استقالة الريسوني.. هل بدأ التأثير الديني يفلت من بين يدي الإخوان؟
سارع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بالموافقة على الاستقالة، فقد أعلن في بيان لاحق أمس الأحد أنّ مجلس الأمناء للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين توافق "على الاستجابة لرغبة الشيخ الدكتور أحمد الريسوني بالاستقالة من رئاسة الاتحاد
استقال رئيس الاتحاد الدولي لعلماء المسلمين أحمد الريسوني أمس الأحد من منصبه وسط ضجة كبيرة؛ تسببت فيها تصريحاته الأخيرة بشأن الصحراء ، والتي قال فيها إنّ موريتانيا يجب أن تكون جزءاً من المغرب، وطالب بالزحف على تندوف الجزائرية، وذلك في مقابلة معه، رداً على سؤال حول قضية الصحراء .
أثارت تصريحات الريسوني انتقادات واسعة في موريتانيا والجزائر، وسط مطالبات بالاعتذار، بينما تنصّل الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين من هذه التصريحات المعادية، مؤكداً أنّ آراء الريسوني لا تمثل وجهات نظر الهيئة الإسلامية.
إصرار على التصريحات ورفض الاعتذار
الداعية أحمد الريسوني عبّر في بيان استقالته عن إصراره على تصريحاته، زاعماً أنّها تأتي بدافع تمسكه بمواقفه التي لا تقبل المساومة، قائلاً: “قررت تقديم استقالتي من رئاسة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، تمسكاً منّي بمواقفي وآرائي الثابتة الراسخة التي لا تقبل المساومة، وحرصاً على ممارسة حريتي في التعبير، بدون شروط ولا ضغوط”.
ولفت الريسوني إلى أنّه بصدد مشاورات مع الأمين العام للاتحاد علي القره داغي؛ لتفعيل قرار الاستقالة وفق مقتضيات النظام الأساسي للاتحاد، وفقاً للمادة 1-2 من النظام الأساسي، مشدداً في الوقت نفسه على تمسكه بالآراء التي عبّر عنها في مقابلته الأخيرة حول موريتانيا وتندوف الجزائرية.
عبد السلام القصاص: الريسوني ورّط الهيئة الدينية الإخوانية ووضعها في موقف حرج
من جهته، سارع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بالموافقة على الاستقالة، فقد أعلن في بيان لاحق أمس الأحد أنّ مجلس الأمناء للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين توافق “على الاستجابة لرغبة الشيخ الدكتور أحمد الريسوني بالاستقالة من رئاسة الاتحاد، وتغليباً للمصلحة، وبناءً على ما نصّ عليه النظام الأساسي للاتحاد، فقد أحالها للجمعية العمومية الاستثنائية، كونها جهة الاختصاص للبتّ فيها، في مدة أقصاها شهر”.
الريسوني وضع الإخوان أمام تناقضاتهم
الدكتور عبد السلام القصاص، الباحث المصري في العلوم السياسية، خصّ “حفريات” (حيث منشور المقال)، بتصريحات قال فيها: إنّ الريسوني ورّط الهيئة الدينية الإخوانية ووضعها في موقف حرج؛ حيث وضعها مباشرة في مواجهة تناقضاتها، وأظهر ما في داخل الإيديولوجيا الإخوانية من انحيازات قبلية، وجسّد بوضوح التعالي وعدم احترام حدود الدول الوطنية، والافتئات على حقوق الجيران.
عبد السلام القصاص: الريسوني أظهر ما في داخل الإيديولوجيا الإخوانية من انحيازات قبلية، وجسّد بوضوح التعالي وعدم احترام حدود الدول الوطنية
وحول الاستقالة، أكّد القصاص أنّها تأتي محاولة لرأب الصدع، واحتواء الصراع الداخلي الذي جرى داخل التنظيم الدولي؛ بل داخل الذراع الديني المتمثل في الاتحاد العالمي، بعد أن جمّد فرع الجزائر عضويته لحين اعتذار الريسوني أو استقالته، وعليه أتت الضغوط الكبيرة على الريسوني من داخل الاتحاد وخارجه ثمارها، حيث فشل الريسوني في تبرير موقفه، ولم تلقَ تصريحاته التي زعم فيها أنّ ما قاله كان عفوياً أيّ قبول، مع رفضه الاعتذار، ومن ثمّ جاءت الاستقالة كمحاولة لإرضاء الأذرع الإخوانية في موريتانيا والمغرب.
