ثقافة وفنوندابا tv

رمضانيات: جيل جيلالة وعبدالكريم القسبجي الصوت المتميز و أحَدَّ صوت على الإطلاق داخل المجموعات (فيديو)

العربي رياض

عبدالكريم القسبجي، واحد من الأصوات المتميزة، التي بصمت المسار الرائع لمجموعة جيل جيلالة، ومن خلالها مسار الظاهرة الغيوانية، حتى أن صوته أضحى، في مرحلة من المراحل، أحَدَّ صوت على الإطلاق داخل المجموعات، وبات من النشاز أن تستمع الأذن الذواقة لأغاني جيل جيلالة بدونه.
لم يكن اختيار مجموعة جيل جيلالة لعبد الكريم القسبجي، اعتباطيا، فالمجموعة عُرِفَتْ بانضباطها الفني، وتطعيمها بأعضاء جدد لن يكون أبدا إلا من هذا المنطلق الفني الخالص، خاصة وأنها تجول في خريطة إيقاعات معقدة، ومقامات عالية، وتتوخى الإبحار في عوالم الملحون التي لا يلجها إلا العارفون بخبايا الموسيقى، وعوالم عيساوة وكناوة والطقطوقات، وغيرها من الألوان التراثية الشعبية، لذا لن تُفْتَحَ أبواب جيل جيلالة إلا في وجه حرايفيي امتلك القدرة على مجاراة أسماء في جعبتها الكثير، كمولاي الطاهر الأصبهاني، القادم من ركح مسرحي ثري، بصوت ذي قرار عميق، ومولاي عبد العزيز الطاهري، مؤسس الظاهرة بمعية ناس الغيوان، وأحد القلائل في المغرب من حفظة الملحون، وهو الخبير بدهاليزه والمتعمق في ألوان الفنون الشعبية، كما أنه شاعر زجال يقام له ويقعد، إلى جانب محمد الدرهم، وكذا الموسيقار محمود السعدي، الذي انطلق اسمه مع مولاي عبد العزيز وبوجميع والعربي باطما وعمر السيد، بالإضافة إلى سكينة أميرة الغناء المجموعاتي، دون أن ننسى حميد الزوغي.

لم يكن عبد الكريم غريبا عن الفن، فقد تشرب الإيقاعات وهو لا يزال في أعوام الصبا، فابن درب السباعية، قصبة النحاس بحي القصبة بمراكش الحمراء، كان يتنفس أنغاما، بدءا من منزل الوالدين، مرورا بمنازل الحومة، وصولا إلى غنى وتنوع عاصمة الفنون، مراكش العامرة أجواؤها بالأهازيج والأنغام وتلاوين العيط، الذي حل لهذه المدينة، قادما من كل حواضر ومداشر المغرب.
منذ الصبا، ستصادف مسامع عبد الكريم الأنغام المترددة في كل الأرجاء، فخاله مقدم عيساوة سي عبد الرحمان، وهو بالمناسبة خال والد عبد الكريم، وعلى نهج والده كان يناديه هو بدوره خالي، كان سي عبد الرحمان يقطن بذات المنزل الذي يسكنه عبد الكريم، وكان الرجل مولعا بأنغام عيساوة حتى أضحى مقدم إحدى فرقها، وكان يستضيف في البيت فرق عيساوة ويقيم ليالي خاصة بها، يتم خلالها ترديد الأذكار على الطريقة الصوفية، والأداء كان يعتمد الأصوات فقط دون آلات موسيقية، حتى أن عبد الكريم يقول بأن أغنية «الله يا مولانا» الذائعة الصيت ما تزال منقوشة في ذهنه بالطريقة التي كانت تؤديها المجموعة العيساوية في بيت والده، وليس كما أدتها ناس الغيوان وجيل جيلالة بعد ذلك، وفي المناسبات الدينية وغيرها غالبا ما كان خاله يقيم الحضرة.

شلال الفن والأنغام لم يكن يتوقف بالمنزل، فابنةُ سي عبد الرحمان، الخالة كبورة، كانت هي أيضا مولعة بالموسيقى والفنون، وكانت ضمن فرقة اللعاباتبالحي، بل كانت عضوا أساسيا، علما بأن مراكش تميزت بكون كل حي كان يتوفر على لعابات يتنافسن فيما بينهن، كن يؤدين ألوانا من فن التراث الحوزي المراكشي القديم ، ولم يكن يعزفن على أي آلة موسيقية، فقط يعتمدن الإيقاع بواسطة الطبيلات والناقوس والتعاريج.
كان عبد الكريم، ذو العشر سنوات في تلك الحقبة، (سنة 1955)، يتشرب فنا من مختلف الألوان، ويترعرع تحت ظلال الإيقاعات والأهازيج والقصائد والميازين والمقامات الأصوات الرجالية والنسائية.


عندما يخرج من منزل الوالد سي محمد بن عبد القادر، كان المرور عبر منزل العم المجاور لمنزلهم ضروريا، فهناك أقرانه من أبناء عمه، الذين يشاركهم اللعب والشغب والمغامرة، بيت العم الحاج العربي القسبجي، وهو بالمناسبة رجل كان يمارس التجارة، ميسور الحال في تلك الحقبة، لم يكن ليشذ عن أجواء منزل أخيه سي محمد بن عبد القادر القسبجي، فأبناؤه التسعة كانوا يجيدون الفنون ذكورا وإناثا، أجادوا العزف على مختلف الآلات الموسيقية، كما ظهرت لديهم معالم الانفتاح على الألوان الغنائية الحديثة في تلك الفترة، سواء الأغنية العصرية المغربية، أو الغربية، أو موسيقى الشرق، بالإضافة إلى إلمامهم، كباقي سكان الحومة،بالألوان التراثية المغربية، ومنهم من كان ملما بعلوم الموسيقى، كابن عمه عبد اللطيف القسبجي.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى