تراجع الولايات المتحدة عن حقوق المرأة يسلط الضوء على عيوب منهجية
لا تزال الولايات المتحدة على صفيح ساخن منذ قرار المحكمة العليا المفاجئ بإلغاء حكم “رو ضد وايد” قبل أسبوعين الذي كرس الإجهاض كحق دستوري للنساء في البلاد.
وتجمعت آلاف المتظاهرات في واشنطن العاصمة يوم السبت للمطالبة بمزيد من الإجراءات من البيت الأبيض لحماية الوصول إلى الإجهاض، حيث أدى الكفاح من أجل حقوق الإجهاض إلى تقسيم أمريكا بشكل أكبر على أسس أيديولوجية وحزبية.
ولا يزال سجل الولايات المتحدة التي تصف نفسها بـ”مناصر حقوق الإنسان” مروعا.
ومع تعرض حقوق المرأة لضربة شديدة هذه المرة، تجلى مرة أخرى نفاق الولايات المتحدة بشأن حقوق الإنسان وعيوبها المنهجية. — صيف الغضب وبدأت المتظاهرات التجمع في ساحة فرانكلين شمال شرق البيت الأبيض في الصباح على الرغم من الأمطار الخفيفة للمشاركة في “مسيرة المرأة” تحت شعار “صيف الغضب”.
وظهرت معظمهن بملصقات أو لافتات تدافع عن حقوق الإجهاض ويرتدين عصابات خضراء (باندانا) تحمل شعار “ابتعدوا عن أجسادنا”.
وكتبت “مسيرة المرأة” على تويتر مع وسم الرئيس الأمريكي جو بايدن “نقول اليوم لرئيس الولايات المتحدة وجميع قادتنا المنتخبين إننا لن نسمح للسياسيين بالتلاعب بحياتنا ومستقبلنا… نحن نطالب بحقوقنا الأساسية”.
وقالت إستر توريس، وهي متظاهرة من أوستن بولاية تكساس، لوكالة ((شينخوا)) “إنني أحضر هذا التجمع لأنني أعتقد أنه من المهم أن يكون لنا نحن النساء صوت وحرية الاختيار فيما يتعلق بأجسادنا”، مردفة “إنه حق أساسي من حقوق الإنسان أن تقرر النساء ما يفعلن بأجسادهن”.
وسار التجمع باتجاه البيت الأبيض عند الظهر، حيث رددت المشاركات شعارات مؤيدة لحق الاختيار في الشوارع مثل “جسدي اختياري” قبل الانضمام إلى اعتصام خارج المقر الرئاسي وربط العصابات على السياج الشمالي للبيت الأبيض. وقالت توريس “سنواصل المسيرة ونحدث بعض الضوضاء ونوضح وجهة نظرنا بأننا بشر ولدينا حق إنساني”.
وفي 24 يونيو، أصدرت المحكمة العليا الأمريكية قرارا بإسقاط حكم “رو ضد وايد”، بعد ما يقرب من خمسة عقود من وضع سابقة في عام 1973 تفيد بأحقية المرأة دستوريا في الإجهاض، في واحدة من أكثر القضايا إثارة للانقسام في جميع أنحاء البلاد بسبب الصدام بين المعتقدات الدينية والحرية الفردية.
وكتب القاضي المحافظ صموئيل أليتو في رأي الأغلبية “كان القرار خطأ بشكل فاضح منذ البداية. كان منطقه ضعيفا بشكل استثنائي، وكان له عواقب وخيمة”.
واعترض قضاة المحكمة الليبراليون الثلاثة معربين عن أسفهم لأن “ملايين عديدة من النساء الأمريكيات” فقدن حماية دستورية أساسية.
وأدى الحكم إلى مزيد من الانقسام في الشارع الأمريكي. وسارع الديمقراطيون والليبراليون إلى استنكار قرار المحكمة العليا لأنهم يدعمون بشكل عام حقوق الإجهاض ويجادلون بأن الإجهاض هو اختيار المرأة، فيما حقق الجمهوريون والمحافظون، الذين لطالما اتهموا الإجراء بسلب حياة ما لم يولدوا بعد، الانتصار.
وتجمعت مجموعة صغيرة من النشطاء المناهضين للإجهاض في ركن بأحد الشوارع عبر ميدان فرانكلين حاملين لافتات تعبر عن موقفهم، فيما كان يستخدم رجل مكبر الصوت للتحدث. وصرخ الطرفان على بعضهما البعض في تبادل متوتر تحت حماية رجال إنفاذ القانون وسيارات الشرطة.
— تأثير مأسوي
في غياب حكم “رو ضد وايد”، يسمح للولايات بفرض تشريعاتها الخاصة بشأن الإجراء الطبي. وسنت أكثر من 12 ولاية، يسيطر الجمهوريون على هيئاتها التشريعية، قوانين مقيدة للإجهاض أو ستدخل القرار حيز التنفيذ في الأسابيع المقبلة.
وتفكر كايلي وايت، التي تحضر في مدرسة في ويست فيرجينيا، في الانتقال إلى ولاية مختلفة لا تجر م الإجهاض. وقالت لوكالة ((شينخوا)) في التجمع بميدان فرانكلين “لا أشعر بالحماية في ولايتي، أقصد حقوقي على وجه الخصوص. لا أريد المشاركة في ذلك”.
وبعد ثلاثة أيام من إصدار المحكمة العليا للحكم، تلقت كايتلان برنارد طبيبة التوليد وأمراض النساء بمدينة إنديانابوليس اتصالا هاتفيا من “طبيب إساءة معاملة الأطفال” في أوهايو الذي كان لديه مريضة تبلغ من العمر 10 سنوات حامل في ستة أسابيع وثلاثة أيام، وفقا لصحيفة ((انديانابوليس ستار)).
وكتبت الصحيفة أن الفتاة غير قادرة على إجراء عملية الإجهاض في أوهايو، حيث يحظر أي إجراء بعد ستة أسابيع، و”كانت في طريقها إلى إنديانا للخضوع لرعاية برنارد، إذ لا يزال الإجهاض قانونيا في ولاية إنديانا، لكن معقل المحافظين على وشك إصدار قانون الإجهاض الخاص بالولاية.
وانتشرت القصة على وسائل التواصل الاجتماعي وتسببت بموجة من الغضب. وردت توريس “إنه لأمر مرو ع أن تجبر طفلة تبلغ من العمر 10 سنوات– تم انتهاكها– على حمل طفل آخر… جسدها لم يتطور بشكل كامل، ومع ذلك ستجبرها على إنجاب طفل. في أي عالم نحن؟”
وكتب فرع الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية في أوهايو في تغريدات أن المرضى والضحايا في الولاية “يعانون في الوقت الفعلي” وأن “حظر الإجهاض بعد ستة أسابيع من الحمل يتسبب بضرر طويل الأمد ومدمر لمجتمعاتنا. ما يحدث أمر مأساوي تماما”.
وفي يوم الجمعة، نظر بايدن أيضا في القضية قبل التوقيع على أمر تنفيذي بشأن الوصول إلى خدمات رعاية الصحة الإنجابية. وقال بايدن من البيت الأبيض “عشر سنوات. عشر سنوات. مغتصبة وحامل في ستة أسابيع. ص دمت من قبل. وأجبرت على السفر إلى ولاية أخرى. تخيل أنك تلك الفتاة الصغيرة”.
وصوت أعضاء البرلمان الأوروبي يوم الخميس على قرار يدين “مرة أخرى التراجع في حقوق المرأة وحقوق الصحة الجنسية والإنجابية” في الولايات المتحدة وبعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
وقالت السياسية السويدية هيلين فريتسون، عضو البرلمان الأوروبي ونائبة رئيس مجموعة التحالف التقدمي للاشتراكيين والديمقراطيين “إن قرار المحكمة العليا الأمريكية بإلغاء الحق في الإجهاض تطور مدمر وهجوم على الحقوق الأساسية للمرأة في كل مكان”.
وأضافت “إنه يعلمنا درسا: لا يمكن أبدا اعتبار حقوق النساء والفتيات أمرا مفروغا منه ويجب علينا دائما الكفاح من أجل الدفاع عنها”.
— فشل منهجي
وتعتبر المحكمة العليا الأمريكية محكمة الاستئناف النهائية للنظام القضائي في البلاد، وتتمتع بسلطة مراجعة وإلغاء قرارات المحاكم الأدنى درجة، وهي بشكل عام المفسر النهائي للقانون الفيدرالي بما في ذلك الدستور، وتكون لأحكامها تبعات بعيدة المدى على المجتمع والسياسة الأمريكيين. وخضعت المحكمة العليا لمزيد من التدقيق على مدى العقود القليلة الماضية، لا سيما في السنوات الأخيرة، وسط الاستقطاب السياسي في واشنطن وفي جميع أنحاء أمريكا.
وسيطرت الأسئلة المحيطة بقراراتها واستقلالها نفسها على عناوين الأخبار. وتراجعت الثقة في المحكمة العليا بشكل حاد خلال العام الماضي ووصلت إلى مستوى قياسي جديد من الانخفاض في اتجاهات “غالوب” منذ 50 عاما تقريبا. وعبر 25 بالمائة فقط من البالغين في الولايات المتحدة عن “قدر كبير” أو “قدر كبير جدا” من الثقة في المؤسسة حيث يتفوق المحافظون بـ6 مقاعد على الليبراليين الذين يمتلكون 3 من مقاعد المحكمة الـ9. وقالت سيليست غيلبرت، وهي مؤيدة لحقوق الإجهاض تعيش في فيرجينيا، واصفة حالة أمريكا: “إنها فوضى عارمة”، مضيفة أن “كبار السن لدينا لا يتلقون الرعاية الصحية. قدامى المحاربين لدينا لا يحصلون على ما يحتاجون إليه. أطفالنا لا يحصلون على ما يحتاجون إليه. لدينا مشاكل تتعلق بالبنادق”. كما شعرت وايت بخيبة أمل إزاء اتجاه البلاد، واصفة ما حدث مع حقوق الإجهاض بـ”قمة جبل الجليد”. ويعتزم الديمقراطيون في مجلس النواب الأمريكي التصويت الأسبوع المقبل على مشاريع قوانين تحمي الوصول إلى الإجهاض. لكن بعض المحافظين الجمهوريين والجماعات المناهضة للإجهاض يبحثون قوانين تجرم المرضى الذين يسعون إلى الإجهاض خارج الولاية.
وتواجه مشاريع القوانين خلافات طويلة في مجلس الشيوخ المنقسم بالتساوي مظرا لعدم تمتع الديمقراطيين بالدعم الكافي لتجاوز عتبة 60 صوتا. وأقر بايدن بأن أمره التنفيذي وحده لا يمكن أن يضمن حقوق الإجهاض في الولايات التي تحركت لحظر الوصول، وشجع الديمقراطيين على التصويت في انتخابات التجديد النصفي في شهر نوفمبر.
وقال يوم الجمعة “نحتاج إلى عضوين إضافيين من أعضاء مجلس الشيوخ مناصرين لحق الاختيار ومجلس مؤيد لحق الاختيار لتقنين رو كقانون اتحادي. تصويتكم يمكن أن يجعل ذلك واقعا”.
ومع ذلك، تواجه الأغلبية الديمقراطية الحالية في الكونغرس بيئة انتخابية غير مواتية لأن حزب الرئيس قد يخسر مقاعد في الكابيتول هيل في انتخابات التجديد النصفي، ولا تزال شعبية بايدن منخفضة.
في المقابل، يدافع الجمهوريون عن المحكمة العليا ذات الميول المحافظة وحكمها في قضية “رو ضد وايد” ويقال إنهم يفكرون في مشروع قانون وطني لمكافحة الإجهاض إذا فازوا بالسيطرة على الكونغرس في وقت لاحق من هذا العام، ويوجد بحسب التقارير حظر لمدة 15 أسبوعا على الطاولة.