ذاكرة

في ذاكرة المغرب: خمس فواجع قاتمة تأبى النسيان

و كما لكل شخص نقاط مظلمة في حياته فإن لكل أمة نقاط سوداء في تاريخها، و كذا الأمر ينطبق على المغرب، فقد عرف في تاريخه الحديث مجموعة من الفواجع المؤلمة التي هزت الرأي العام المغربي، إذ كانت نتائجها وخيمة للغاية، وخلفت ضحايا ومصابين لا زال لحد الساعة بعضهم يئنون مما حدث لهم.

وقد ساهمت هذه الأحداث بقسط غير قليل، في رسم صورة سلبية للمغرب في الخارج، حيث صدم الرأي المحلي والعالمي وهو يتفاعل مع تلك الأحداث ويتابع بعض تفاصيلها.

الزيوت المسمومة
أكثر من 20 ألف كانوا ضحايا التسمم، عائلات بأكملها قضت نحبها، وآخرون نالت منهم الأمراض فأقعدت بعضهم، بينهم الكثير من الأطفال والنساء والشيوخ، هؤلاء لم يكونوا حصيلة زلزال مدمر قلب الأرض فجعل أعلاها سافلها، وإنما هم ببساطة ضحايا “الزيوت المسمومة”.

أكثر من 20 ألف كانوا ضحايا التسمم، عائلات بأكملها قضت نحبها، وآخرون نالت منهم الأمراض فأقعدت بعضهم، بينهم الكثير من الأطفال والنساء والشيوخ، هؤلاء لم يكونوا حصيلة زلزال مدمر قلب الأرض فجعل أعلاها سافلها، ولا بركان أحرق الأخضر واليابس، ولا فيضان غمر المنازل بالمياه العاتية، ولا حتى عدو غاشم فتك بالبلاد والعباد، وإنما هم ببساطة ضحايا “الزيوت المسمومة”.

سنة 1959 كان المغاربة على موعد مع أفجع كارثة غذائية في تاريخ المغرب؛ تم دس مواد كيميائية سامة، وخلطها بزيت “غزال” الذي كان يستخدم آنذاك لطهي الطعام، ثم وزع بثمن بخس انطلاقا من الدار البيضاء لتغرق سوق مدينة مكناس وسيدي سليمان وسيدي قاسم والخميسات ومناطق أخرى، فيقبل عليها آلاف المغاربة معتقدين أن زيت “الغزال” سيوفر لهم الصحة والعافية حتى تجعلهم يركضون ويتحركون كالغزال، بيد أن الجحيم كان ينتظرهم.

تعود المادة الكيميائية القاتلة، التي خلطت بزيت “غزال”، إلى مخلفات قواعد عسكرية جوية أرسلتها أمريكا بالقنيطرة في المغرب، للاستعانة بها من أجل دحر الألمان إبان الحرب العالمية الثانية سنة 1942، غير أن أمريكا غادرت بقواعدها وتركت مواد كيميائية تستعمل لصيانة محركات الطائرات، استولت عليها جهات غير معلومة حتى الآن، وخلطتها بزيت الطهي لتبيع للناس الموت والسقم، أقبل عليها الكثير من العائلات؛ لثمنها الرخيص ليستعملوها في منازلهم لطبخ وجباتهم، إلا أنهم كانوا في الحقيقة يعدون قبورهم بأيديهم وليس طعامهم.

وبمجرد تناول الكثير من المواطنين ما لذ وطاب لهم من الأغذية التي تم طهيها بالزيوت السامة، بدأت الكارثة، لتمتلئ المستشفيات على قلتها آنذاك بحالات التسمم الخطيرة والقاتلة، حيث وجد الأطباء أنفسهم أمام جيش من المرضى بداء قاتل لا يعرفون طبيعته ولا مصدره في البداية، قبل أن يكتشفوا بعد شهور أن الأمر يتعلق بتسمم جماعي سببه زيوت “غزال”.

كانت الحصيلة ثقيلة جدا: آلاف من الضحايا والمصابين في غضون شهور، الآن وبعد مضي أكثر من “50 سنة من العزلة”، بسبب تلك الزيوت المسمومة، الكثير منهم قضوا نحبهم، ومنهم من ينتظر على كراسي متحركة وقد نالت منه الأمراض الناتجة أساسا عن الكارثة.
أمام هول الفاجعة لم تجد الدولة إلا أن تصدر ظهيرا يقضي بموجبه تخصيص مستخلصات بيع طابع بريدي خاص بتصاريح العربات، تذهب أرباحه لفائدة المنكوبين الذين فاقت معاناتهم إعانات الدولة.

امتلك الرعب آنذاك السكان لدرجة أن البعض هاجر إلى مدن أخرى هربا من الوباء، وآخرون تركوا جيرانهم خشية انتقال العدوى، وارتفعت الأصوات للكشف عن المجرمين، ومعاقبتهم أشد عقاب، لتبدأ فصول طويلة في المحاكم، لم تنته بالقبض على المجرمين الذين تسببوا في هلاك العباد، ليكون قدر الضحايا نفس قدر المنكوبين جراء الزلازل والحرائق والفيضانات، حيث يغيب الجناة، ولا زال إلى حد الآن من يطالب بالكشف عن الجهة المتسببة في هذه الإبادة الجماعية التي كان ضحيتها أناس أبرياء.

«الحاج» ثابت
“حتى الشيطان نفسه يعجز عن فعل ما فعله”… كان متزوجا، وكان “يصلي” وكان “يحج”، وكان يغتصب أيضا، إنه الكوميسير “ثابت”.

“حتى الشيطان نفسه يعجز عن فعل ما فعله” يقول أحد المواطنين حينها معلقا على قضية الكوميسير: “الحاج ثابت” الذي اغتصب 500 امرأة بالتمام والكمال، مجسدا بذلك خير مثال للشخصية السلطوية الشهوانية، التي تجمع السلطة مع الجاه لتعيث في الأرض فسادا وخرابا، ليكون مصيره الإعدام رميا بالرصاص عبرة لمن أراد بنفسه سوء.

كان متزوجا، وكان “يصلي” وكان “يحج”، وكان يغتصب أيضا، إنه الكوميسير “ثابت” الذي اغتصب نساء الدار البيضاء في سابقة له في التاريخ ما سبقه بها أحد من العالمين، وحش آدمي نكل ببنات حواء شر تنكيل قبل أن يعدم في مارس 1993.

لم يكن “ثابت” يرى مهمته كعميد ممتاز في جهاز الاستعلامات بمدينة الدار البيضاء تكمن في توفير الأمن للمواطنين وحمايتهم من المجرمين، بل كان “حاميها حراميها” يتربص بالنساء في الشوارع والطرقات وأمام المدارس والثانويات، لينقض على فريسته، حيث كان يستغل منصبه طيلة سبع سنوات لإغراء النساء أو الفتيات العذارى، وإذا ما أبوا فإنه يستعمل سلطته وسطوته لاصطحابهن كرها نحو شقته المفروشة، حيث يغتصب ضحاياه بوحشية ويسجل جرائمه في كاميرا للتصوير مثبتة بغرفة، حتى بلغت به نفسه سوء إلى اغتصاب أم أمام رضيعها، “إنها جريمة ضد الآدمية في التاريخ البشري”، يقول قاض أثناء محاكمته تعليقا على جرائمه.

قبل أن يعتقل “المغتصب ثابت” كان طيلة سبع سنوات يستمتع بأجساد النساء والبنات، ولم يتم ردعه، رغم أن العشرات من ضحاياه قد وجهن ضده شكاوى، بيد أن طغيان مالكي السلطة وتغولهم آنذاك يمنع يد القضاء من الوصول إليهم، فكان أتباعه من جهاز الأمن، إذا ما رفعت ضده شكوى تتهمه بالاغتصاب، يحررون محاضر كاذبة مزورة تقلب الحقائق رأسا على عقب، فيخرج كل مرة من فعلته الشنعاء تلك بسهولة، كخروج نملة من باب قصر.
واستمرت سياسة الإفلات من العقاب تلك إلى أن أوقفه القدر بنفسه بعد أن فشلت طيلة سبع سنوات يد العدالة أن تطاله، حيث عثرت الضابطة القضائية بناء على شكاوى تتهمه بالاغتصاب، في حوزة شقته 118 شريط، 102 منها تثبت العمليات الجنسية التي كان يمارسها على ضحاياه من النساء، ليتابع قضائيا مع بعض أعوانه في الجريمة، لينتهي به المطاف معدما بالرصاص جزاء على ما فعل.

نزلت قضية “الكوميسير ثابت” كالصاعقة التي هزت الرأي العام المغربي حتى أصبح البيضاويون يتحسسون زوجاتهم وبناتهم، خصوصا أن المجتمع المغربي ذو الثقافة الإسلامية العربية يعرف بحساسيته تجاه جرائم العرض والشرف، بل حتى الرأي العام الخارجي صدم أمام هول الكارثة.

ورغم النهاية التي لقيها المغتصب، والتي ترد بعض الحق لضحاياه ولكرامة المغاربة، إلا أن مسئولا بجهاز “الأمن” اغتصب 500 امرأة دون أن يردعه رادع يطرح علامات استفهام كثيرة حول تصرفات رجال السلطة في تلك الفترة.

«جحيم» تازمامارت
خرجوا من معتقل “تازمامارت” خروج أهل الكهف من مغارتهم، ليجدوا زمانا غير زمانهم وأناسا غير أولئك الذين يعرفونهم، في محاولة منهم لاسترجاع آدميتهم وربط الصلة بين عالم هو حتما غريب عنهم.

قال أحد رواد المنطق، في توضيح له لقواعد هذا العلم: إنه لا يمكنك أن تعرف طبيعة الموت، إلا إذا تعرضت لتجربة الموت، يقصد أن تتوفى، غير أن سجناء تازمامارت ذاقوا الموت وهم أحياء، ليكسروا بذلك بتجربتهم في سجن غابر أمضوا فيه 18 عاما من الموت، حدود المنطق.

“كانت أغلى أمنياتنا هي أن نموت ميتة فجائية تقينا أهوال الاحتضار الطويل البطيء الذي كان فيه السجين ينقلب إلى جيفة مهترئة، يتكالب على نهشها البعوض والذباب وأنواع لا حصر لها من الحشرات الطائرة والزاحفة”. كان هذا تصريح أحمد المرزوقي: أحد الناجين من جحيم تازمامارت في روايته “الزنزانة رقم 10 ” وهو يحكي فيها غيض من فيض قصة إبادة بطيئة لمجموعة من العسكريين تجرعوا معنى الموت والألم.

في شهر أغسطس سنة 1973 تم حبس 58 عسكريا في ثكنة عسكرية رهيبة بأقصى الجنوب المغربي شرقا، حيث قد صدر في حقهم قبل ذلك بعامين أحكام متفاوتة لمشاركتهم في المحاولة الانقلابية التي كان مسرحها الرئيس قصر الصخيرات الصيفي في أغسطس 1971، وسجنوا بداية في السجن المركزي لمدينة القنيطرة، حيث كان هؤلاء الضباط، وضباط الصف والجنود يعيشون في وضعية السجناء العاديين على العموم.

غير أنه ابتداء من صبيحة يوم الثلاثاء 7 اغسطس (آب) 1973 ستبدأ «رحلة الجحيم» للنفر المذكور من العسكر، وستتواصل على مدى ثمانية عشر عاما، ظلوا محتجزين خلالها كل واحد منهم في زنزانة طولها ثلاثة امتار، وعرضها متران ونصف وارتفاع سقفها دون الأربعة أمتار حسب أقوال الذين نجوا بمعجزة من الرحلة الجهنمية تلك، وعددهم ستة وعشرون، فيما قضى أربع وثلاثون تلفا أو مرضا وأحيانا غما وجنونا، وسرح الآخرون لتبدأ عندهم رحلة من نوع آخر.
ظل معظم الناس لا يعرفون شيئا عن سجن اسمه “تازمامارت”،إلى أن أفرج، في 23 أكتوبر – تشرين الأول 1991، تحت تأثير من ضغط الرأي العام العالمي، عن 28 معتقلا ممن بقي منهم حياً أو نصف حي بعد أن ابتلع المعتقل البقية.

خرجوا من معتقل “تازمامارت” خروج أهل الكهف ليجدوا زمانا غير زمانهم وأناسا غير أولئك الذين يعرفونهم، في محاولة منهم لاسترجاع آدميتهم وربط الصلة بين عالم هو حتما غريب عنهم، بعد أن أمضوا 6550 ليلة في زنزانة واحدة، لم يروا فيها النور سوى مرات معدودة، وكادوا ينهشون جلودهم وعظامهم جوعا وقذارة، يتعذر عليهم النسيان وقد أحسوا بعد عبورهم «الجحيم» بحاجتهم إلى الانتقال إلى «المطهر».

بعد سبات طويل ومديد استيقظت لغة حقوق الإنسان، حيث أنشئت هيئة الإنصاف والمصالحة في نونبر 2003، في محاولة لمسح صورة قاتمة شديدة السواد عن فترة سميت بـ”سنوات الجمر والرصاص”، كان معتقلو تازمامارت معنيين بها.

مغتصب الأطفال «دانيال»
يحدث أحيانا في المغرب أن تتم سرقات بالمليارات ولا أحد يتابع الجاني؛ إما لأنه غير معروف، أو لأنه معروف لدرجة لا يمكن القبض عليه، لكن أن يغتصب شخص 11 طفلا، ويترك حياتهم في مهب دخان جهنم، فتلك قصة أخرى.

مع بداية غشت عام 2013، تفجرت قضية العفو عن الإسباني “دانيال غالفان” الذي حكم عليه بـ 30 سنة سجنا نافذا سنة 2011؛ لإدانته باغتصاب 11 طفلا مغربيا قاصرا بمدينة القنيطرة، غير أنه لم يقض منها سوى سنة ونصف، ثم رحل إلى بلده، بعد أن حظى بعفو رسمي خاص بمناسبة عيد العرش لذلك العام.

هزت القضية الرأي العام المغربي وأثارت حفيظة العديد من الناشطين الحقوقيين، حيث خرج العشرات في مدينة بالعاصمة الرباط منددين بالعفو، ليجابهوا بالقوة حتى سالت دماء عدد منهم، مما زاد الوضع احتقانا؛ إذ انتشرت في الأيام الموالية رقعة المظاهرات بمختلف المدن.
وقد صدمت الجهات المسئولة للدولة بالوقع الذي خلفه قرار العفو في الشارع، حيث قال وزير العدل في ذلك الوقت مصطفى الرميد تعليقا على القضية: “إن العفو كان قرارا أملته مصالح وطنية حينما يتعلق الأمر بمواطنين أجانب”، مشيرا حينها إلى أنه “إذا كان قد استفاد منه شخص ضالع في ارتكاب جرائم معينة، فقد تم ترحيله ومنعه من الدخول إلى البلاد”، إلا أن المؤسسة الملكية نفت أن يكون لها علم بذلك، حيث أكدت في بلاغ لها آنذاك بأنه “لم يتم بتاتا إطلاع الملك بأي شكل من الأشكال، وفي أيّة لحظة، بخطورة الجرائم الدنيئة المقترفة التي تمّت محاكمة المعني بالأمر على أساسها”، مضيفة بأن “الملك لم يكن قط ليوافق نهائيا على إنهاء إكمال دانيال لعقوبته بالنظر لفداحة هذه الجرائم الرهيبة” ليأتي بعد ذلك قرار سحب العفو ومتابعته قضائيا، بعدها فقط تنفس المغاربة الصعداء.

وبعد قرار التراجع عن العفو، ألقت الشرطة الإسبانية القبض على مواطنها المغتصب حيث باشرت التحقيق في الجرائم المنسوبة إليه، وسارعت سلطات المغرب في محاولة لها لترميم ما كسر، بالتقدم لإسبانيا بطلب من أجل تسليم مواطنهم المتهم بالاغتصاب الذي لم يستكمل عقوبته بعد، لتنتهي القضية باستكمال عقوبته في السجون الإسبانية.

ويبقى رغم ذلك الأطفال المغتصبون يئنون في معاناتهم ويرثون طفولتهم التي نغصت، متسائلين ببراءة: هل حقا المغرب بلد الأمن والأمان كما يقال؟

أطفال «انفكو»
إذا كان البعض يرى فصل الشتاء فترة ملائمة لممارسة الرياضات الثلجية والاستمتاع بمشاهدة التلفاز في الغرف المكيفة، فإن قاطني “أنفكو” والدواوير بجانبها يرون فصل الثلوج موسما لقطف أرواح أبنائهم الرضع.

كان سكان مصر القدماء يهدون حسناوات بناتهم لنهر النيل كقرابين اعتقادا منهم أن النهر سيكف غضبه عنهم ويغدق عليهم خيراته، غير أن هذا الأمر لا يختلف كثيرا ونحن في القرن الواحد والعشرين عما يقع للسكان بمدشر “أنفكو” العالق هناك في منطقة جبلية بعمالة خنيفرة بالمغرب، حيث الصقيع يأخذ كل شتاء أطفالا منهم رضع قرابين يتقوى بهم.
على الطريق الوطنية التي تربط بين مدينة مكناس ومدينة الراشدية تقع “أنفكو” ومجموعة من الدواوير التابعة جغرافيا لإقليم خنيفرة، حيث لا ماء ولا كهرباء ولا مسالك موصلة ولا أثر لإنجازات المسئولين، تستقر هناك مجموعة من ساكنة المغرب منذ عقود، وهي تقدم فلذات أكبادها كل شتاء بالعشرات قرابين للبرد والصقيع، ولم تهتز لهذه البلدات المنكوبة لا جهات رسمية ولا هيئات مدنية حتى سنة 2007 ، حينئذ استفاق الرأي العام من سباته على وقع فاجعة أليمة راح ضحيتها عشرات من الأطفال والرضع بالقرى النائية بجبال الأطلس، على رأسها قرية “أنفكو” التي حصد الصقيع بها أكثر من 25 ضحية، لتسارع فعاليات المجتمع المدني والصحافة للاطلاع على أحوال القريات المنكوبة، لتجد أمامها مغرب أقسى يخالف المغرب الجميل الذي تتغنى به القنوات الرسمية.

إذا كان البعض يرى فصل الشتاء فترة ملائمة لممارسة الرياضات الثلجية والاستمتاع بمشاهدة التلفاز في الغرف المكيفة، فإن قاطني “أنفكو” والدواوير بجانبها يرون فصل الثلوج موسما لقطف أرواح أبنائهم الرضع، فدرجة الحرارة المنخفضة جدا، والثلوج التي تغطي المكان، والفقر المدقع الذي يتسلط على الساكنة، والتهميش والإقصاء الذي يفتك بالناس هناك حيث لا ماء ولا كهرباء ولا مسالك، كل ذلك تضافر ضد سكان تلك البلدات البائسة، ليتسبب في موت العديد من الأطفال ومعاناة الكثير من المواطنين هناك، خصوصا من النساء والشيوخ.

وبعداكتشاف الحدث المفجع هرعت مؤسسات الدولة تحت ضغط الرأي العام لإغاثة المنكوبين، إلا أنه لازالت “أنفكو” والبلدات المجاورة لها حتى الساعة تعاني كل شتاء، رغم المجهودات الرسمية والمدنية التي تحاول تخفيف حصاد الصقيع والتهميش بالمنطقة الجبلية، لاسيما وأن العزلة لم تزل تطبق على ساكنيها هناك.

ولم تشفع ملامح تلك الوجوه البريئة وهي تتجمد من البرد لاتخاذ القضية أهمية كبرى بطابع الحس الوطني البعيد عن المزايدات السياسية، حيث شهدت السنين الأخيرة حالات من التوتر بين بعض القطاعات الجمعوية التي تنظم قوافل تطوعية لإغاثة الملهوفين هناك، وجهات رسمية تتهمها بالركوب على قضية إنسانية للوصول إلى مآرب سياسية.

وبين هذا وذاك تبقى “أنفكو” وتلك الدواوير تستعد بكل ما أوتيت كل عام لمواجهة عدو شرس يسمى فصل الشتاء .

من أجل غد مشرق
ورغم اختلاف لون كل قصة عن الأخرى من القصص التي أوردناها، إلا أن جميعها يشترك في معنى الظلم والأسى، كما أن كل واحدة منها تجسد مرحلة مظلمة في تاريخ المغرب تستحق تسليط الضوء عليها من جديد، والتحقيق في ما تم طمسه أو تجاهله، وكشف الأفاعي التي شاركت وفرت بعدما نفثت سمومها في نفوس فرائسها؛ للتصالح مع الماضي والانتصار لمعاناة الضحايا، ومن أجل استيعاب الدروس لمنع تكرار المآسي.

بيد أنه في العقد الأخير أبدت مؤسسات الدولة المغربية “نوايا حسنة” ومبادرات حقوقية عديدة، حاولت من خلالها طمأنة ضحايا هذه الفواجع والتخفيف على الأقل من الضير الذي لحقهم، سواء كان بإعانات منها أو تعهدات وعدت بتلبيتها، بيد أن حجم الضرر كان أكبر من كل ذلك، وفي رأي البعض على الأقل: ” أن تفعل الشيء متأخرا خير من ألا تفعله أبدا”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى