رأي/ كرونيك

زيارة البابا تسقط القناع عن تطرف الإسلاميين

سعيد الكحل

كشفت زيارة البابا فرانسيس للمغرب يوم السبت 30 مارس 2019 الموقف الحقيقي لتيار الإسلام السياسي بفصيليه الإخواني والسلفي من النظام الملكي. إذ لطالما دارى التيار عن موقفه من النظام وشرعيته الدينية وصلاحياته الدستورية في حماية الملة والدين. فباستثناء جماعة العدل والإحسان التي تفصح أدبياتها عن موقفها المناهض للنظام الملكي الذي تصفه “بنظام العض والجبر” و “الملك العضوض”، وكذا التنظيمات الإرهابية التي نفذت سلسة عملياتها الإجرامية منذ 16 ماي 2003 بهدف زعزعة استقرار الوطن ونشر الفتن، فإن باقي التنظيمات الإخوانية والسلفية ظلت تمارس التقية متظاهرة بالولاء لولي الأمر وتحريم الخروج عليه. إلا أن زيارة الملك محمد السادس رفقة البابا لمعهد تكوين الأئمة والاستمتاع بحفل يليق بمقام زعيم مسيحيي العالم تخللته ترانيم مسيحية ويهودية مشفوعة بابتهالات مستوحاة من الآذان، أسقطت عن تنظيمات هذا التيار القناع لتظهر حقيقة موقفه من النظام الملكي، ويتضح مما أصدره هذا التيار من بيانات أن الملك، بموافقته على فقرات الحفل بالشكل الذي امتزجت فيه الترانيم بتلك الألفاظ المستوحاة من الآذان، أتى ــ حسب بيان رابطة علماء المسلمين :”منكرا وزورا” وهو بالتالي “أمر محرمٌ شرعاً”.

ومعنى هذا أن الملك بات يرتكب “المحرمات شرعا” ويأتي “المنكر والزور” ؛ ومن ثم بات الدين الإسلامي بحاجة إلى من “يحمي حماه”،  بل إن أعضاء من هذه الهيئة الذين سبق واستفادوا من عفو ملكي بعد إدانتهم بالسجن في قضايا تتعلق بالإرهاب، بدل الامتنان لما أنعم عليهم الملك، سارعوا إلى الإفتاء بأن ( الذي وقع من التلفيق بين الأذان وشعائر الكفر، ومثله الدعوة إلى إقامة الصلوات المشتركة في أماكن العبادة لمختلف الأديان؛ سواءً بابتداع صلاة يشترك فيها الجميع، أو بأن يصلي كل واحد صلاة الآخر وغيرها من الشعائر التعبديّة؛ لأمر محرمٌ شرعاً، بجميع أدلة التشريع في الإسلام من قرآن وسنة وإجماع؛ بل هو تكذيب للقرآن والسنة في بطلان تلك الأديان).

ومن ثم أصدر هؤلاء المتطرفون تحريضهم ضد النظام (يعد هذا الحدث الخطير ضرباً لثوابت الأمة في دينها وعقيدتها) لكونه (تكذيب للقرآن والسنة في بطلان تلك الأديان)  ونفس الاتهام وجهه أحمد الريسوني رئيس ما يسمى “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين” بكون المزج بين الابتهالات والترانيم المسيحية هو “استخفاف بمقدسات” الأمة “وثوابتها الشرعية.

  هكذا تكالب الإخوان والسلفيون على النظام ــ رغم كل الامتيازات التي ينعمون بها في ظله ــ فسارعوا إلى اتهامه برعاية “الكفر” و”المنكر” و”الاستخفاف بالمقدسات” و”تكذيب القرآن والسنة”.

وليس غريبا على هؤلاء أن تصدر عنهم مثل هذه المواقف والفتاوى التكفيرية،  فالريسوني ظل هو نفسه ذاك الذي أفتى قبل 16 ماي 2003، بأن الملك محمد السادس ليس مؤهلا ليتولى إمارة المؤمنين بحكم تكوينه الأكاديمي البعيد عن التكوين الفقهي والشرعي.

واليوم جاء الريسوني ومعه حلفاؤهم من باقي التنظيمات المتطرفة ليستهدفوا الأسس الشرعية /الدينية للنظام وليناهضوا قيم التعايش والتسامح التي عاش عليها المغاربة عبر التاريخ وكرسها دستور 2011.

 لم يشأ هؤلاء المتطرفون أن يتحرروا من فقه التفسيق والتبديع والتحريم لكل ما هو جميل يسر النفوس ولكل ما هو إبداع فني يرقى بالحس السليم ويغذي الذوق الرفيع ويسموا بالإنسان إلى مراتب الصفاء الروحي والتخلص من ثقافة الضغينة والكراهية والاستعلاء، إنهم لا زالوا يلوّكون ذك الفقه البئيس وتلك العقائد المنغلقة التي تحرّم الموسيقى والفنون إنتاجا وسماعا وتعتبر الآلات الموسيقية “مزامير الشيطان”، بينما ينشرون عقائد القتل وثقافة الموت وفقه الكراهية والسبي والاغتصاب.

 إن ما أقدم عليه هؤلاء المتطرفون ليفرض على الدولة التعامل بصرامة منع فتاوى التكفير والتحريض على الكراهية عبر تجريمها دستوريا وتشديد عقوبتها قانونيا. ففي الوقت الذي يبذل المغرب جهودا حثيثة لدسترة حقوق الإنسان ومواءمة قوانينه مع المواثيق الدولية ذات الصلة، تقاوم هذه التنظيمات إستراتيجية الدولة وتناهض سياستها الحقوقية.

كما يقتضي من الدولة أن تجند هيئاتها الدينية ومجالسها العلمية لكي تتصدى لهذه التنظيمات المتطرفة وتسفّه مواقفها وترد على فتاوى التكفير والتحريض على الكراهية التي لا تترك مناسبة إلا وأشاعتها . فالأمن الروحي والفكري لا تضطلع به الأجهزة الأمنية وحدها، بل هو موكول أساسا إلى الهيئات الدينية الرسمية التي تتقاضى على مهامها أجورا من خزينة الدولة.

 لهذا فالواجب الديني والوطني يقتضي من هذه الهيئات الدينية حماية عقائد المواطنين من فتاوى التكفير والكراهية وإشاعة قيم التسامح والتعايش مع أتباع كل الديانات.

  ليس أمام الدولة إذن، سوى التعامل بحزم مع دعاة الفتنة حفاظا على الأمن الروحي والفكري للشعب المغربي . وأي تهاون هو تشجيع للمتطرفين ولمخططاتهم التخريبية التي تستهدف أمن الوطن وحياة المواطنين .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى