حول العالمميديا و أونلاين

وتبقى الجزائر الورقة الرابحة لموسكو في شمال إفريقيا

تحولت الجزائر في السنوات الأخيرة إلى موقع الحليف الاستراتيجي لموسكو على خلفية تعزيز التعاون العسكري؛ إذ باتت الجزائر من المشترين الخمسة الأوائل للأسلحة الروسية، وأصبحت تتلقّى من روسيا أكثر من 80% من معدّاتها.
كما أخذت العلاقة خصوصية كبرى في ظل التنسيق بين المواقف في عدد من القضايا بمنطقة الشرق الأوسط، وتعزيز التعاون الاستخباراتي عبر انضمام الجزائر إلى قاعدة بيانات دولية لمحاربة الإرهاب أنشأها جهاز الأمن الروسي فى مارس من العام الجاري، والتي تهدف بشكل أساسي لتعزيز عملية تبادل المعلومات في القضايا الأساسية التي تتعلق بالإرهاب.
يرسم التقرير التالي صورة شبه كاملة عن الخصوصية في هذه العلاقة بين البلدين، وعن الدوافع التي جعلت العلاقة بين البلدين ترتقي للتحالف الاستراتيجي.

كيف أصبحت روسيا المورد الأول للأسلحة في الجزائر؟

شكل المُحدد الأول والرئيس في تعزيز أواصر العلاقة بين الجزائر وروسيا تحول الأخيرة لمورد أساسي للأسلحة والمعدات للدولة الأفريقية، وتقديم تسهيلات كُبرى في العديد من الصفقات العسكرية للبلد الأفريقي؛ وهو الأمر الذي عزز كافة أبعاد العلاقة على المستوى السياسي.
وتُشير الأرقام إلى أن الجزائر من الشارين الخمسة الأوائل للأسلحة الروسية؛ إذ تتلقى من روسيا أكثر من 80% من معدّاتها، وبلغت حصة المعدّات العسكرية التي توردها روسيا للجزائر ثلثَي التجارة بين البلدَين،

وحمل عام 2006 خصوصية كبرى للتحول النوعي في العلاقة بين البلدين؛ بعدما رأت موسكو في الجزائر حليفًا ذا مقومات تؤهله للعب دور فاعل في شمال أفريقيا، وفاعلًاً أساسيًا في قضايا المنطقة تستطيع التعويل عليه في الدفاع عن المصالح الروسية؛ لتقرر آنذاك إعفاء البلد العربي الأفريقي من دين قدره 4.7 مليار دولار كانت الجزائر تدين به للاتحاد السوفياتي؛ وهو الأمر الذي ساهم في العام نفسه في التوطيد السياسي والعسكري بين البلدين.
ظهرت تداعيات هذا الأمر في توقيع الجزائر اتفاقًا في عام 2006 مع روسيا للحصول على دبابات ومقاتلات ومنظومة صاروخية ومعدّات أخرى بقيمة 7.5 مليارات دولار، والتي أخذت هذا العام تحولًا نوعيًا، سواء على المستوى العسكري والاقتصادي، وكذلك السياسي في عدد من القضايا الإقليمية.
تجلى ذلك أيضًا في الزيادات المُطردة لحجم التعاون العسكري بين البلدين سنويًا، إذ سُجِّلت بين العامَين 2012 و2016 زيادة بنسبة 277% في قيمة الأسلحة المُباعة من روسيا إلى الجزائر، كما ارتفعت قيمة المُعدات العسكرية من 700 مليون دولار في العام 2007 إلى 4 مليارات دولار في العام 2016.

ولا تمر مناسبة أو مؤتمر مشترك بين مسؤولي البلدين، إلا ويتم التطرق إلى التعاون العسكرى بينهما كأحد مظاهر هذا التحالف، كالحديث الأخير لوزير خارجية روسيا، سيرغي لافروف، مع نظيره الجزائري، عبد القادر مساهل، في فبراير العام الجاري، الذي قال فيه: «هناك آفاق جيدة ونتائج جيدة بالفعل في مجال التعاون العسكري التقني، والخطط القائمة في هذا المجال، ينبغي تنفيذها، نحن عازمون على ذلك مع أصدقائنا من الجزائر».

ولا يقف الدور الروسي عند توريد الأسلحة المتطورة إلى الجزائر فحسب، بل تتضمن كذلك المُساهمة عبر إمدادهم بالخبراء العسكريين الروسي لتطوير صناعة السلاح والمعدات العسكرية في الجزائر، كما أوضح تقرير حكومي خاص أن روسيا هي المصدر الأول لها بشأن المعدات الحربية منذ 24 سنة.
و شهد هذا التعاون العسكري الوثيق تحولًا نوعيًا مع بدء روسيا تزويد البلد المغاربي بأسلحة متطورة، مثل صواريخ إلكسندر بنظام إس 400 المضاد للطيران والقادر على مواجهة الطائرات الغربية مهما كانت قوتها بما فيها الرافال، وإف 35، كما زودت الجزائر سرًا بين عامى 2013 و2014 بصواريخ «إلكسندر»، وهي ذات سرعة فائقة وقوة تدميرية هائلة بما فيها ضرب السفن الحربية في عرض البحار، وهي صفقة لم تكن مُعلنة؛ بل اكتشفها مراقبون تابعون للأمم المتحدة.
وشكل التوسع من الجانب الروسي في الإمدادات العسكرية بأسلحة حديثة متطورة بشكل سري خلال الخمسة أعوام الأخيرة أمرًا محل جدل كبير، لكنه – وفقًا لمحللين – كان التوسع في الإمدادات العسكرية مرتبطًا بشكل أساسي بمسعى الجانب الروسي بتزويد حليفه في شمال أفريقيا بمعدات عسكرية لمجابهة أي أخطار خارجية أو داخلية في ظل توسع رقعة احتجاجات الربيع العربي، خصوصًا بعدما فقدت روسيا أكثر من حليف على رأسها النظام الليبي.

يشرح مقال منشور في صحيفة «القدس العربي» للكاتب حسين مجدوبي هذه النقطة، ويقول: «امتلاك الجزائر هذه الأسلحة المتطورة، وتواجد سفن حربية روسية في غرب البحر الأبيض المتوسط، كان من جهة رادعًا للغرب لتفادي التسبب في نزاعات في الجزائر؛ لأن قطعة سلاح استراتيجية واحدة قادرة على تغيير مسار نزاع أو قضية، ومن جهة أخرى تطبيق روسيا لمفهوم الدفاع عن الحلفاء الذي يجعل منه فلادمير بوتين الآن عقيدة رئيسة في تصوره للدفاع عن أمن روسيا وحلفائها».

في أزمتي ليبيا وسوريا.. الجزائر عين موسكو التي لا تغيب

أخذ التنسيق بين الجانبين الروسي والجزائري أبعادًا جديدة عززت العلاقة الثنائية بينهما؛ لترتقي إلى درجة التحالف الثنائي عبر تحول الجزائر لفاعل يتحرك برغبة روسية في عدد من قضايا منطقة شمال أفريقيا، وأحيانًا يأخذ زمام المبادرة بدافع روسية ورغبتها.
تمثل ذلك في التنسيق الدائم بين البلدين في الأزمة الليبية، والتعويل الكبير على الجزائر في كثير من المبادرات لتسوية الأزمة السياسية بما يضمن لروسيا نفوذًا وحضورًا سياسيًا. تجلى هذا التنسيق من واقع تطابق مواقفهم من حيث تحميل الجزائر وموسكو لـ«الناتو»، مسؤولية العنف في ليبيا.
ظهر هذا التنسيق بين البلدين من واقع الدعم الروسي الكامل لكافة المساعى الجزائرية لتسوية الأزمة الليبية، وذلك عبر الدخول وسيطًا مشتركًا في بعض الأوقات، أو داعم لقاءات للخصماء السياسين برعاية جزائرية، كما حدث في لقاءات جمعت مسؤولين جزائريين بنظرائهم الليبيين، كرئيس المجلس الأعلى للدولة عبد الرحمن السويحلي ورئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، فائز السراج، وقائد القوات التابعة للحكومة المؤقتة خليفة حفتر، إضافة إلى أنها تقود حوارات مع أحزاب وفاعلين ليبيين بصفة غير رسمية.
عزز من أهمية الجزائر بالنسبة لروسيا في الأزمة الليبية تمتعها بعلاقات جيدة مع كافة الأطراف الليبية بما في ذلك قوى الشرق الليبي المتمثل في العناصر التي تتبع خليفة حفتر، والعناصر المحسوبة على نظام القذافي، فضلًا عن نفوذها الواسع على قوى محسوبة على تيار الإسلام السياسي.
وتشترك أهمية ليبيا السياسية والعسكرية والجغرافية لكل من الجزائر وروسيا؛ فالأخيرة كانت حليفة لنظام القذافي، وكان إحدى الأوراق الرابحة اقتصاديًا في منطقة الشرق الأوسط،، كما تتجاور الجزائر مع ليبيا جغرافيًا من ناحية الجنوب، وتُدير الملف الليبي من سنوات، وتحتفظ بعلاقات مع مختلف الفاعلين السياسيين هناك.
وعولت روسيا كثيرًا على الدعم الجزائري في المحافل الدولية، بشأن الأزمة الليبية، ورفض التدخل الغربي في ليبيا؛ مما شكل دافعًا قويًا لاستمرار النفوذ الروسي في ليبيا، واكتساب روسيا بالاشتراك مع الجزائر موقعًا هامًا في أي تسوية محتملة للأزمة الليبية.
وتُشكل الأزمة السورية القضية الثانية التي لعبت فيها الجزائر دورًا يتماشى مع وجهة النظر الروسية، فضلًا عن كونها وسيلة لتوسعة رقعة النفوذ الجزائري خارج حدودها؛ خصوصًا في ظل الموقف المشترك لروسيا مع الجزائر؛ إذ دعمتالأخيرة سيادة النظام السوري منذ بداية الأحداث هناك عام 2011، وقد عارضت خطوات الجامعة العربية لطرد النظام السوري من منظمة الوحدة العربية التي هي أحد الأعضاء المؤسسين لها.
ولم تتوقف الجزائر على مدار سنوات الأزمة السورية عن إصدار البيانات المُساندة فيها لما اعتبرته جهود النظام السوري في «محاربة الإرهاب وتشجيع الحوار السوري – السوري لإيجاد مخرج من المأزق السياسي من خلال مصالحة وطنية سورية، ودعم جهود روسيا لإعادة الأمن والاستقرار وحماية الوحدة الترابية لسوريا ومنع خطر التفكك وفشل الدولة».
وأخذت المساعي الروسية للاستفادة من الحضور والنفوذ الجزائري في القضية السورية والليبية بعدًا جديدًا في السنوات الأخيرة، عبر تطوير وتسهيل تبادل المعلومات بين كلا البلدين، وتعزيز العمل الاستخباراتي بين أجهزة الاستخبارات لكلا البلدين.
وشهد العام الحالي اجتماعات مُكثفة بين المسؤولين الأمنيين في روسيا مع نظرائهم الجزائر بهدف تنشيط التعاون بين أجهزة البلدين الأمنية، خصوصًا في الأزمة السورية واللبنانية، وكانت أحد أوضح علامات هذا التعاون الاستخباراتي انضمام الجزائر إلى قاعدة بيانات دولية لمحاربة الإرهاب، أنشأها جهاز الأمن الروسي في مارس من العام الجاري، والتي تهدف بشكل أساسي لتعزيز عملية تبادل المعلومات في القضايا الأساسية التي تتعلق بالإرهاب.

الجزائر.. الباب الأكبر من أجل توسعة النفوذ الروسي في شمال أفريقيا

لا تُعد الخصوصية في العلاقة بين الجزائر وروسيا أمرًا مستغربًا، خصوصًا إذا ما جرى النظر لهذه العلاقة الاستثنائية في سياق أوسع يتعلق بالرغبة الروسية المتزايدة في تعميق نفوذها بمنطقة شمال أفريقيا، بعدما فقدت أكثر من حليف في أعقاب ثورات الربيع العربي؛ إذ يأتى على رأس هؤلاء الحلفاء نظام القذافي الذي كان إحدى الأوراق المؤثرة للسياسة الروسية في هذه المنطقة.
ولطالما كانت منطقة شمال أفريقيا رقعة جاذبة للنفوذ الغربي والأمريكي في السنوات الأخيرة؛ وهو الأمر الذي شكل دافعًا قويًا للدب الروسي لمزاحمة هذا التواجد الغربي، خصوصًا أن هذه المنطقة تمتعت بحضور روسي نافذ طيلة السنوات السابقة.
لا تقف الرغبة الروسية عند توسيع نفوذها عن الجزائر فقط، بل تمتد لتشمل كذلك المغرب؛ إذ تخطى حجم التبادل التجاري بين الدولتَين 3 مليارات دولار في العام 2017، كما وقعت المؤسسة الحكومية الروسية للطاقة الذرية (روس آتوم) مذكرة تفاهم مع وزارة الطاقة والمعادن والتنمية المستدامة في المغرب أكتوبر 2017 حول استعمال الطاقة النووية لأغراض سلمية.
كما سعت روسيا بجهود واسعة لاستعادة حليفها التاريخي ليبيا عبر مد قنوات اتصال مع أكثر من فاعل سياسي؛ وهو الأمر الذى أدى إلى استعادة جزء مهم من النفوذ الروسي في هذه المنطقة، والتي يُستدل عليها من واقع تضاعف حجم الأعمال التجارية بين البلدين ليصل إلى 135 مليون دولار في العام 2017، و ساعدت موسكو الحكومة في طبرق على التعويض عن عجز السيولة لديها عبر سكّ عملة لمصلحتها.
أمام المساعى الروسية المتزايدة لتعزيز نفوذها في منطقة شمال أفريقيا؛ تحاول الولايات المتحدة الأمريكية مجابهة هذا النفوذ عبر مد قنوات اتصال جديدة، وقطع الطريق أمام الدب الروسي.
وليس أدل على الاهتمام الأمريكي بهذه المساعي سوى ما ذكرته آيرا وينر، الباحثة في معهد واشنطن آنا بورشفسكايا أمام «اللجنة الفرعية المعنية بشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا» التابعة لمجلس النواب الأمريكي من توصيات للحدّ من نفوذ موسكو وتحسّن الموقف الاستراتيجي للولايات المتحدة تجاه روسيا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وشملت هذه التوصيات تحسين التعاون الأمني والاستخباراتي مع هذه الدول، والانخراط بفعالية أكثر في الشرق الأوسط، واستثمار المزيد من الموارد للتصدّي للجهود الدعائية التي يجريها الكرملين، وكذلك توجيه الدبلوماسيين الأمريكيين للتصدّي بنشاط للخطوات الروسية في المنطقة أيضًا.

المصدر: ساسة بوست

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى