ثقافة وفنون

رمضانيات: كتاب “طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد”..فقهاء أضلوا الأفهام دفاعا عن الاستبداد الحلقة 9

كثيرون اعتبروا عبدالرحمن الكواكبي كان ضحية قلمه الثائر، وكان كتابه الذي صدر له في القاهرة في طبعة أولى مطلع القرن العشرين “طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد” الذي شخص فيه علة الاستبداد السياسي وتأثيره على مختلف جوانب الحياة، سببا في موته عام 1902 متأثرا بسم شربه في فنجان قهوة قيل إنه شربها في مقهى توجد بالقاهرة اسمها يلدز، مكتوب على قبر عبدالرحمن الكواكبي بيتين نظمهما الشاعر المصري الكبير حافظ إبراهيم يقول فيهما: 

هنا رجل الدنيا مهبط التقى … هنا خير مظلوم هنا خير كاتب

قفوا اقرؤوا أم الكتاب وسلموا… عليه فهذا القبر قبر الكواكبي                                   

 

فقهاء أضلوا الأفهام دفاعا عن الاستبداد

يواصل الإمام عبدالرحمن الكواكبي نقاش محور الدين والاستبداد السياسي فيقول أن الذين يربطون أو يوجدون العلاقة بين الدين والاستبداد السياسي، يحكمون “بأن بين الاستبدادين السياسي والديني مقارنة لا تنفك، متى وجد أحدهما في أمة جر الآخر إليه، أو متى زال زال رفيقه، وإن صلح (أي ضعف) الثاني. ويقولون إن شواهد ذلك كثيرة جدا، لايخلو منها زمان ولامكان. ويبرهنون على أن الدين أكثر تأثيرا من السياسة، إصلاحا وإفسادا، ويمثلون بالسكسون، أي الإنجليز والهولنديين والأمريكان والألمان، الذين قبلوا البروتستانية، فأثر التحرير الديني في الإصلاح السياسي والأخلاق أكثر من الحرية المطلقة السياسية في جمهور اللاتين، أي الفرنسيين والطليان والإسبانيول والبرتغال. وقد أجمع الكتاب السياسيون المدققون، بالاستناد إلى التاريخ والاستقراء على أن مامن أمة أو عائلة أو شخص تنطع في الدين، أي تشدد فيه، إلا واختل نظام دنياه وخسر أولاده وعقباه”.

كما يؤكد في نفس السياق أن جميع المدققين السياسيين يجمعون ويرون أن السياسة والدين يمشيان بشكل متكافئ، ويؤكدون أن إصلاح الدين هو أكثر الطرق وأسهلها التي تؤدي للإصلاح السياسي.

يقدم الكواكبي نماذج من الدور الذي لعبته الديانات في سلسة الإصلاحات التي عرفتها السياسة، لينتهي  للحديث عن الإسلام الذي هذب اليهودية والنصرانية، “مؤسسا على الحكمة والعزم، هادما للتشريك بالكلية، ومحكما لقواعد الحرية السياسية المتوسطة بين الديمقراطية والأريستقراطية، فأسس التوحيد، ونزع كل سلطة دينية أو تغلبية تتحكم في النفوس أو في  الأجسام، ووضع شريعة حكمة إجمالية صالحة لكل زمان وقوم ومكان…”.

يدافع الإمام الكواكبي على أنه لامجال لرمي الإسلامية بتأييد الاستبداد مؤسسا دفاعه هذا على كثير من الآيات القرآنية، ومنبها إلى ضياع معنى “أولى الأمر”، على كثير من الأفهام بإيعاز من علماء الاستبداد، الذين حرفوا الكلمة عن معناها، وأسقطوا قيدها ممثلا في كلمة “منكم”، أي المؤمنين “منعا لتطرق أفكار المسلمين إلى التفكير بأن الظالمين لا يحكمونهم بما أنزل الله، ثم التدرج إلى معنى آية “إن الله يأمر بالعدل” أي التساوي، “وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل”، أي التساوي، ثم ينتقل إلى معنى آية: “ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون”، ثم يستنتج عدم وجوب طاعة الظالمين وإن قال بوجوبها بعض الفقهاء الممالئين دفعا للفتنة التي تحصد أمثالهم حصدا. والأغرب من هذا جسارتهم على تضليل الأفهام في معنى “أمر” في آية “وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا”، فإنهم لم يبالوا أن ينسبوا إلى الله الأمر بالفسق… تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا…”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى