مخاوف من سيطرة سعودية على الفن المصري
يثير الإعلان عن تعاون فني وثقافي بدأ بين مصر والسعودية أصداء متباينة في بلاد النيل التي لطالما اعتبرت مركز إشعاع الفن العربي، بين ترحيب من جهة وتحذير من "فرض سيطرة" سعودية من جهة ثانية.
وأقيم الشهر الماضي حفل غنائي بعنوان “ليالي سعودية مصرية” في دار الأوبرا المصرية في القاهرة، فيما كانت وزارة الثقافة المصرية أفادت في بيان منتصف فبراير، عن لقاء بين الوزيرة نيفين الكيلاني، ورئيس هيئة الترفيه السعودية تركي آل الشيخ “تناول سُبل دعم التعاون المشترك في عدة مجالات”.
وأضافت الوزارة في بيانها: إن هذا التعاون سيكون عبر شراكة ثلاثية بينها وبين الهيئة والشركة المتحدة المصرية للخدمات الإعلامية، التي تمتلك حصة كبيرة من وسائل الإعلام في مصر، وتنتج أعمالاً درامية، وستشمل الشراكة مجالات “المسرح والسينما والغناء”.
وتقول الناقدة الفنية المصرية البارزة ماجدة خير الله: “هناك فرق بين التعاون والتمويل، فلا بدّ من أجل التعاون أن تحصل على منتج فني أو ثقافي من الجانب الآخر مثلما ستعطيه، وهو ما لا يتوافر في الجانب السعودي”، مضيفة: “نحن نقدّم فنوننا ونجومنا وموسيقانا، وهو يقدّم التمويل”.
ومنذ تأسيسها في العام 2016، تنظّم هيئة الترفيه السعودية مواسم وفعاليات فنية وترفيهية وأحداثاً رياضية كبرى، كما دعت شركات الإنتاج العالمية لتصوير أعمالها على أرض المملكة في محاولة لجذب السياح، وتحصيل موارد من قطاع غير نفطي.
ويشارك في الفعاليات والمهرجانات الفنية في السعودية فنانون مصريون من ممثلين ومطربين وموسيقيين ومخرجين، بأعداد كبيرة.
وتعتقد خير الله أن “السعودية تريد تغيير الصورة النمطية التي عُرفت عنها تجاه الفن”.
وتقول: “نظراً لأنك لا تستطيع أن تخلق فناناً في يوم وليلة، فمن الطبيعي أن تلجأ إلى الخبرات الجاهزة”، في إشارة إلى فناني مصر.
ويرى الناقد الفني المصري محمد عبد الخالق أنه “من الطبيعي أن تقوم النهضة السعودية الفنية على أكتاف الفنانين المصريين، هذا هو دور مصر الريادي خصوصاً في الفن وسط أشقائها”.
ويوضح أن كثافة إنتاج الأعمال الفنية سواء السعودية التي يشارك بها فنانون مصريون أو الأعمال الفنية المصرية البحتة “أمر طبيعي يميّز مراحل البدايات في المملكة، خصوصاً مع توافر الإمكانات المادية، في محاولة لتوطين فنون لم تكن موجودة لديهم من قبل، بالإضافة إلى رغبة متزايدة في بناء أرشيف فني خاص”.
وكشف الشيخ خلال زيارته إلى القاهرة أن التعاون الفني بين البلدين سيشمل إقامة “ليالي غنائية سعودية في مصر، وليالي مصرية في السعودية”.
وقبل مغادرته مصر، أقيمت أولى “الليالي السعودية المصرية” على مسرح دار الأوبرا بوسط القاهرة، وأحياها الموسيقار المصري عمر خيرت، والمطربون المصريون: محمد منير، وشيرين عبد الوهاب، وريهام عبد الحكيم، والفنان العراقي ماجد المهندس.
وحضر الحفل العديد من مشاهير الإعلام والفن المصري، ومن بينهم: يسرا، وليلى علوي، وإلهام شاهين، وكريم عبد العزيز، وعمرو دياب، وأنغام.
ويبدي عبد الخالق تحفّظه على استضافة دار الأوبرا للحفل، مذكّراً بقرار وزارة الثقافة المصرية تعليق كافة الفعاليات الفنية تضامناً مع الشعب الفلسطيني في ظل الحرب في غزة.
ويقول: “ألغينا مهرجان القاهرة السينمائي ومهرجان الموسيقى العربية، فما الذي جرى؟!.. هل توقفت المجازر؟”.
في الأشهر الأخيرة، منحت السعودية جنسيتها لبعض المشاهير المصريين مثل الإعلامي البارز عمرو أديب، والممثل الكوميدي محمد هنيدي، والموسيقار هاني فرحات.
وكان الشيخ أعلن خلال زيارته إلى مصر تأسيس صندوق “بيغ تايم” لرعاية هيئة ترفيه المملكة لأفضل الأفلام العربية، وفي مقدمتها المصرية والسعودية بمبلغ مبدئي يصل إلى أربعة مليارات جنيه (81 مليون دولار).
وقال الشيخ في مقابلة صحافية في القاهرة: إن الهدف من الصندوق هو “رفع مستوى الإنتاج في العالم العربي.. وربحية مستثمري الصندوق”.
وأرجع أسباب تكثيف التعاون الفني مع مصر إلى أن “مصر بلد مليء بالمواهب والقدرات والكفاءات، والآن السعودية تعيش انتعاشة كبيرة ونقلة نوعية، ولو تكاملنا سنصبح في مكان آخر بعيد”.
وترى خير الله أن انتعاش صناعة الترفيه في السعودية سينعكس بشكل إيجابي على قطاعات فنية في مصر مثل الفرق المسرحية، التي تعيش حالة من الركود بسبب الظروف الاقتصادية، كما سيساهم في زيادة توزيع الأفلام المصرية في البلدان العربية.
وتقول: “التمويل شيء عظيم بشرط ألا تفرض على المبدع المصري أي أفكار ضد قناعاته.. سيتحوّل الأمر إلى فرض سيطرة”.