رأي/ كرونيك

على هامش خرجة بنيوب: حوار الوعي “المتمرد” على حقوق الإنسان.. توفيق بوعشرين

عزيز إدامين الفاعل الحقوقي

استند المندوب على الحكم الصادر ضد توفيق بوعشرين، بتهمة الاتجار بالبشر والاعتداء الجنسي، باعتبارها اعتداءات حقيقية، ووجود نساء ضحايا.

بل عاتب على الفريق العامل المعني بالاعتقال التعسفي الذي أصدر تقريره يعتبر أن اعتقال توفيق بوعشرين تعسفيا، أنه لم يتبع القواعد الدولية المتعرف عليها بالاستماع للنساء الضحايا ولم يولي لهن.

مؤكدا أن ما صدر من حيثيات الحكم على بوعشرين  في المرحلة الابتدائية يعتبر حقيقة قضائية، سيترافع أمام هيئات الأمم المتحدة بشأنها، كما اعتبر أن الفريق العامل المعني بالاعتقال التعسفي مجرد ألية استشارية وليست بهيئة تعاقدية، وعاتب عليها عن حصولها على أي دليل موضوعي بخصوص النازلة.

قبل مناقشة موضوع توفيق بوعشرين، لابد من إبداء بعض الملاحظات.

غريب ما صدر عن بنيوب، إذ وصل حد التناقض، حيث يعتبر الحكم الابتدائي في قضية بوعشرين حقيقة قضائية ولابأس من التعليق عليه ومناقشته بل وحتى الذهاب إلى جنيف لمحاورة الفريق المعني بالاعتقال التعسفي، أما الحكمين الابتدائي والاستئنافي معا في قضية متظاهري الحسيمة، لا يمكن التعليق عليهما لأنهما أمام القضاء وصدر حكم في شأنهم.

يعتبر من عيوب التي تم رصدها في تقرير الفريق العالمي المعني بالاحتجاز التعسفي عدم الاستماع للنساء المشتكيات باعتبارها إحدى أليات التقصي والتحقيق، وهنا وجب التنبيه للخلط الذي سقط فيه المندوب حيث لم يميز بين  مهام الفريق العامل المحددة في القرار رقم 7/24   المؤرخ في 26 شتنبر2013، والتي حددها في التحقيق والزيارات، وأيضا في تلقي الشكاوى الفردية، والمسطرة المتبعة من قبل أصحاب المصلحة في علاقة بوعشرين شكاية في مواجهة الدولة المغربية وليس النساء المشتكيات، وبالتالي فلا قيمة لشهادتهن أو تصريحهن في مساطر الآليات الدولية، لأنها آليات تتعلق بعلاقة الفرد بدولة.

أما القول عدم الاعتماد على دليل موضوعي، فالفريق المعني ينظر في المساطر المتعلقة بالاحتجاز وليس في الموضوع، وإلا أصبح بالفعل الفريق يتدخل في الدعوى المدنية ويحكم وينظر في القضايا الجاري أمام المحاكم ويصدر قرارات بدلا عنها، وهذا ما يسمى بالفعل المس باستقلالية القضاء، فمن يطالب بالاستماع للمشتكيات، أو أن ينظر في الفريق في الأدلة والحجج الموضوعية فهو يدعو في نفس الوقت بحلول الفريق محل القضاء المغربي.

أثناء جلسة الاستماع للشهود

والملاحظة الأخير، سجل فيها المندوب أن الفريق العامل مجرد هيئة استشارية، وفي موضوعات أخرى نوه وأشاد بخوان مانديز المقرر المعني بمناهضة التعذيب والذي زار المغرب باعتباره مرجع أساسي للمنظومة الجنائية المغربية ودوره الاستراتيجي في منظومة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وهو من يفتي في مجال حقوق الإنسان، وهنا يجب الإشارة أن الوضعية القانونية على المستوى الدولي لكل من الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي وغير الطوعي والمقرر المعني بمناهضة التعذيب، هي نفس القيمة الموضوعية والوضعية القانونية، فكلاهما هيئتان غير تعاهديتان تابعتان لمجلس حقوق الإنسان بجنيف، ولهما نفس المساطر الأممية، ويعتبران من الإجراءات الخاصة بناء على قرار 1235 لمجلس حقوق الانسان.

وبالعودة لموضوع بوعشرين والمتابع بتهم تتعلق بالاتجار بالبشر والاعتداء الجنسي ومحاولة الاغتصاب وغيرها من التهم، فمناقشتها ستكون متعلقة فقط بتهمة الاتجار بالبشر من زاوية القانون الدولي لحقوق الإنسان.

فإشكالية متابعة الصحفي توفيق بوعشرين، طرحت من البداية إشكالية وجود طرف ضعيف في القضية وهن النساء المشتكيات، لهذا كان التريث والمتابعة الدقيقة واجبة حتى يتبين الخيط الأبيض من الأسود كما يقال، التضامن في البداية مع الضحايا المفترضات كان أساسي ولكن في نفس الوقت تمتيع المتهم بشروط المحاكمة العادلة، وعلى رأسها مبدأ قرينة البراءة.

بعد صدور قرار الحكم بالإدانة في حقه، ومن خلال استقراء القرار، تبين هناك معطيات وجب التمحيص فيها.

أولا أن تهمة الاتجار بالبشر شملت فقط ثلاث نسوة، وهن (أ .ح، خ.ج، س.م)، مما طرح معه إشكالية تحديد مفهوم الاتجار بالبشر كما هو متعارف عليه عالميا.

وبالعودة إلى تحديد سياق إعداد واعتماد بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال، والمصادق عليه بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 25 الدورة الخامسة والخمسون المؤرخ في 15 تشرين الثاني/نوفمبر2000، فإنه مكمل ل  لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، أي في إطار الجريمة العابرة للحدود والمنظمة، مع العلم أن المقررة الخاصة بالاتجار بالبشر في تقريرها السنوي لسنة 2010، اعتبرت بعض مظاهر الاتجار بالبشر يمكن أن تكون داخل الدولة الواحدة، ولكن بشروط معينة.

من بين الشروط المحددة في تحديد معنى الاتجار بالبشر نجد المعايير التالية:

  • أن الضحية عاش أو يعيش نوع من الاستعباد أو الرق، بمعنى أي أن إرادته منعدمة، وعدم قدرته على التنقل والتواصل مع العالم الخارجي لأسباب قانونية أو مادية، يستغلها الشخص المتاجر كضعف منه من أجل القيام بأعمال السخرة أو الاستغلال الجنسي بقوادته لشخص آخر أو غوايته أو تضليله، علي قصد الدعارة، حتى برضاء هذا الشخص (المادة الأولى من اتفاقية حظر الاتجار بالأشخاص واستغلال دعارة الغير لسنة 1949) أو أن المجرم “يملك أو يدير ماخورا للدعارة، أو يقوم، عن علم، بتمويله أو المشاركة في تمويله” ( المادة 2 من اتفاقية حظر الاتجار بالأشخاص واستغلال دعارة الغير لسنة 1949).

وقد أكدت المقررة المعنية بالاتجار بالبشر، في تقريرها الصادر بتاريخ 22 دجنبر 2004، والذي يحمل رقم  E/CN.4/2005/71، في الفقرة 9 أن الاتجار يكمن في:

“الاتجار بالبشر يمثل حرماناً من جميع حقوق الإنسان عملياً: الحق في حرية الشخص، وسلامته، وأمنه؛ والحق في عدم التعرض للتعذيب، أو غيره من ضر وبالمعاملة القاسية، أو اللاإنسانية، أو المهينة؛ والحق في حرية التنقل؛ والحق في المسكن، والأسرة؛ والحق في الحصول على أعلى مستوى صحي؛ والحق في التعليم.”

وفي حالة المشتكيات الثلاث، فإن وضعهن القانوني سليم في المغرب، ولهم كامل الحقوق المدنية والسياسية، من أجل إيجاد سبل الانتصاف أو الاتصال بالسلطات القضائية مباشرة أو عبر محامي  أو التنقل بدون وصاية المجرم المفترض.”

  • ثانيا: أن ضحية الاتجار بالبشر، لا تكن أمامه خيارات أخرى غير الخيارات التي وضعها المجرم، سواء في سوق الشغل أو المجتمع أو الحصول على وضعية إدارية/قانونية ما.
  • الاتجار بالبشر

بالعودة إلى التصريحات الصحفية للمشتكيات، فقد سبق لإحداهن أن قال في تسجيل فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي “أنا إلى بغيت نخدم عطا الله فين نمشي ونلقا الخدمة”، وهو ما يؤكد أنه كانت  للضحايا المفترضات خيارات أخرى، غير خيار بالضرورة البقاء في نفس المؤسسة الشغلية، وذلك من أجل الإفلات من قبضة “المجرم” المفترض، والمتعلقة في حالة الصحفي توفيق بوعشرين، وهو استغلال العلاقة الشغلية كما يزعمن، مع العلم أن إحدى المشتكيات لا تربطها أي علاقة شغلية مع بوعشرين.

هيئة دفاع توفيق بوعشرين
  • ثالثا: يكون الاتجار بالبشر هو استغلال الوضع الاجتماعي من فقر وضعف والحاجة الملحة للشغل للضحية، يقوم المجرم باستغلال الوضعية الهشة للضحية من أجل تحقيق بعض الأغراض، جنسية كانت أم معنوية أم مادية.

وبالعودة للمشتكيات الثلاثة، فقد سبق لاحداهن (خ.ج)، أن صرحت في فيديو أنها “واليديا قادينبيا، وقادين يصرفو علي، أنا مامحتاجاش”، أما مشتكية ثانية فإن فإنها متزوجة، وزوجها يشتغل في نفس المؤسسة الإعلامية بمدخول قار ومتوسط، مدخول كافي للعيش بكرامة، دون قبول ذل الاتجار والاستغلال الجنسي في هاته الحالة.

وبالتالي فادعاء الحاجة والفقر كانت سببا لقبول الشغل وفق الاستغلال الجنسي غير قائمة ولا أساس لها في  قضية توفيق بوعشرين.

وجب التنبيه إلى أن استعمال تصريحات المشتكيات لا يعني بالضرورة أنها صادقة أو كاذبة بل هي ادعاءات تحتمل الصدق كما تحتمل الكذب، ولكن استعمالها في الوضعية الحالية من أجل تبيان تناقضها وعدم ارتكازها على مقومات ومحددات جريمة الاتجار بالبشر.

هذا على مستوى العام، أي ماكرو حقوق الإنسان، أما على مستوى الميكرو حقوق الانسان، فإن المقررة المعنية بالاتجار بالبشر فقد دققت تعريف “الاتجار بالبشر” بشكل أساسي في تقريرها الصادر بتاريخ 20 فبراير 2005،الفقرة 35  أن الاتجار بالبشر يقتضي العناصر التالية:يرسّـخ هذا التعريف أربعة عناصر في تعريف الاتجار هي: الفعل، والوسيلة، والنتيجة النهائية، ووضع الضحية”.

بنفس المنهج، المتعلق “بتبني” تصريحات المشتكيات، فإن الفعل المتحدث عنه في قضية توفيق بوعشرين، هو علاقات جنسية، مع التذكير بإنكار المعني بالأمر، فإن العلاقات الجنسية ليست بالضرورة تعبير عن استغلال جنسي، بل قد تكون علاقات جنسية رضائية أو انتفاعية أو مصلحية، وبالتالي ليست تعبيرا دائما عن جريمة الاتجار بالبشر.

أما الوسيلة، والتي وردت كون المتهم كان يبتز المشتكيات بنشر صور، فليس هناك أي دليل جدي بخصوص هذا الاتهام؛

أما النتيجة النهائية، فلم تتقدم أي مشتكية بشهادة طبية تتحدث عن أثار نفسية أو جسدية تتعلق بالأضرار التي لحقت تجربتهن كضحايا الاتجار بالبشر.

وبناء عليه فإن تهمة الاتجار بالبشر في حق توفيق بوعشرين، هي تهمة واهية ولا سند لها في القانون الدولي لحقوق الإنسان.

 

ختاما:

بقي موضوعات عالقة في الحوار موضوع المقالة، حول قضايا أخرى تتعلق بمنظومة الحريات الفردية والمساواة، لها مقام أخر، ولكن ما يستشف من تصريحات بنيوب أنها تتماهى مع الرأي الرسمي المحافظ:

شماعة التشيع في مواجهة حرية المعتقد؛

القواعد الفقهية الشرعية في مواجهة المساواة بين المرأة والرجل؛

تأجيل حقوق المثليين للأجيال اللاحقة والأحفاد باعتبارها مجرد ترف حاليا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى