوية، سواءً أكان في مكة أو في المدينة، مكاناً

رئيسياً للنساء، في حياته العامة”.

وتؤثر عن النبي، عليه السلام، أقوال وممارسات مع نسائه وزوجاته، توضح أنه طيلة فترة البعثة النبوية، لم يكن يفصل بين عالمه

وعالمهن، ويزيل كل الحواجز والأطر التي تعيق التواصل بينهن بفعالية، وتوثق كيف أنّ النبي، عليه السلام، لم يبعدهن عن حياته

السياسية، وكان يتشاور معهن، ويأخذ برأيهن.

تبحث المرنيسي في أخذ بعض الأقوال التي تزدري قيادة المرأة واعتبار النساء والسياسة يشكلان خليطاً سيئاً

وبحسب المرنيسي، كان لنساء النبي، عليه السلام، دور حيوي في الحياة السياسية، وبالتالي، قلما يبدو أن نساء النبي،

اعتبرن أن المسائل الحربية والسياسية غريبة عنهن.

وتعزى هذه الديناميكية في العلاقة بين الرسول، عليه السلام، ونسائه، إلى أنّ الرسول، عليه السلام، كان محاطاً بنساء

متميزات، كمثل أم سلمة وعائشة وزينب، رضي الله عنهن، وتصفهن الكاتبه بأنهنّ “ذكيات ومتمرسات بصورة خاصة في الحياة

السياسية”.

وتشير المرنيسي، إلى الدور المركزي، للسيدة خديجة، رضي الله عنها، أولى نساء الرسول، عليه السلام، التي قدمت له الدعم

والسند المعنوي، في أول أيام الوحي، فآمنت به وأسلمت.

وعن خديجة، رضي الله عنها، تقول المرنيسي: “كان عمره 40 سنة، عندما تلقى أول الوحي، في سنة 610، وكان ذلك بين

ذراعي زوجته الأولى، خديجة، حيث استكان ليجد الطمأنينة والسند”.

كتابها: "الحريم السياسي.. النبي والنساء"

المرأة من القيادة إلى الهامش

“أم سلمة امرأة ذات جمال بارع. تمتلك حجة مفحمة، ومنطقاً فورياً وقدرة خارقة على التوصل لصياغة آراء صحيحة”، كما تشير

المرنيسي، وهي تتحدث عن واحدة من زوجات الرسول، عليه السلام، وصفاتها، التي تعكس شخصية ذات قوة وحضور، ليست

بالهينة والبسيطة.

كانت أم سلمة، رضي الله عنها، سفيرة النساء في عهدها، ولم تتوانَ، لحظة، عن إيصال جميع تساؤلات، ومطالب النساء، بوجه

عام، في عصرها، إلى النبي، عليه السلام، فيما كانت تتميز بحدة ذكاء وجرأة غير عادية.

وتفصح المرنيسي، عن واقعة ذات دلالة مهمة، تكشف حجم ذكاء وقوة أم سلمة، عندما سألت الرسول عليه السلام: “يا رسول

الله ما لنا لا نذكر في القرآن كما يذكر الرجال؟” فنزلت الآية: “إن المسلمين والمسلمات”. من سورة الأحزاب.

كانت أم سلمة رضي الله عنها سفيرة النساء في عهدها ولم تتوانَ عن إيصال تساؤلات ومطالب النساء للنبي عليه السلام

لكن، إذا كان الحال، مع النبي محمد، عليه السلام، بهذا الوضع الاستثنائي، الذي منح فيه المرأة، موقعاً متقدماً في حياته، بحيث

تمكنّ من القطيعة مع المجتمع وميراثه، الذي كان تعامله معها، باعتبارها بعض متاعه، وجزءاً مهملاً. فما هي الأسباب التي آلت

بالمرأة إلى هذا الجانب المعتم؟

تفسر صاحبة “ما وراء الحجاب”، هذا “العدوان على المرأة، والردة التي وقعت لها”، بأن ذلك، نابع من الثقافة العربية، والقبلية،

التي تعمد إلى كراهية الرجال للنساء، ومشاركتهن السياسية، وفي إطار ذلك، تم خلط الديني بالسياسي، لشرعنة القوة

والهيمنة، في يد الفئة المسيطرة، الذين هم الرجال.

تقول الباحثة المغربية: “فكل القوة، من القرن السابع ميلادي، وفي ما بعد، كانت تشرعن سلطتها من طريق الدين، والقوة

السياسية، والمصلحة الاقتصادية، فقط، وعن طريق اختلاق المزيد من الأحاديث الباطلة”.

كيف هُمّشت المرأة؟

تفكك المرنيسي منهجية ما يسمى بـ “علم الرجال” أو “علم الجرح والتعديل”، الذي يتحرى المعرفة برواة الحديث وأهل السند،

من الناحية العلمية والعملية والاجتماعية، ومسيرتهم في تلك المراحل، كافة، والعلماء الذين تلقوا منهم العلم، والرحلات التي

خاضوها، سواء في تجارتهم أو تحصيلهم للمعرفة الدينية. ناهيك عن تحديد تاريخ ولادة كل شخصية من هؤلاء الرواة، وتقصي

المعلومات كافة، التي توضح مدى نزاهته الأخلاقية والدينية، ومن ثم الإحاطة بمدى صوابية وسلامة، ما يقوم بنقله من أحاديث

عن النبي، وجدارته وأمانته في ذلك.

حاولت المرنيسي، من خلال امتلاكها هذه الأداة، الكشف عن انحرافاتها والدوافع الأيديولوجية والبراغماتية، التي حكمت البعض،

من الرواة، في ترديد ونقل أحاديث باطلة، وغير صحيحة عن المرأة، شوهتها ونالت من حقها، في خضم الصراعات السياسية.

ومن بين تلك المرويات، التي قامت المرنيسي بنقدها، ذلك الحديث الذي رواه أبو بكرة نافع بن الحارث: “لقد نفعني الله بكلمة

سمعتها، من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أيام الجمل، بعدما كدت ألحق بأصحاب الجمل، فأقاتل معهم”. قال: “لما بلغ،

رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنّ أهل فارس، قد ملكوا عليه بنت كسرى قال: لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة”.

ولئن وصفت المرنيسي هذا الحديث بأنه “حجة أو مطرقة بأيدي الذين يريدون إقصاء المرأة من السياسة”، لكنها في المقابل،

استعارت أدوات منهج علماء المسلمين، في تحري صحة الأحاديث، من خلال علم الجرح والتعديل، وبدأت الكشف والحفر

التاريخي، عن راوي الحديث “أبي بكرة”، ومدى سلامة ما نقله، وتوقيته، وملابساته.

واكتشفت المرنيسي، أنّه (أي أبو بكرة)، تذكّر هذا الحديث، في يوم معركة الجمل، أي بعد ربع قرن على وفاة الرسول، والتي كان

طرفاها، السيدة عائشة، رضي الله عنها، بنت أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، وزوجة الرسول، عليه السلام، ضد علي بن أبي

طالب، رضي الله عنه.

وقام الحارث برواية الحديث بعد أن أخذ علي البصرة، وخسرت عائشة المعركة. وهنا تنفي الباحثة، “الموثوقية والنزاهة عنه في نقل الحديث، الذي يدخل ضمن أغراض نفعية”، وفقها.

وتؤكد الباحثة، أنّ معركة الجمل، التي قادتها السيدة عائشة، رضي الله عنها، ضد علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، وإخفاقها

في المعركة، أدت إلى أن أخذ بعض الفقهاء، في ذلك الوقت، الأمر دليلاً على فشل ذريع في السياسة النسوية، وضرورة منع

النساء من العمل في السياسة، واعتبار “النساء والسياسة يشكلان خليطاً سيئاً”.

الكاتب والصحافي المصري: كريم شفيق

المصدر: حفريات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى