سياسة

بعد 5 سنوات وأموال صرفت الحكومة تقر أن الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد إجراءاتها غير قابلة للتحقق

اختار رئيس الحكومة الحالي، سعد الدين العثماني، لغة مختلفة عن سابقه عبد الإله بن كيران، وإن هي تؤدي لنفس المضمون والنتيجة “عفى الله عما سلف” أو أن محاربة الفساد تقتضي التدرج، وتقتضي كثيرا من الحكمة والتروي والاتزان، وبذلك تعثر مسار تنزيل الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد تعثرا كبيرا ، والذي بلغت تكلفتها على المغرب أزيد من 5 سنوات من العمل، عدا أن مقتضيات الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد قيل أنها تستلزم غلافا ماليا مهما قدره 1,8 مليار دهم،… دون أن تحقق أي نتائج لحد الساعة.

فبعدما شرعت الحكومة السابقة في التفكير في هندستها، ابتداء من سنة 2013، ستتم المصادقة على هذه الاستراتيجية في دجنبر 2015، لكن اللجنة الوطنية لتتبعها لم تتأسس إلا سنة 2017، بينما الاجتماع الأول الذي ستعقده كان في أبريل 2018. وعدد من الإجراءات التي تضمنتها الاستراتيجية تبين بعد ذلك أنها مستحيلة التحقق والآن الحكومة تفكر في مراجعتها. لا تشمل الخسارات التكلفة الباهظة للفساد في المغرب، بل الأموال التي تضخ سنويا لما يقال إنه دراسات واستراتيجيات لمحاربته، أو وصلات دعائية وإشهارية.

سبق لرئيس الحكومة نفسه أن صرح، وعلى لسانه، بالقول إن استمرار الفساد يضر بمصالح المغرب ويستنزف اقتصاده، حيث يفقد المغرب حوالي 5 في المئة من ناتجه الداخلي الخام أي ما يعادل 50 مليار درهم (5 مليارات و500 مليون دولار) سنوياً. وأضاف سعد الدين العثماني نفسه، أن رقم 5 في المئة من الناتج الداخلي الخام يشمل الفساد بمختلف أنواعه، من رشوة وتلاعب في المال العام وصفقات مشبوهة وأن هذا الفساد يفوت على المغرب بناء 150 مستشفى من الطراز العالي، وتشييد أكثر من 300 مدرسة ذات مستوى عال كل سنة.

وكنتيجة لهذا الوضع، المغرب يؤدي فاتورة مكلفة بالنسبة لمعدلات النمو تقارب مليار دولار سنويا و يحرم من نقطة إضافية في معدل النمو السنوي للناتج الداخلي الخام.

يشار في هذا الصدد أيضا، أن المغرب لم يعلن عن انخراطه الفعلي في محاربة الفساد، إلا مع مطلع الألفية الحالية، وهو إعلان غير كافي، بل إنه محتشم ومطبوع بالتردد والانتقائية، في ظل وضع الفساد استشرى في كل مرافق الدولة، بل وجرى التطبيع معه مجتمعيا. من جهة ثانية، وفي سياق الحديث عن فشل استراتيجية محاربة الفساد، وجب التذكير أنه جرى اعتماد الإستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد في سياق دستوري جديد، إذ تم التنصيص لأول مرة في تاريخ الدساتير المغربية على مبدأ الحكامة الجيدة و أفرده دستور 2011 بالباب الثاني عشر. و هكذا وردت مبادئ أساسية لعمل المؤسسات العمومية في الفصول ما بين 154 و 170 كالشفافية والمحاسبة والمسؤولية والنزاهة والمصلحة العامة، لكن ما يسجل من طرف المتتبعين والباحثين، أن كل الخطط بما فيها الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد، والتي قيل إنه سيمتد تفعيل بنودها وبرامجها إلى حدود سنة 2025، كانت ومازالت حتى بعد إعلان الحكومة على ضرورة مراجعتها، للجرأة السياسية المطلوبة، ولرئيس حكومة على الأقل يتمسك بما منخته له مضامين دستور 2011.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى