رأي/ كرونيك

في الأسلوب الراقي Le grand style.. و دهشة البعض من أسلوب احتجاج التلاميذ

سعيد ازريوح

البعض أو الكثير منا أصابته الدهشة والصدمة لما لجأ التلاميذ إلى لغة دارجة ومباشرة وعنيفة وحتى “فاحشة” في بعض الأحيان ليعبروا عن احتجاجهم على قرار حكومي.

بالمقابل هناك من استغرب لهذه الصدمة والدهشة نفسها لسبب بسيط هو أن هذه اللغة لم تسقط علينا من السماء صدفة، وأنها أصبحت تؤتت فضاءاتنا العامة منذ زمن ليس باليسير.

الحقيقة هي أن الجمل التي تركب من مفردات تشير إلى ما تحت الحزام تستعمل وبإفراط كبير في الحي والمدرسة والحافلة والملعب والفيسبوك… حتى أنها ما عادت تشكل حرجا لأحد ولو كان بصحبة عائلته المحافظة. لكن الأهم من ذلك هو أن هذه الحقيقة لما تواكب بمجهود كبير لتفكيكها ومحاولة فهم ما وراء انتشارها وغالبا ما قوبلت بالتجاهل أو الإدانة المتسرعة.

طبعا وفي مجتمعنا الذي لا يخضع لسلطة العلم إلا لماما تسود وتهيمن الانطباعات والارتسمات في كل محاولة لمقاربة الظواهر وتفسيرها. ففي موضوع استعمال اللغة “الفاحشة” و”الساقطة” ستعثر على من يرجؤه إلى التخلي عن تعاليم الدين والسلف الصالح أو من يفسره بتراجع دور الأسرة والمدرسة أو من يتهم السياسات الإعلامية بترويجه…..غير أنه من الثابت أن هذه التفسيرات الانطباعية تتهاوى بسرعة البرق إذا اصطدمت بأول سؤال جدي.

فيكفي مثلا أن نسأل من يعتقد في أن تفكك الأسرة هو سبب انتشار لغة “الفحشاء” عن سبب تفكك هذه الأسرة ذاتها، حتى يجد نفسه في دوامة لا تنتهي من الأسئلة.

فتغير اللغة سببها هو تغير أحوال الأسرة التي تبدلت بتغير أوضاعها الاقتصادية التي تتحمل الدولة مسؤوليتها والتي هي بدورها خاضعة لشروط خارجية…وهكذا دواليك.

وبمعنى آخر فإن تحديد تغيير أحوال اللغة بسبب مباشر هو عملية غير عقلانية لأن علاقة السببية تدخلنا في دوامة لا متناهية.

هذه الطريقة في النظرة للأشياء لا تساعد كثيرا على تقديم إجابات عن قلقنا ودهشتنا ولكنها تمنعنا كذلك من الاكتفاء بتفسيرات متسرعة وحتى مضللة في بعض الأحيان. فما العمل إذا؟؟؟؟؟.

من زاوية نظري الشخصية يجب الانطلاق في مرحلة أولى من ملاحظة بسيطة مفادها هو وجود نزوع عام وشامل إلى التخلي عن “الأسلوب الراقي” (le grand style) في جميع مستويات الفعل الإنساني، كانت سياسية أو فنية أو ثقافية أو إعلامية…وأن هذا النزوع ليس محصورا في شرطنا المحلي، بل يتعداه ليطال مساحة كبيرة من العالم.

وفي مرحلة ثانية تنتصب مهمة تفكيك (déconstruction) هيمنة “الأسلوب الصغير” على “الأسلوب الراقي” وذلك بالبحث في القطعة الغير البارزة من الجليد وعدم مجاراة العقل الكسول الذي يكتفي بما يتوفر لديه من الأوهام المتعجرفة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى