محمد الهجابي الروائي والقاص يكتب… في ذكرى رحيل رجل من عيار ثقيل: الفقيد والرفيق رشيد جبوج
أجمل اللحظات عشناها معا بفاس في فترة العمل السري وخلال طور وضع “طوليري”، شبه الشرعي، لمنظمة 23 مارس المغربية، ثم إبان مرحلة الشرعية ضمن منظمة العمل الديمقراطي الشعبي. كان الرجل وازن المقام وكبير الشأن بيننا. تعرفت إليه أول مرة من قراءة لمسرحية حول العنصرية كتبها بداية السبعينات ونشرت بصحيفة ” الاختيار” الصادرة بمراكش والتي كانت تديرها الشاعرة الفذة مليكة العاصمي رفقة ثلة من الأدباء ومنهم عبد العزيز طليمات وأحمد طليمات وعزيز بن إسماعيل رحمهم الله وطالع السعود… وغيرهم، وكنا أيامها تلاميذ ثانويات بعد، ثم تعمقت معرفتي به بجامعة محمد بن عبدالله بفاس. أتذكر يوم قدمه إلي يوسف الفهري الفاسي سنة 1975 باعتبارهما عضوي “جمعية المسرح الضاحك”.
المسرح الذي منحه من وقته الشيء الكثير، ولا سيما في إطار مسرح الهواة. ولا شك أن العديد من طلبة ظهر المهراز، من مجايليه، يتذكر استدعاءه لرموز من المسرح المغربي إلى المشاركة في أنشطة ثقافية بالحي الجامعي، ومن ذلك مثلا عقده للقاء طلابي ماتع مع المخرج والممثل نبيل لحلو على إثر عرضه لمسرحية”شاكرباكربن” بقاعة سينما أمبير بلافياط أواخر السبعينات. والكل يتذكر أيضا علاقته الحميمة مع المرحوم محمد مسكين أحد الفاعلين المسرحيين المتميزين سواء على صعيد الكتابة المسرحية أو في إطار “المسرح العمالي” بوجدة.
وأنسى لا أنسى يوم لحق بي إلى الأتوبيس سنة 1978 ليومىء لي مبتسما، دون أن يصرح، بأنه يشاركني التوجه السياسي نفسه. اشتغل الفقيد أستاذا بمدينة “المنزل” إبان فترة الخدمة المدنية بعد نيله شهادة الإجازة في علم الاجتماع عن موضوع مشترك حول “سياسة المغربة”، وبعد حين صار مكلفا بمهام في مقر الاتحاد المغربي للشغل بفاس، ومعه، وقتها، عاش تيار “الطلبة الديمقراطيون” فترة “الاحتكاك” بالطبقة العاملة، ولا سيما من حيث تنشيط مقر النقابة وإنجاح تظاهرات فاتح ماي.
وكنت ساهمت معه في المقر العمالي إياه بعرض حول “جدلية النقابي والسياسي في حركة الطبقة العاملة بالمغرب” قادما إلى فاس من سيدي سليمان حيث كنت أقضي فترة الخدمة المدنية، وما فتىء أن تولى الفقيد إدارة مقر منظمة العمل الديمقراطي الشعبي بفاس على إثر حصول المنظمة على الشرعية القانونية، وسعى إلى تنشيطه باقتدار رفقة رفيقات ورفاق أعزاء، مثلما كان له الإسهام الكبير في تأسيس فرع حركة الشبيبة الديمقراطية بفاس، واشتغل مع نخبة من أطر المنظمة في توفير شروط تنظيمية لإنجاح المؤتمر الأول للمنظمة سنة 1985. ثم ما برح أن التحق بإدارة جريدة “أنوال” فمحررا بها. وفي التسعينات انخرط بسلك موظفي وزارة الثقافة، وكان ناجحا في الاضطلاع بالمهام الموكولة إليه، وبخاصة من حيث إنجاح دورات معرض الكتاب بالدار البيضاء. مناضل فذ ورجل عمل ومثابرة. وفي كل ذلك أفلح في الجمع بين الصرامة والمرح.
كان محبا لمدينته فاس شغوفا بها وهو الذي منحها من العطاء ما لا يحصى، وبقي عاشقا لها رغم استقراره بالرباط، ولا يترك مناسبة دون أن يعود إليها في كتاباته بجريدة “أنوال” منبها إلى مشاكلها ومستعرضا لذكريات له بها (أنظر مقالا له رفقته). وقبل هذا وذاك كان معاندا بقوة وشجاعة للمرض. وظل يقاومه منذ السبعينات إلى أن توفاه الأجل المحتوم، فاللهم جدد عليه رحماتك وألهم ذويه ومحبيه الصبر والسلوان.
لترتح روحك فقيدنا سي رشيد جبوج بسلام..