ثقافة وفنون

رمضانيات…  كتاب “طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد”…التقلبات السياسية بين الاجتهادو الاستبداد الحلقة 8

كثيرون اعتبروا عبدالرحمن الكواكبي كان ضحية قلمه الثائر، وكان كتابه الذي صدر له في القاهرة في طبعة أولى مطلع القرن العشرين “طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد” الذي شخص فيه علة الاستبداد السياسي وتأثيره على مختلف جوانب الحياة، سببا في موته عام 1902 متأثرا بسم شربه في فنجان قهوة قيل إنه شربها في مقهى توجد بالقاهرة اسمها يلدز، مكتوب على قبر عبدالرحمن الكواكبي بيتين نظمهما الشاعر المصري الكبير حافظ إبراهيم يقول فيهما: 

هنا رجل الدنيا مهبط التقى … هنا خير مظلوم هنا خير كاتب

قفوا اقرؤوا أم الكتاب وسلموا… عليه فهذا القبر قبر الكواكبي                                   

 

التقلبات السياسية بين الاجتهادوالاستبداد

 

يختتم عبدالرحمن الكواكبي كتابه “طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد”، بفصل اختار له من العناوين عنوان، الاستبداد والتخلص منه، وفيه يؤكد أن أعظم مدرسة هي التي من التاريخ الطبيعي، وأن أعظم برهان وأقواه هو الاستقراء، ومن تتبعهما، أي من تبنى التاريخ الطبيعي ومنهج الاستقراء يرى أن الإنسان عاش زمنا طويلا جدا على حالة طبيعية، تسمى حالة الافتراس، ومايستتبعها من عادات جلها ارتبط بالتجول حول المياه، والنبات وافتراس ضعاف الحيوان في البر كما في البحر، “وتسوسه الإرادة فقط، ويقوده من بنيته أقوى إلى حيث يكثر الرزق”.

“ثم ترقى الكثير من الإنسان إلى الحالة البدوية التي تسمى “دور الاقتناء”: فكان عشائر وقبائل، يعتمد في رزقه على ادخار الفرائس إلى حين الحاجة، فصارت تجمعه حاجة التحفظ على المال والأنغام، وحمايةالمستودعات والمراعي والمياه من المزاحمينـ، ثم انتقل، ولايقال ترقى، قسم كبير من الإنسان إلى المعيشة الحضرية”، ثم يضيف بعد أن يقدم مختلف التحولات التي عرفتها البشرية في مسار التاريخ، من مرحلة الزراعة وما استتبعها من استقرار حول الأراضي الخصبة، “ثم ترقى قسم من الإنسان إلى التصرف إما في المادة وهم الصناع، وإما في النظريات وهم أهل المعارف والعلوم وهؤلاء المتصرفون هم سكان المدن الذين هم وإن سجنوا أجسامهم بين الجدران، لكنهم أطلقوا عقولهم في الأكوان، وهم قد توسعوا في الرزق كما توسعوا في الحاجات، ولكن أكثرهم لم يهتدوا حتى الآن للطريق المثلى في سياسة الجمعيات الكبيرة. وهذا هو سبب تنوع الحكومات وعدم استقرار أمة على شكل مرض عام. إنما كل الأمم في تقلبات سياسية على سبيل التجريب، وبحسب تغلب أحزاب الاجتهاد أو رجال الاستبداد”.

ومن هذه الزاوية اعتبر عبدالرحمن الكواكبي، أن تقرير شكل الحكومة تعتبر من أقدم وأعقد المشكلات عند البشر، مثلما هي الفضاء أو المعترك الأكبر الذي خيض فيه نقاشات وأبحاث ودراسات، هو “الميدان الذي قل فيه البشر من لايجول فيه على فيل من الفكر، أو على جمل من الجهل، أو على فرس من الفراسة، أو على حمار من الحمق، حتى جاء الزمن الأخير فجاء فيه إنسان الغرب جولة المغوار، الممتطي في التدقيق مراكب البخار. فقرر بعض قواعد أساسية في هذا الباب تضافر عليها العقل والتجريب، وحصص فيها الحق اليقين، فصارت تعد من المقررات الاجتماعية عند الأمم المترقبة، ولايعارض ذلك كون الأمم التي لم تزل أيضا منقسمة إلى أحزاب سياسية يختلفون شيعا، لأن اختلافهم هو في وجوه تطبيق تلك القواعد وفروعها على أحوالهم الخصوصية”.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى