المخزن العميق وعزيز أخنوش.. هل دقّت ساعة المواجهة؟
01- التدليس على “التهنئة الملكية”
يبدو أن الولاية الثانية لعزيز أخنوش على رأس حزب التجمع الوطني للأحرار قد أدخلته في حالة الإحباط المترتب عن إحساسه العميق بالفشل، بسبب استمرار الغضب الشعبي العارم ضد سياسات حكومته الفاشلة، إلى درجة أنه لم يتوقّف عن الشكاوى، “وجود تشويش واستفزازات، ومغالطات وتضليل للرأي العام” باستهداف شخصه وليس تدبيره من طرف من أسماهم بـ”المشوشين والشعبويين”…، إسوة بـ”التماسيح والعفاريت”، التي كان ينعته بها عبد الإله بنكيران أيام البلوكاج المعلوم.
لكن المثير هو تباهي عزيز أخنوش أمام المؤتمرين بأنه “أعاد الهيبة إلى مؤسسة رئاسة الحكومة”!
إنها واحدة من غرائب الزمن أن يتكلم ملياردير مثل عزيز أخنوش اليوم عن “التحكم” في رئاسة الحكومة ويُشبِّه نفسه بسابقيه من رؤساء الحكومات، كالراحل عبد الرحمان اليوسفي، الذي كان ينعت ناهبي المال العام بـ”جيوب المقاومة”، أو كعباس الفاسي الذي تفاجأ بوجود كبير تجّار المحروقات وزيرًا للفلاحة ضمن حكومته دون أن يقترحه، أكثر من هذا فأخنوش أعلن عن المخطط الأخضر بمئات الملايير دون أن يكون ضمن برنامج عباس الحكومي، لدرجة أنه بدأ يُشكِّل، ضمن وزراء آخرين، حكومةً موازيةً كان يُطلق عليها آنذاك “حكومة الظل”، أو كعبد الإله بنكيران الذي كان يُفرّق بين مستويات الجهة، التي يزعم أنها تُناهضه، فعندما يريد استهداف أشخاص يدّعون قُربهم من النظام يستعمل “التماسيح والعفاريت”، وعندما يستهدف “الجهات العليا” كما يقول والتي يتهمها أنها هي من تُناهضه بتسخير التماسيح والعفاريت يستعير عبارة “الدولة العميقة”.
أما صديقنا عزيز أخنوش، رئيس الحكومة اليوم، الذي بدأ يشتكي ليوهمنا أنه انسلخ من جلد “التمساح” وأخرج منه “العفريت” بمجرد ما أن واجهه المغاربة بالاحتجاج على غلاء المعيشة، فقد شرع يبحث عمن يُعلّق عليه شمّاعة فشل حكومته منذ أيامها الأولى.
وهذا ما يتّضح جلياً من خلال “خرجة” محمد غياث رئيس فريق التجمع الوطني للأحرار بمجلس النواب، وهو بالمناسبة التحق بحزب الأحرار في إطار “الإعارة” (Prêté) من حزب البام خلال الميركاتو الانتخابي الأخير.
في تلك الخرجة، كتب غياث تدوينة مطولة على حائطه بالفايسبوك، أياما قليلة قبل المؤتمر، يتساءل فيها عمن يريد أن يقتات من الأزمة، التي تعرفها أسعار بعض المواد الاستهلاكية بسبب ظرفية السوق الدولية؟ ويبحث عمن له غاية في تحويلها لأزمة سياسية بغاية النيل الإعلامي من الحكومة ومن رئيسها عزيز أخنوش ومن الحزب الذي يقودها؟!
وهذا ما دفع رئيس الحكومة الأسبق، عبد الإله بنكيران، للدخول على الخط ليجيب محمد غياث بدافع “التشفّي” من “تمساح الأمس” عزيز أخنوش بالقول: إن الذي يُطالب برحيل رئيس الحكومة عزيز أخنوش اليوم ليس هو المجتمع الذي يُعاني من سوء تدبيره، بل من يريد رحيل أخنوش هم جهات نافذة، وختم بنكيران بالقول: “هادشي وقع معايا أنا، ولكن يوقع مع أخنوش جاني بيزاغ كيف كيقولوا الفرنسويين، أنا هذي هي اللي مافهمتش”..
أن يصدر مثل هذا الكلام عن بنكيران، ويُقدم نفسه بذلك كمن يدافع عن أخنوش، فإنه في الحقيقة يُورِّطه.
ولتفكيك لغزه وفهم ما يجري اليوم، يجب البدء من السبب الذي دفع القصر ليصدر بيانًا يوم 7 غشت 2007 يُعلن فيه أن الملك محمد السادس أعطى موافقته على خروج فؤاد عالي الهمة ليمارس العمل السياسي، وما هي الغاية من تأسيس حركة لكل الديمقراطيين وبعدها حزب الأصالة والمعاصرة؟، وهل فعلًا احتجاجات حركة 20 فبراير هي من أوصلت الحزب الإسلامي للحكم وأعادت فؤاد عالي الهمة إلى القصر مستشارًا للملك محمد السادس؟
ما هو أثر دعوة الملك لتناول وجبة الفطور بمنزل أخنوش على مساره المالي والسياسي؟، وكيف استطاع أخنوش منع بنكيران من تشكيل حكومته الثانية، وكيف أدّى هذا “البلوكاج” بالملك إلى إعفائه؟، ومن كان وراء إبعاد إلياس العماري الذي “كان فيهم وليس منهم”؟
وأخيرًا، هل فعلاً كانت هناك صفقة مع الحزب الإسلامي لتقليص عدد مرشحيه إلى 9000 مقابل أكثر من 26000 مرشح التي قدمها حزب الأحرار لدفع عزيز أخنوش وحزبه إلى الواجهة؟…
باختصار شديد، لابد من إعادة قراءة هذه المرحلة لنحاول إزالة الغموض الذي في ظله أسس المستفيدون منه نظاما موازيا للنظام الشرعي، مكّن من الخلط بين المال والسياسة والتسلل إلى مراكز القرار عبر شراء الذمم كما صرح بذلك المنافسون.
فالمغرب الذي يتجه اليوم نحو ملكية برلمانية يسود فيها الملك ولا يحكم، سائر في كشف هذا الغموض لإسقاط هذا النظام الغير الشرعي حتى لا يمتد إلى هذه المرحلة.
بمعنى آخر، إن الملك محمد السادس شخصيا عبّر عن رغبته في تهيئة الأجواء المناسبة لمرحلة سياسية أخرى يُنتظر أن ينخرط فيها المغرب مستقبلا برؤية جديدة وكفاءات جديدة ورجالات جدد ليست لهم أي مسؤولية في هذا الفساد الكبير الذي ينخر البلاد طولًا وعرضًا.
وهذا سيتطلب منا أكثر من مقال، لذلك نعود من حيث بدأنا لنتكلم على خطاب أخنوش للمؤتمرين، عندما زعم أنه “أعاد الهيبة إلى مؤسسة رئاسة الحكومة”!!
أي أن عزيز أخنوش يزعم اليوم أنه حرر مؤسسة رئاسة الحكومة، وأصبح يمارس صلاحياته كاملة دون تدخُل من أيّ كان.
إذن، فلماذا رئاسة الحكومة في عهده نزلت إلى الحضيض، إذ لم يسبق لأي رئيس حكومة في التاريخ المغربي أن صَدم وقمع وأنهك المغاربة مثله حتى خرجوا، من كل فج عميق، ليرفعوا في وجهه ورقة الرحيل!
للهروب من هذا المآل، لم يتوانَ السي عزيز أخنوش، مرة أُخرى، في ادخالنا في الغموض عبر “إقحام” الملك محمد السادس في خطابه، وبالتهليل، الذي أحاطوا به برقية التهنئة الملكية، التي وجّهها له الجالس على العرش بمناسبة إعادة انتخابه رئيسًا لحزب الأحرار، والتي أُعطيت لها أبعادٌ أكبر بكثير مما تحمله تهنئة اعتيادية، درج الملك على توجيهها إلى زعماء الأحزاب المغربية بمناسبة انتخابهم في الموقع الأول لمؤتمراتهم الحزبية…
لكن المغاربة لم تنطلِ عليهم فِعلة بعض أصحاب أخنوش، حين عمدوا إلى ممارسة نوع من التدليس على برقية التهنئة، فسوّقوها على أساس أنها تعبير عن “ثقة ملكية” جوابا على شعارات الرحيل الشعبية، مثلما حاول أحدهم أن يُوهمنا أن الملك محمد السادس يساند عزيز أخنوش في مواجهة منتقدي تدبيره الحكومي، من خلال ما ورد في برقية التهنئة من إشادة الملك بكفاءة وخصال أخنوش الإنسانية…
المغاربة يدركون جيدا أن ملك البلاد لا يمكن أن يقف في وجه الشعب، ولعل خطاب تاسع مارس، خلال أحداث الربيع العربي ومظاهرات عشرين فبراير، أبلغ نموذج عن العلاقة التفاعلية بين الملك والشعب، هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإن “برقية التهنئة” تعتبر من الخصال الرفيعة لملك البلاد، التي يتميّز بها في التعامل مع كافة الفاعلين الحزبيين على حد سواء، كما يمكن أن نلمس ذلك في كافة برقيات التهاني، التي يرسلها إلى زعماء الأحزاب السياسية المغربية…
فإذا كان الملك محمد السادس في تهنئة عزيز أخنوش (5 مارس 2022)، قد أشاد بخصاله بقوله: “فخصالك الإنسانية وكفاءتك”، ستشكل “دعامات أساسية لنجاحك في مواصلة النهوض بمهامك الحزبية على أحسن وجه”، فإن نفس الصيغة تقريبًا استعملها الملك في برقية التهنئة التي وجهها لإدريس لشكر (3 فبراير 2022)، بمناسبة إعادة انتخابه كاتبا أول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، حيث قال الملك لإدريس لشگر “ومما لاشك فيه، فإنك بفضل مؤهلاتك الإنسانية والسياسية (…)، ستواصل تكريس كافة الجهود من أجل تقوية موقع حزبك في الساحة السياسية”.
الشيء نفسه ورد في برقية تهنئة عبد الإله بنكيران (31 أكتوبر 2021)، حيث قال الملك “يطيب لنا بمناسبة انتخابك أمينا عاما لحزب العدالة والتنمية، أن نهنئك على الثقة التي حظيت بها من قبل مؤتمره الوطني الاستثنائي، ولما هو مشهود لك به من خصال إنسانية ومؤهلات سياسية”.
أمّا بخصوص ما قاله الملك محمد السادس عن الكفاءة والخصال الإنسانية، في برقية تهنئته لشخص مثل إلياس العماري، بمناسبة انتخابه على رأس الأمانة العامة للبام (25 يناير 2016)، فحدث ولا حرج. فالملك قال في إلياس الذي أنزله الباميون من التراكتور “ولاشك أنك، بفضل ما تتحلى به من خصال إنسانية، وما هو مشهود لك به من كفاءة وروح المسؤولية (…)، لن تدخر جهدا في قيادة حزبك من أجل تعزيز مكانته في المشهد السياسي الوطني”.
هذه مجرد نماذج تعبّر عن تقليد ملكي أصيل في التعبير للفاعلين السياسيين عن متمنياته لهم بالنجاح في مهامهم الحزبية المنوطة بهم، ولذلك، فإن أي محاولة لتأويل التهنئة الملكية تعبّر عن محاولة تدليس غير أخلاقية، وتعكس حالة ضعف مهولة هي التي أدّت بصاحبنا إلى السقوط المتكرر في الاختباء وراء الملك للتغطية على هذا الضعف والفشل…