وأكد مراقبون أنّ وسطاء حاولوا الأيام الماضية تقريب وجهات النظر بين الأطراف، لكنّ الطرف الآخر تمسك بضرورة خروج الريسوني باعتذار علني، وهو ما رفضه الأخير، والذي طُلب منه بشكل ودّي داخل الاتحاد، التقدم باستقالة سريعة، حتى لا تتفاقم الأمور، وهو ما استجاب له.
مناورة مكشوفة وتملق للدوحة
الدكتورة حنان أحمد، الباحثة المصرية في التاريخ المعاصر، قالت في تصريحات لـ”حفريات“: إنّ استقالة الريسوني تنطوي على مناورة مكشوفة، فهو يحاول من جهة رفع الحرج عن اتحاد القرضاوي، ومن جهة أخرى يحاول الظهور بمظهر الحريص على وحدة الصف المسلم، رغم أنّه لا يرى في الصورة غير الإخوان، وما يمر به التنظيم من تفكك وانقسام حول العالم.
ولعلّ البيان الذي أصدره الريسوني عقب إعلانه استقالته من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يوضح، وفق الباحثة حنان، طبيعة الشخصية القادرة على التلاعب، وعدم الرغبة في خسارة كلّ شيء، حيث أراد الظهور في شكل المدافع عن الاتحاد ككيان، زاعماً أنّ “بعض الناس يحاولون دوماً شيطنة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وكذلك إقحام قطر وشيطنة مواقفها عموماً، وموقفها من الاتحاد خصوصاً”. وأضاف: “لكلّ من يهمه الأمر، دولة قطر والشعب القطري هم أكثر الناس، وأكثر المسلمين، ترحيباً بالاتحاد وتقديراً له، ودعماً لجهوده”.
وتشير الباحثة إلى حرص الريسوني على نفي علاقة قطر بالاتحاد، زاعماً أنّ “دولة قطر لم تتدخل يوماً في أيٍّ من مواقف الاتحاد وقراراته وتوجهاته، ولا بمثقال ذرة، ولا بجزء من شعرة، ولا بإشارة أو شبه إشارة”. واستطرد بأسلوب تشوبه المبالغة، مدعياً أنّ الدوحة كانت دائماً مترفعة ومتعففة، عن التدخل في شؤون الاتحاد، بشكل وصفه بالمتفرد الذي لن يراه أبداً “على امتداد التاريخ، وعلى امتداد الجغرافيا”.
جدير بالذكر أنّ الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ومنذ تأسيسه في العام 2004، لم ينفصل عن سياسات الدوحة، وحاول احتكار الخطاب الديني في المنطقة العربية، لصالح الفهم الإخواني، وإيديولوجيا الجماعة، ممّا دفع الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء في السعودية ، في (أكتوبر) العام 2017، إلى إصدار بيان قالت فيه: “إنّه من خلال رصدنا للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، لاحظنا أنّه ينطلق من أفكار حزبية ضيقة، مقدّماً مصلحة حركته على مصلحة الإسلام والمسلمين”.
عبد السلام القصاص: أتت الضغوط الكبيرة على الريسوني من داخل الاتحاد وخارجه ثمارها، حيث فشل الريسوني في تبرير موقفه، ولم تلقَ تصريحاته التي زعم فيها أنّ ما قاله كان عفوياً أيّ قبول
وكانت دول المقاطعة العربية: السعودية، والإمارات، والبحرين، ومصر، قد أعلنت إبّان المقاطعة أنّ الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي يرأسه الداعية المصري ـ القطري يوسف القرضاوي، “كيان إرهابي”.
ويبدو إصرار الريسوني على عدم التراجع يعود إلى ذلك التناقض الحاد بين الإخوان في المغرب، وأذرع الجماعة في موريتانيا والجزائر، حيث يحاول إخوان المغرب التماهي دائماً مع أولويات المخزن (الدولة العميقة)؛ لأنّ الانحراف عن ذلك يضع بقاء التنظيم على المحك، وبالتالي يظهر الإخوان في المغرب تمسكاً قوياً بالموقف الثابت من قضية الصحراء، حتى أنّ حزب العدالة والتنمية زعم أنّه صدّق على اتفاق التطبيع مع إسرائيل، فقط من أجل مصلحة المغرب العليا في قضية الصحراء، وبالتالي فإنّ التخبط والارتباك سوف يستمر داخل الاتحاد العالمي لوجود جناح كبير يدين بالولاء للريسوني، وهو أحد أبرز رجالات القرضاوي داخل الهيئة الدينية.
المصدر: حفريات