رأي/ كرونيك

من منحكم الرجولة امرأة

العالم سيكون بحال أفضل من خلال محاسبة كل من يعتدي على المرأة، ورفض الأعذار والتبريرات عند حدوث التحرش الجنسي، ودعم الجيل الجديد ليرسي مساواة فعلية بين الجنسين.

 يمينة حمدي صحافية تونسية مقيمة في لندن

تمثل المرأة نصف المجتمع، غير أن معظم البلدان ما زالت لا تعي معنى هذه الحقيقة، وترفض أن تمنح النساء حقوقهن العادلة مقارنة بنصف المجتمع االذكوري، كما لا تحظى أدوارهن المتعددة بالتقدير الكافي بين إنجازات الرجال.

ما تقوم به النساء في المجتمعات غير قابل للقياس حتى بالرياضيات، ولكنهن لا ينلن من أسرهن ومجتمعاتهن سوى تقييمات منخفضة وتكريمات رمزية وآنية، أما تاريخ حياتهن بأكمله فحافل بالإساءات والحرمان والإقصاء والتهميش.

في العام الماضي عاشت إسبانيا على إيقاع احتفال غير مسبوق باليوم العالمي للمرأة هددت فيه النساء بإضراب عن العمل لمدة 24 ساعة، وعدم إنفاق أموالهن والامتناع عن القيام بالأعمال المنزلية، من أجل التأكيد على أهمية دور المرأة، ومدى تأثير غيابها عن الحياة اليومية.

 

وفي السنوات القليلة الماضية استعملت النساء في بعض البلدان فكرة الإضراب عن الجنس من أجل تحقيق مطالبهن، ومنذ أزمنة غابرة والنساء يخضن معاركهن بمفردهن من أجل نيل حقوقهن، فيما يظل الرجال في وضعية المُسيطرين حتى في الحالات التي يتوجب عليهم فيها إظهار مشاعر التضامن مع المرأة، وكأن أفكارهم تجمدت زمنيا، لذا فهم ما زالوا محافظين على مقاومة التغيير.

رغم فعالية مثل هذه الإضرابات النوعية والمظاهرات التي تقوم بها النساء من حين لآخر، وقدرتها على لفت انتباه السياسيين ووسائل الإعلام إلى وضعيات معينة، فإنها تمثل انتصارات رمزية وليست حلا لمشاكل النساء المستعصية، بل على العكس فهي تضع المسؤولية بشكل غير عادل ودائم على عاتق النساء في محاولتهن لتغيير الطابع الذكوري المهيمن على العالم، بدلا من التركيز على دور الرجال في خلق بيئة اجتماعية تساوي بين الجنسين.

المساواة الحقيقية، لا يمكن أن تتحقق إذا لم يتخذ الرجال في كل أسرة مواقف مناصرة لحقوق المرأة، التي تلدهم وتربيهم وتسهر على راحتهم وتدعمهم، في مختلف مراحل حياتهم حتى يصبحوا رجالا، ولكنهم بمجرد أن يكبروا يتكبّرون على المرأة برجولتهم، فيستضعفونها ويعنفونها ويسلبون حقوقها بكل برودة أعصاب.

عوض أن تخرج النساء في إضرابات للتنديد بالتمييز ضدهن، لماذا لا يدرك الرجال من تلقاء أنفسهم أن راحتهم وسعادتهم ونجاحاتهم لا تأتى نتيجة مجهود شخصي أو بمحض الصدفة، بل هناك أمهات وزوجات وشقيقات ونساء في المجتمع، يقاتلن لأجلهم ولا أحد يعرف عنهن شيئا، ويضحين بصحتهن ووقتهن ومالهن، في سبيل أن يغمرنهم بأسباب الراحة والرخاء، ولا يحتجن منهم سوى العرفان بالجميل.

لماذا لا يعترف الرجال بحقوق المرأة، إذا كان الاعتراف بحقوقها سيخلق عالما متوازنا وآمنا ومزدهرا، يكون فيه الجميع -وليست النساء وحدهن- في أحسن حال دائما؟

أعتقد أن حل جميع مشاكل النساء بأيدي الرجال، وهم وحدهم القادرون على بلورة مفهوم المساواة العادلة بين الجنسين، وجعلها واقعا معيشا كل يوم، إن كان هؤلاء الرجال قدوة جيدة لأنفسهم ولأبنائهم الذين سيكبرون وهم مؤمنون بأن آباؤهم وأمهاتهم متساوون في الحقوق والواجبات، ويجمعهم التفاهم والحب والاحترام.

والحل يبدو بسيطا، يكفي أن يعبر الرجال عن الامتنان للمرأة كل يوم، وليس بكلمة “شكرا” فحسب، بل عن طريق إظهار الاحترام في السلوكيات والتصرفات، فالرجل على سبيل المثال الذي يساعد أمه أو زوجته أو شقيقاته في الأعمال المنزلية، يبدي احتراما للنساء ويساهم في خلق بيئة أسرية تؤمن بمعنى المساواة.

بالطبع لن تقتصر النتيجة على أفراد أسرة واحدة، بل من شأن ذلك أن يؤثر على أجيال بأكملها، حينما يجد هذا الاتجاه من يدعمه ويعممه من الرجال الجادين في مقاومة السلوكيات الذكورية العدوانية تجاه النساء.

أيها الرجال لا تترقبوا المناسبات لتعبروا عن امتنانكم للنساء، قولوا لهن كل يوم “شكرا” بالأفعال وليس فقط بالكلمات، فلا شك أن ذلك سيشكل أمرا لا يُستهان به في إحساس المرأة بأهميتها، وهو أيضا أقوى تعبير عن الرجولة في أفضل تجلياتها، فالحياة صعبة بما فيه الكفاية بوجود العديد من الصعاب والمشاكل من حولنا. فلِمَ لا تكسونها بغطاء ناعم من المحبة واللطافة مع النساء؟

ومن وجهة نظري، أعتقد أن العالم سيكون بحال أفضل من خلال محاسبة كل من يعتدي على المرأة، ورفض الأعذار والتبريرات عند حدوث التحرش الجنسي، ودعم الجيل الجديد ليرسي مساواة فعلية بين الجنسين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى