صحافي تونسي يكتب: لماذا غاب عاهل المغرب عن قمة الجزائر؟
إعلان وزير الخارجية المغربي في الحديث الذي أدلى به مساء الاثنين الماضي إلى قناة «العربية» عن عدم حضور العاهل المغربي قمة الجزائر «لاعتبارات إقليمية» طرح أكثر من سؤال. فهل كان غيابه دليلا على أن الشرخ بين الرباط وجارتها الشرقية قد تعمق وتوسع، وأن كل المحاولات والجهود التي بذلت لتقليصه والحد منه قد وصلت الآن إلى طريق مسدودة؟ أم أنه كان مؤشرا جديدا على أن المغرب قد ضاق ذرعا، ولم يعد مستعدا لأن ينتظر طويلا أن يرد الطرف الآخر على يده الممدودة بالمثل؟
في غمرة انتشاء الجزائريين بما اعتبروه نجاحا باهرا للموعد العربي الذي احتضنته بلادهم على مدى يومين، لم يكن بوسع المغاربة إلا أن يتساءلوا عما أضافته لهم قمة حملت عنوان لم الشمل، ولم يقاطعوها أو يغادروا أشغالها، رغم تحفظهم مرات، وحتى غضبهم واحتجاجهم على بعض التصرفات والمواقف التي صدرت، إما خلالها أو على هامشها من قبيل الخريطة التي نشرتها قناة الجزائر الدولية الحكومية على موقعها الإلكتروني. فقد كان واضحا في أذهانهم أنه لن يكون ممكنا لهم، وتحت أي ظرف أن يتركوا مقعدهم في المركز الدولي للمؤتمرات بالجزائر شاغرا.
لكن هل كان بوسعهم أن يقبلوا بأن يحل عاهلهم ببلد قطع العلاقات الدبلوماسية مع بلادهم، واستمر في غلق حدوده البرية معها، بل مضى أبعد من ذلك ليفرض حظرا على عبور الطائرات المغربية تحت سمائه، لأجل الحضور في القمة التي عقدت هناك؟ من المؤكد أن عدة اعتبارات قد حكمت بالنهاية وحددت بشكل أساسي مستوى التمثيل المغاربي في القمة العربية الأخيرة.
غير أنه وفي شوارع العاصمة الجزائرية التي ازدانت بأعلام الدول العربية، ورفعت في شوارعها وعلى مدى أيام عدة لافتات تقول «أهلا وسهلا بالأشقاء العرب»، لم يكن وصول أقرب جار عربي إلى الجزائر بالأمر المرحب به بشدة، أو الباعث على الارتياح بالنسبة لمضيفيه. والسبب معروف، فالعلاقات بين أكبر بلدين مغاربيين تشهد ومنذ مدة ليست بالقصيرة توترات دائمة، وتمر خصوصا منذ أكثر من عام بحالة من الانحدار الملحوظ والتصعيد غير المسبوق، لكن حتى إن لم يحصل الجزائريون على كل ما أرادوه، أو ما خططوا للحصول عليه من وراء تنظيمهم لتلك القمة، فإنهم لم يخرجوا منها من دون أي مكسب.
فمجرد انعقادها بعد فترة طويلة من عدم اليقين والشك في تنظيمها، في وقت غير وقتها المعتاد، أي شهر مارس من كل عام، وتزامن ذلك مع يوم رمزي يوافق ذكرى ثورة الأول من نوفمبر 1954 التحريرية، كان يعني بالنسبة لهم، وفي حد ذاته، الشيء الكثير، رغم كل المؤاخذات والملاحظات التي طرحها البعض، ومن بينها تخلف عدد مهم من القادة العرب ولأسباب مختلفة عن حضورها.
لكن عندما سينزل الستار اليوم الأربعاء على أشغالها وتعود الوفود إلى بلدانها، فإن واحدا من بين الأسئلة العديدة التي ستطرح نفسها في ذلك الوقت هو، ما الذي يمكن أن يعود به أكثرها إثارة لاهتمام وسائل الإعلام العربية والعالمية، أي وفد المغرب؟
من المؤكد أن من يؤمنون بلم الشمل العربي يضعون اليوم أيديهم على قلوبهم أكثر مما فعلوا من قبل
إن ما جعل ذلك السؤال مطروحا بقوة هو ليس فقط ما جرى في الجلسات العلنية، أو داخل الغرف المغلقة للقمة بين المسؤولين في البلدين، بل الظروف غير العادية التي حصلت فيها لقاءاتهم غير المباشرة. لقد بقي الجميع وإلى حدود ساعات قليلة فقط قبل بدء الاشغال على مستوى الرؤساء والملوك العرب، غير قادر على أن يحسم ما إذا كان العاهل المغربي سيحل بالعاصمة الجزائرية ليمثل بلاده في القمة، أم أنه سيوفد وزيره الأول، أو حتى وزير خارجيته لينوب عنه في ذلك.
والأحد الماضي نقل عن وزير الخارجية المغربي الناصر بوريطة، الذي مثّل المغرب في اجتماع وزراء الخارجية العرب، الذي سبق جلسة الافتتاح أمس الثلاثاء أنه صرح للصحافيين في الجزائر بأن «الملك محمد السادس سيقرر إذا ما توفرت شروط مشاركته في قمة الجزائر»، ومع أن بوريطة أبقى الأمر معلقا بظروف وعوامل لم يحددها، فإن كل الدلائل كانت تشير إلى أن الوضع لم يكن مهيئا، أو مناسبا حتى تكون تلك المشاركة ممكنة، فحتى لو كان العاهل المغربي قد تطلع بالفعل إلى القدوم بنفسه إلى الجزائر لكسر الجليد بين البلدين، ومد اليد من جديد إلى قادتها للمّ شمل البلدين، فإن ما وصفه جزء من الإعلام بالاشتباك المغربي الجزائري الذي جد في اجتماع وزراء الخارجية العرب، قد قلص إلى حد كبير من تلك الآمال وجعلها تبدو ضئيلة ومحدودة للغاية.
لقد كان الجو متوترا وباردا رغم الحرارة النسبية في العاصمة الجزائرية، وألمح وزير الخارجية المغربي بعد ساعات قليلة من وصوله إلى الجزائر إلى تعرض وفد بلاده إلى بعض التصرفات التي اعتبرها غير مقبولة، ولم يتردد في أن يقول للصحافيين إن «التلاعب بالقواعد وعدم احترام الأعراف والبروتوكولات يؤديان إلى الفشل»، أي فشل القمة قبل أن يضيف في إشارة لا تخلو من الوضوح أنه «يمكن للقمة أن تنجح إذا تجاوزنا الخلافات الجانبية، وتجاوزنا الاستفزازات التي لا حاجة إليها، وإذا تعامل البلد المضيف وفق القواعد التي تحكم القمم، سواء من الناحية البروتوكولية أو الأعراف».
ولم يكن خافيا بعد ما تسرب من تفاصيل الرحلة التي قادت وزير العدل الجزائري أواخر سبتمبر الماضي إلى المغرب والوقت القصير جدا الذي أمضاه هناك ليسلم في غياب وسائل الإعلام وزير الخارجية المغربي دعوة رسمية للملك محمد السادس، للمشاركة في القمة العربية التي تعقد في الأول والثاني من الشهر الجاري، الجزائريون كانوا يشعرون بالفعل بنوع من الحرج ولا يريدون للحضور المغربي في القمة أن يكون مفتاح مصالحة لا يزالون يرونها غير مقبولة الآن، مع من يعتبرونه إما تمليحا أو تصريحا عدوا لهم، رغم كل أواصر القربى والجغرافيا والتاريخ المشترك الذي يجمعهم به.
كما أن المسافة الطويلة التي قطعتها طائرة وزير الخارجية المغربي في طريقها إلى الجزائر، لخصت وربما إلى حد كبير قدرة الرباط على أن تنسج في ظل علاقاتها المقطوعة بجارتها القريبة، علاقات وثيقة مع عمقها الافريقي. ومع ذلك فقد بقي ترقب حدوث مفاجأة من قبيل حلول العاهل المغربي في اللحظة الأخيرة في مطار الجزائر أمرا ممكنا.
لكن هل كانت ما وصفها بوريطة بالاستفزازات وعدم احترام قواعد البروتوكول هي القشة التي قصمت ظهر البعير وأدت بالنهاية إلى إلغاء مشاركة محمد السادس في قمة الجزائر؟ إن عدم حضور عدد بارز من القادة العرب تلك القمة، والإصرار الجزائري على رفض أي محاولة لكسر الجليد مع جارتهم الغربية، كان واحدا من بين العوامل التي دفعت العاهل المغربي لأن يرفض القدوم إلى الجزائر لمجرد التقاط الصور التذكارية.
غير أن أنظار كثيرين تتطلع الآن لما سيحصل لاحقا. ومن المؤكد أن من يؤمنون بلم الشمل العربي يضعون اليوم أيديهم على قلوبهم أكثر مما فعلوا من قبل.
المصدر: القدس العربي