رأي/ كرونيك

المسيرة البيضاوية بميزان التكيف بدل التحول

نال منا الوقت السياسي حتى نسينا قيمة الزمن الإجتماعي، شغلناه بأحلامنا فأحتوانا برداءته ، وتحول هدفنا الى معارك لحظية وتجريبية تساير جدول سياسة الأمر الواقع ، نعلق على الأحداث ونحصي الخسائر ، وفي احسن الأحوال نتضامن مع ضحايا السياسة ، دون ان نبكي على اطلال فكرنا التقدمي ، أو على الأقل نشعل شمعة منجزاتنا النضالية ، ونثمن تضحياتنا . وها نحن نعبئ المواطنين لمعارك التضامن والإدانة ، والحال ان العقل يقتضي بلورة مشاريع بديلة مقرونة باستراتيجية دائمة لتصريف المواقف ، بالنضال اليومي و بأفق دمقراطي ، وتقديم عرض سياسي يراعي متطلبات المرحلة ؛ وإذا كان لابد من تقييم اولي ؛ فإنه من بين الأخطاء الملموسة في التعامل مع الحركية الاجتماعية تردد الفاعل السياسي بين الرغبة في تأطير الشباب ومرافقتهم وبين استقطابهم و احتواء حماسهم ، بخلفية القرب او التأهيل الإنتخابي ، حتى لا تتماهى المسؤولية القانونية والسياسية وتتوه . غير أن ما يؤلم كثيرا هو انه خلال الوقفات والمسيرات تستغرق القضايا العارضة او الطارئة كل القضايا المصيرية العالقة ، والتي لم يتم الإستعاب ان حلها او طي صفحتها بالعدل ، مهيكل لكل دعائم القطع مع الماضي ، وهنا وجب التذكير إلى ان المنتدى المغربي من اجل الحقيقة والإنصاف يشارك بإستمرار ، ويعتبر مشاركة مناضليه وعائلات المختفين قسريا والمجهولي المصير ، بمثابة تذكير بنداء الحقيقة والكرامة وعدم التكرار الذي يصوغه يوميا كافة المناضلات والمناضلين مؤسسي منتدى الحقيقة والإنصاف وذوي حقوق الشهيدات والشهداء وكذا قدماء المعتقلين والمختفين قسريا الناجين من جحيم الاختطاف السياسي والاعتقال التعسفي ، مع التشديد والإلتزام و العمل على جدوى تحويل ملف الانتهاكات الجسيمة إلى قضية مجتمعية ، وشأن عمومي يتجاوز مطالب فئة ضحايا سنوات الرصاص المباشرين . وأيضا يدعو ويستدعي كافة الحقوقيات والحقوقيين الى تمثل رسالة الحقيقة والعدالة وتبني مطلب عدم تكرار الانتهاكات الجسيمة ومطلب عدم الافلات من العقاب ، وليست الوقفة الرمزية بساحة الامم المتحدة بالدارالبيضاء ليوم الثامن من يوليوز  ، التي تنازلت عنها التنسيقية لفائدة من يجب ، سوى تجسيد و تعبير عن هذه الإرادة ، فهل كنا جميعا في الموعد وفاء للمشترك الوطني ؟ وبكل تواضع وضد كل افتعال ، يبدو عنوان ونتيجة المسيرة البيضاوية انها نظمت من أجل دعم ضحايا الانتهاكات والمطالبة بالإفراج عن المعتقلين ولم يكن بتاتا في جدول اعمالها خلق زعماء او عمداء ، وفي نفس الوقت ، كانت الرسالة سلمية وواضحة بأن الدولة العاقلة لن تبخس المواطنين مطالبهم ، صحيح انها كثيرة وغير مرتبة ، ولكن مسيرة التضامن ، بمدينة الدالبيضاء واضحة في بسط واختزال المطلب الوطني المشترك في تصفية البيئة الحقوقية والأجواء السياسية ، فليس عيبا أن تعيش الدولة على أنها المتهم المحتمل والمقترف الافتراضي لكل ما يقع من إنتهاكات ، فهذه ضمانة للمواطنين بكون دولتهم دائمة اليقظة والمسؤولية لحمايتهم من بطش موظفيها الوطنيين وكذا من اعتداء الخارج ، وذلك بالعمل الدؤوب على اتباث براءتها وبتحميل موظفيها المنفذين للقانون كافة المسؤوليات المدنية والجنائية كتصرفات شخصية وغير مرفقية ، هذا هو جوهر التعاقد ، وكل توتر في هذا المجال مؤطر بالحكامة الأمنية والأمن القضائي يعتبر قرينة على تطهير الخروقات والانتهاكات من أية ارادة التواتر والمنهجية للدولة ، رغما عن تباث جوهر النظام السياسي اللا دمقراطي ، مما يقتضي ضرورة الوعي بمحدودية سقف الرهانات ، و قد يضايقنا الإمعان في تحويل أوراق التوت الى وثائق لتبادل الثقة والولاء ، ولكن ماذا عسانا نفعل في ظل اختلال موازين القوى لصالح المد المحافظ ، وهي بيئة خصبة لمزيد من تصلب مواقف التحالف المصالحي تجاه اي انفتاح سياسي او انفراج حقوقي . فهلا كنا واضحين تجاه ذواتنا وهشاشة تراصنا و تيه بوصلتنا ، حيث لا يعقل ان نجهد في محاولات التوحيد القسري ، والحال ان الوحدة نضالية قبل ان تكون تنظيمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى