واشنطن “تتوسط” للسلام في الشرق الأوسط… كـ”مشعل حرائق” يرتدي زي “رجل إطفاء”
بكين وكالة الأنباء الصينية (شينخوا) “إنه لأمر في غاية الخطورة أن يأتي شخص يتملكه هوس إشعال الحرائق إلى منزلك. والأمر الأكثر فظاعة هو أن مشعل الحرائق ذاك يرتدي زي رجل الإطفاء”، هكذا قال محمد اليحيى، الباحث بمعهد هدسون الأمريكي للأبحاث، في تعليقه على سلوك الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
في الآونة الأخيرة، شنت الولايات المتحدة غارات جوية على سوريا والعراق، أسفرت عن وقوع خسائر فادحة في الأرواح. وبعدها قام وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بجولة جديدة في الشرق الأوسط شملت عددا من دول المنطقة، بزعم “التوسط” في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وقد أثبت سلوك الولايات المتحدة المتمثل في “إشعال النار تارة وإخمادها تارة أخرى”، مدى حكمة الرؤية التي طرحها الباحث محمد اليحيى.
في الفترة من 4 إلى 8 من فبراير الجاري، قام بلينكن بزيارة منطقة الشرق الأوسط مجددا، حيث كانت هذه هي المرة الخامسة التي يزور فيها دول بالمنطقة للقيام بـ”الوساطة” منذ اندلاع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الجاري.
وقبل مغادرته واشنطن، شن الجيش الأمريكي عدوانا جويا سافرا على 85 هدفا داخل سوريا والعراق، ما أسفر عن مقتل ما يقرب من 40 شخصا.
وأثناء وجود بلينكن في المنطقة، نفذ الجيش الأمريكي، يوم الأربعاء، مرة أخرى هجوما بطائرات مسيرة على بغداد.
وأدانت وزارة الخارجية السورية “هذا الانتهاك الأمريكي السافر”، معتبرة أن الولايات المتحدة “تثبت مجددا أنها المصدر الرئيسي لحالة عدم الاستقرار العالمي، وأن قواتها العسكرية تهدد الأمن والسلم الدوليين، عبر اعتداءاتها ضد الدول وشعوبها وسيادتها، وأن ما ارتكبته يصب في تأجيج الصراع في منطقة الشرق الأوسط على نحو خطير للغاية”.
كما أكدت الحكومة العراقية أن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة قد أصبح تهديدا لأمن واستقرار البلاد.
إن الوسائل العسكرية ليست هي الحل، وإساءة استخدام القوة لن تؤدي سوى إلى أزمة أكبر وتصاعد دو امة الموت. فبعد فترة وجيزة من الغارة الجوية الأمريكية التي نفذت في 2 فبراير الجاري، أعلنت جماعة “المقاومة الإسلامية في العراق” أنها هاجمت القواعد العسكرية الأمريكية في العراق وسوريا مرة أخرى، كما أعلنت “حركة النجباء” في العراق أنها لن تتوقف عن مهاجمة الجيش الأمريكي.
وعقب العدوان الجوي الأمريكي على بغداد في 7 فبراير الجاري، توجه حشد من الجمهور العراقي الغاضب إلى السفارة الأمريكية وأخذ يهتف قائلا “الانتقام…الانتقام”.
ومن جانبها، ذكرت شبكة (سي إن إن) الأمريكية أنه ينبغي على إدارة بايدن إظهار هيبتها ليس فقط من خلال شن ضربات جوية، بل، أيضا، من خلال “التأكد من أن الخصم سيتلقى الضربات دون الرد عليها بقوة”، وهذه “مسألة مستحيلة”.
على الرغم من أن الولايات المتحدة أعربت شفهيا عن رغبتها في “إطفاء نيران” الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إلا أن تصرفاتها المتمثلة في “إشعال النيران” صارت تشكل سببا رئيسيا وراء إطالة أمد الصراع. فقد قدمت الحكومة الأمريكية مساعدات عسكرية لإسرائيل، وأرسلت المزيد من القوات إلى المنطقة، واستخدمت حق النقض “الفيتو” ضد مشاريع قرارات لمجلس الأمن الدولي بشأن وقف إطلاق النار في غزة…
وأدت سلسلة من الممارسات الأمريكية إلى تصعيد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وازياد حدة المواجهة بين جميع الأطراف.
وفي اليوم الذي غادر فيه بلينكن المنطقة، اقترح أعضاء جمهوريون وديمقراطيون في مجلس الشيوخ الأمريكي مشروع قانون بشأن تمويل إضافي للأمن القومي، يتضمن تخصيص مساعدات أمنية لإسرائيل بقيمة 14.1 مليار دولار.
في الواقع تبدو عملية “إشعال النار” و”إطفاء الحريق” التي تمارسها الولايات المتحدة في آن واحد متناقضة، ولكن ليس من الصعب فهم ذلك من منظور خدمة مصلحتها الذاتية.
وسواء كان التوجه يرمي إلى “إشعال نار” أو “إطفاء حريق”، فهو ي بنى على أساس السياسة الداخلية الأمريكية.
فالحزبان الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة يواجهان صعوبة في الإفلات من قبضة جماعات الضغط الأمريكية اليهودية.
وفي هذا الصدد، قال ستيفن والت، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد، إن “الحزبين الديمقراطي والجمهوري اختارا الرضوخ لجماعات الضغط”، كما أثرت جماعات الضغط الإسرائيلية “في جوهر السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط”.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الولايات المتحدة “متحمسة للتوسط” في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في هذا الوقت تحديدا، نظرا لما أثاره موقفها تجاه هذا الصراع من استياء كبير بالفعل داخل البلاد، إذ رفعت “شعار السلام” بهدف تهدئة المطالب المتصاعدة في الداخل والخارج بوقف الحرب وكذلك إضافة ورقة مؤثرة إلى حملة انتخابات الرئاسة الأمريكية.
بدءا من نهب الموارد مرورا بإثارة الصراعات وصولا إلى عرقلة الأوضاع، اعتادت الولايات المتحدة على لعب دور مشين كـ”مشعل للحرائق” في الشرق الأوسط.
ومن الواضح أن وجود شرق أوسط مضطرب يأتي متوافقا بصورة أكبر مع الاحتياجات الإستراتيجية للولايات المتحدة مقارنة بشرق أوسط مستقر ومتطور.
على مدى عقود مضت، تستطيع شعوب دول الشرق الأوسط أن تستشعر بعمق ويستطيع المجتمع الدولي أن يرى بوضوح ما إذا كانت الولايات المتحدة قد جلبت السلام أم الاضطرابات إلى الشرق الأوسط وما إذا كانت قد أتت له بالخير أم المعاناة.
واليوم، لا تزال الولايات المتحدة متحمسة لتنظيم “عرض من عروض السلام” في الشرق الأوسط، لكن لا يوجد الكثير من الجمهور داخل المسرح.