هل سيختلف المشهد الجزائري المغربي بعد القمة؟
إن حضر العاهل المغربي إلى الجزائر فسيحسب ذلك حتما له، وإن لم يحضر وأرسل من ينوب عنه فلن يلومه أحد، لكن بغض النظر عن أن كلا الفرضيتين قد تتساويان الآن إلا أنه إن صح فعلا ما ذكرته دورية «جون افريك» الفرنسية مؤخرا، نقلا عما وصفتها بالمصادر المطلعة، من أنه «تم بناء على تعليمات من أعلى السلطات المغربية، إجراء اتصالات مع عدة دول خليجية لإبلاغها أن الملك محمد السادس سيشارك شخصيا في القمة الحادية والثلاثين للجامعة العربية، المقرر عقدها بالجزائر»،
فإن نافذة جديدة تكون قد أشرعت حينها بالفعل على مشهد ثنائي وإقليمي سيكون مختلفا جدا عما عرفه الشمال الافريقي.
والسؤال الذي لطالما طرحه كثيرون هو، هل سيأتي اليوم الذي ستستبدل فيه تلك الصور والمشاهد البائسة والتعيسة بين الجزائريين والمغاربة، بأخرى جديرة حقا بما يربط بينهما من وشائج قوية وعميقة؟ وهل ستنتهي بالفعل كل المظاهر المخزية والهجينة والخارجة تماما عن روح التاريخ، الذي جمعهما وسياق العصر الذي ينتميان إليه، والمصير المشترك الذي يجمعهما، والتي نراها بينهما باستمرار؟ لا شك في أن هناك من يئس تماما من تحقق ذلك، لكن ربما لن يكون صعبا أو مستحيلا بالمرة أن نصحو يوما على مشهد قد يبشر ببدء تغير حقيقي في علاقة الدولتين المغاربيتين.
غير أن الصور التي جرى تداولها يوم الخميس الماضي، وعلى نطاق واسع وأظهرت شبانا جزائريين ومغاربة لم يتخطوا السابعة عشرة من أعمارهم وهم يتبادلون العنف داخل ملعب رياضي اقتحمته أيضا أعداد غفيرة من الجماهير، في أعقاب انتهاء مباراة كرة قدم دارت بين الفريقين، واختارت وكالات الأنباء أن تختصرها في برقياتها بجملة واحدة قالت فيها، إن أحداثا مؤسفة جدّت في نهائي كأس العرب للناشئين بين الجزائر والمغرب، تعطي الانطباع على أن الأمر ما يزال يحتاج لمزيد من الوقت والعزيمة أيضا، فقد طرح تزامن تلك الأحداث مع ظهور تصريحين سياسيين، أكثر من نقطة استفهام، إذ إنه قبل تلك المباراة بيومين فقط خرج أمين عام الجامعة العربية أحمد ابو الغيط ليؤكد في مؤتمر صحافي، أنه تم الاتفاق وبشكل نهائي على أن تجرى القمة العربية في موعدها المقرر في الأول والثاني من نوفمبر المقبل في العاصمة الجزائرية، بعد أن سرت أخبار وتسريبات ومن أكثر من مصدر إعلامي ودبلوماسي بأن هناك عدة عوائق أو صعوبات قد تحول دون إجرائها في التاريخ المعلن عنه.
اما في اليوم الذي تلاها فقد أعلنت الخارجية المغربية عن أن وزير العدل الجزائري سيحل في الرباط في وقت لم يحدد حتى الآن ليسلم العاهل المغربي دعوة رسمية لحضور تلك القمة، ومع أنه لم يوجد هناك أي رابط موضوعي بين تلك المقابلة الرياضية وحدث سياسي مثل القمة العربية، إلا ذلك التزامن جعل المتشائمين يرون أن الآمال الضئيلة التي انتعشت، بعد تأكد إرسال مبعوث جزائري إلى المغرب حاملا دعوة لسلطاتها لحضور القمة، في أن يحصل نوع من التقارب، أو حتى المصالحة الجزائرية المغربية خلال القمة العربية، ارتطمت بجدار واقع صعب ومرير ومعقد للغاية، ومليء بكم هائل من الضغائن والأحقاد والصراعات العنيفة والدفينة بين البلدين، وهو ما ظل يقف دائما أمام أي تقارب أو تطبيع كامل وفعلي بينهما. لقد بقي يعترض سبيلهما كل مرة. فكلما أراد الجزائريون والمغاربة أن يتقدما ولو خطوات بسيطة أو محدودة أو رمزية نحو بعضهما بعضا، اصطدما بتلك الحواجز العالية والسميكة التي صنعاها بأيديهما.
ربما لن يكون صعبا أو مستحيلا بالمرة أن نصحو يوما على مشهد قد يبشر ببدء تغير حقيقي في علاقة الدولتين المغاربيتين المغرب والجزائر
وإلقاء نظرة ولو سريعة إلى الوراء سيعطي الدليل على أن صفحات تاريخهما الحديث تكاد لا تخلو تقريبا من خبر أو حدث، إن لم يكن ينطبق عليه وصف المأساوي والمرير، فإنه في أدنى الأحوال سينعت بالمؤسف والحزين وغير المقبول بتاتا بين جارين شقيقين، ما يجمعهما أكبر بكثير مما قد يفرقهما أو يقسمهما.
غير أن ما لا يسأل عنه أحد في خضم كل ذلك وبهدوء وعقلانية وحد أدنى من الموضوعية هو، ما الذي جعل الوضع يستمر على حاله، رغم تعاقب الأجيال وتغير أكثر من عامل، أو معطى داخلي وخارجي؟ هل تصرف أولئك الشبان اليافعون وقسم كبير من الجمهور الذي حضر المباراة الكروية أيضا، على ذلك النحو الجنوني والمشحون والعنيف والمتعصب، بشكل تلقائي ومنفصل عن الخلافات الحادة بين البلدين، التي ظل المسؤولون يقولون عنها دائما إنها ذات طابع سياسي بحت، وأن لا دخل للشعوب بها ولا تأثير لها فيها؟ المؤكد هو أنه ليس واردا بالمرة أن يكون ما حصل في ذلك الملعب قد تم بشكل ظرفي، أو أنه كان أمرا معزولا خارجا عن السياق العام، الذي تمر به اليوم العلاقات المهزوزة أصلا وغير الطبيعية بالمرة بين الجارين. فواهم جدا من كان يتوقع أو ينتظر العكس، أي ألا تضطرب أو تمس أو تتأثر وبشدة تلك الروابط بين الشعبين وعلى أكثر من مستوى، وأن يكون الصغار واليافعون بالذات هم وقودها وضحاياها المباشرون أيضا. فالأنظمة والحكومات لم تكن تتصارع بمعزل عنهم، ولم تكن تصفي حساباتها مع بعضها بعضا بعيدا عنهم في كوكب آخر، كما أن نتائج وآثار صراعاتها لم تكن تمس وفي الصميم أحدا آخر غير تلك الشعوب، فهي التي كانت وظلت تدفع دائما ثمنها الباهظ من قوتها وعرقها وحياتها وحياة أبنائها وحتى أحفادها. لكن السؤال هو هل إن المسؤولين الجزائريين والمغاربة سيكونون قادرين هذه المرة على إصلاح كل ما تسببوا به، والتقاط اللحظة التاريخية وعدم ترك الفرصة التي أتيحت لهم من خلال عقد القمة العربية في الجزائر تذهب سدى، ويعيدوا العلاقات بين بلديهما إلى الحد الأدنى المعقول على الأقل، أي لما كانت عليه قبل أكثر من عام من الآن؟ سيكون من المهم جدا أن يكون التمثيل المغربي في تلك القمة على أعلى مستوى سواء حضر العاهل المغربي بنفسه أم لا.
لكن هناك جانبا آخر من المسألة وهو، مدى تقبل الجزائريين للفكرة، فهل إنهم يرغبون فقط بإنجاح القمة بمجرد عقدها على أرضهم بحضور دولة سيرحبون وبالتأكيد بمشاركتها فيها، من دون أن يرغبوا في أن يتصالحوا ويعيدوا العلاقات الدبلوماسية المقطوعة معها؟ أم إنهم يتطلعون إلى تحقيق إنجاز فعلي وملموس يحسب لهم ولقمتهم في الوقت نفسه، وهو لم الشمل العربي الذي نادى به الرئيس عبد المجيد تبون في أكثر من مرة، وذلك بالبدء بأنفسهم وبالجار الأقرب لهم؟ في كل الأحوال فإن ما سيفعلونه وما سيفعله المغاربة أيضا في ذلك الاجتماع سيكون مؤشرا حقيقيا على أن صور ومشاهد الأحداث المؤسفة التي حصلت بينهم ستتكرر من جديد، أم أنها انتهت فعلا ولن تعود.
المصدر: القدس العربي