رأي/ كرونيك

حديث في السياسة: الانفراج…أو الانفجار..؟!.. ونقاش مع محمد الساسي

سعيد ازريوح

كل كلمة هي قناع، كل موقف له خلفية أو خلفيات، كل قول يمكن تأويله وكل تأويل يمكن بدوره أن يخضع للتأويل…إذا أردت التفكير بغير هذه الطريقة عليك أن تنتمي للزاوية أو ما شابهها حتى يكون تقديسك للشيخ أو الزعيم أو المرجعية منسجما مع طبيعة انتمائك.

أما إن كنت تزعم أنك من أهل مؤسسات حقبة الحداثة وحتى ما بعدها فيجب أن يكون فكرك نقديا والشك والتفكيك والجينيالوجيا منهجك.

بعد هذا التذكير، دعونا نذهب رأسا إلى موضوعنا وهو نقاش إحدى قراءات المرحلة السياسية التي تداولتها بعض وسائل الإعلام والتي عنونها صاحبها محمد الساسي “بالإنفراج أو الإنفجار”. ودعونا نوضح منذ البداية أننا بصدد تفكيك فكرة طرحت في الفضاء العام حتى لا تنتفض بعض العقول البسيطة مطالبة بضرورة سجن هذا النقاش في غرفة خاصة.

“الانفراج أو الانفجار” هي مبادرة سياسية قد تكون تحذيرا موجها لمن يحكم المغرب أو نصيحة له أو رأيا استشاريا تطوعيا. وفي كل الأحوال هذه المبادرة تفترض ضرورة أن الحاكم ومحيطه ألاستخباراتي والأمني… لا يمتلك الكفاءة المطلوبة حتى يرصد عوامل الانفجار وتوقيته الافتراضي وسبل تجاوزه.

من جهة أخرى تعني هذه المبادرة أن مؤسسة الحكم بالبلد تستهتر باستقرار البلد وهي المطالبة بتأمينه من حيث وظيفتها، ومن حيث مصلحتها في الاستمرارية في تدبير شؤون المغاربة!!!

إن كانت هذه خلفيات المبادرة فيحق لنا أن نصفها بالساذجة، وحتى الفاقدة لشرعية العقل والعلم، لأنها تضع جانبا إحدى ثوابت فن تدبير الممكن.

صحيح أن البلد يعرف حراكات شعبية وأن شرائح عريضة من المجتمع عبرت بأشكال مختلفة عن تضررها من السياسات الرسمية، وأن حقل الاقتصاد ينزاح إلى دائرة الركود… كل هذا صحيح ولكن هل هذه المتغيرات قادرة على إنتاج معادلة أقوى من معادلة 20 فبراير؟؟؟،  في نظرنا المتواضع نعتبر أن مؤسسة الحكم لن تنتبه كثيرا أو قليلا لهذه المبادرة، لأنها تعي جيدا أن الانفجار الذي يتحدث عنه صديقنا الساسي، وحتى إن وقع فلن يشكل تهديدا لاستمراريتها لأن شرط استثماره داخليا غائب بغياب قوة سياسية حقيقية تضع في أجندتها مهمة الحكم الآن وهنا، وغائب خارجيا بحكم تحكم اليمين في مفاصل القرار العالمي والذي شكل دائما حليفا موثوقا للنظام المغربي لأسباب يعلمها الجميع.

قد تحتمل المبادرة تأويلا غير الذي سبق والذي يمكن إيجازه على الشكل التالي: المؤسسة الملكية تعيش إكراهات داخلية تخبرنا صحة وسلوك الملك عن بعضها، أو بعض الأخبار المنفلتة من المشور السعيد عن بعض تفاصيلها أو تنبهنا بعض الجرائد العالمية عن تمظهراتها…. ولأن هذه الإكراهات تطرح سؤال المستقبل بإلحاح، فإنه من واجب مؤسسة القصر المبادرة إلى خلق أجواء إيجابية عنوانها الانفراج.  لكن وحتى إن افترضنا أن هذه القراءة لها مصداقية كبيرة فهذا لا يعفينا من السؤال التالي: ما هو مضمون الانفراج الذي نتحدث عنه؟.

إن كان المقصود هو انفراج حقوقي يتحقق بإطلاق صراح المعتقلين السياسيين وتوقيف المتابعات، فعلينا أن ننتبه إلى أن الجمعيات الحقوقية الوطنية والدولية ما فتئت تطالب به والحكم لم يمارس سوى ما يؤكد عكسه.

وإذا كان المقصود هو انفراج اجتماعي فعلينا كذلك أن نعي أن التزامات المغرب الدولية، وأزمة الاقتصاد عالميا، والإكراهات المالية داخليا لم ولن تترجم سوى بالمزيد من مهاجمة دخل المواطن وقدرته الشرائية ومرافقه العمومية.

وإذا كان المقصود هو انفراج سياسي بالانفتاح على القوى المعارضة ذات “الأيادي النظيفة”، والتي “تحب الملك وتقول له في نفس الوقت لا” فإننا سنكون أمام جبل من الأوهام لم تقنع صاحبها عقود من الزمن الضائع بالتخلى عنها.

على الرفيق الساسي أن لا يغيب عن ذهنه أن الحكم لا زال مقتنع بأن شرط وجوده هو قتل السياسة، وأنه حتى إن اقتنع بالعفو عنها لفترة محددة فإنه لا يستغني عن قيوده وشروطه.

 

على صديقنا أن يتذكر مصير رفيقه عبد الرحمان اليوسفي الذي هو الآخر حاول تجنيب البلاد مرحلة السكتة القلبية / الانفجار فانتهى بنهاية السيناريو الذي كتبه الحكم. على صديقنا أخيرا أن يكون متواضعا ليكتشف بأن الأمير وحتى إن كان في حاجة لحليف فشرطه سيكون وجود ما سيضعه هذا الحليف على الطاولة ليتفاوض بشأنه. فهل في جبة صديقنا ما هو جدير بالتفاوض؟ لا أعلم.

قد يطول بنا الحديث والتأويل، لذلك دعونا نضع حدا لذلك بخلاصة واضحة وغير مواربة: حقل السياسة هو نسيج من القوى المتصارعة التي تكون الواحدة منها فاعلة والأخرى متفاعلة؛ الأولى تقرر وتنجز وحتى لا تحتاج لتبرير فعلها والثانية سلبية وتحاول إقناع الأولى بالعدول عن خياراتها أو تصحيحها ولا تسعى إلى امتلاك شروط القرار والفعل. ممارسة إرادة القوة أو الأسلوب الكبير في السياسة هو مرادف السعي الحثيث لاكتساب القوة وممارستها ليس لتدمير الآخر ونفيه بل للإرتقاء بالإنسان من منزلة العبد إلى منزلة السيد. أما إذا اكتفينا بشرط المنفعل وحتى المفعول به أو فيه واقتصرنا على تقديم النصح للسيد فلن نكون سوى عبيدا ولو اختلفت مراتبنا وسنمارس السياسة بأسلوب صغير.

يبقى في الأخير أن هذه الأفكار قد تكون قناعا وتحتمل التأويل وبالتالي لا شيء يعفي من نقاشها أو السعي لهدمها حتى.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى