الروائي والإعلامي خالد أخازي يكتب: ليلة القدر تجمعنا…. وتفرقنا…
ها نحن على أبواب ليلة القدر…
والكل منتظر أن تفتح السماء بوابتها…
ويرى ذاك النور المسافر في بهاء..
ليلقي بالدعاء والرجاء…
عله يضمن رفقة النبي والصالحين
كثير منا سيسهر حتى الفجر…
وكل أمله، أن تتلقف الملائكة دعاءه…
سيكون بيننا اللصوص وقطاع الطرق…
المنافقون والمزيفون والذئاب والضباع…
لكنهم هم أيضا يريدون حقهم من ليلة خير من ألف شهر…
علهم…يجنون مغفرة ليلة، وتواب ساعات عن ثلاثمائة وخمس وستين يوم ونيف، من قهر العباد، وأكل السحت، والتنعم في نعيم دنيا صنعوها من الجماجم والقهر والظلم…
سيكون فينا الفاسدون وقتلة الآمال…
سيكون فينا الظالمون والمرتشون…
سيكون فينا… من خربوا الوطن…
سيكون فينا من اغتنى بالسياسة والقوادة والوساطة والسمسرة والوشاية وشهادات الزور وخطف الوطن..
سيكون فينا من خان العهد ومضى…
سيكون فينا من هتك الأعراض…
من اغتصب… وسرق… وضيع الأجيال…
سيكون فينا من أكل مال اليتيم وقهر العباد…
من عذب وأباد… وما تاب ولا أناب…
وإن تاب… هل تغفر السماء… هذا الشقاء…
لله حقوق قد يتجاوز عنها…
وللعباد مظالم وحقوق لا يتجاوز عنها..
فالتوبة رد الحقوق، وترميم المصائر…
وبعض الحقوق لا ترد ولو بمال قارون…
لهذا باب السماء ليس مشرعا لكل دعاء…
ولا نزفت الأقدام، وتهاوت الأجساد من تعب الصلاة، وتباكت العيون، فالتباكي لا يعيد القتلى والمستقبل الذي تم وأده..
قريبا… ستكون ليلة القدر…
لكل جلباب وسبحة وبلغة وعطر ورجاء…
فهل للكل معبر للدعاء نحو رب السماء .
سيكون بيننا…
من أخرج مقهورا من بيته…
من حرم أجيرا من حقه…
من ترك مريضا يتعذب حتى الموت…
من غفل عن حامل حتى ماتت من مخاض عصير…
سيكون بيننا… من سمح بالموت أن يعبر طريقا برشوة قاسية…
من أضاع الحقوق مقابل العيش الرغيد…
والأسفار والصور والغفير على الباب…
وكلب من سلالة نادرة…
سيكون بيننا من يقطن سكنا باذخا شيده من عرق دام، ورماد الأحلام…
سيكون بيننا من شرد وتمرد…وعربد وتجبر..
من خاض في عرض امرأة غافلة…
من رمى القمامة أمام سكن جاره…
من فحش… ورفس… وغمط…
من غرر بفتاة تحلم بزوج ونافذة…
من أنجب ورحل مع امرأة أخرى…
من زور ودلس فغير المصائر…والأقدار..
من أسندت له المسؤولية فارتضاها، فنهب واغتنى ثم مضى…
من غنم منصب، فأحرق مركب العودة إلى حيه السابق..
سيكون بيننا…
وراء أمام طيب صوته رخيم …يظننا قديسين…
بل يعلم أن وراءه بعض القتلة والقاسطين… والأشرار من عيار ثقيل..
سفاحون ذبحوا الأمل ونحروا ناقة صالح…
جلادون اكتنزوا الثروة لبدا…يعبدون الله في رمضان والجمعة…
سيكون بيينا… ليلة القدر…
من ينعم في عيش رغد بين مزارع وضعيات وفيلات وسفريات كالأحلام…
ويمر يوميا على أجساد أنهكها البؤس…
فلا يرف له رمش…
ولا يخفق له قلب…
وليلة القدر يتسابق للحصول على الرحمة…
من يغير السيارات والسكنيات والنساء، كما يغير الجوارب…
من يمر من الطريق نفسه… حيث البؤس يمشي على قدميه…
ولا يشعر بشيء في جوانحه، ويرى والعيون منهكة بالضعف والذل والقهر، فيمضي لوليمة من خيال، ولسرير ونبيذ معتق، وراقصة تستفز فحولة معطلة…
سيكون بيننا…
من قهر عاملا حتى مات واقفا…واستنزف دم مستخدم حتى شل آماله، وأخذ هواء حياته…
سيكون بيننا من يبكي… ويصيح يا رب…
من طاب عيشه بكل جسد قابل للبيع من أجل لقمة عيش…
سيكون بيننا القمارون والخمارون وشهود الزور والمرتشون نعرفهم بين الصفوف..
سيكون بيننا من يأخذ مالنا باسم السياسة والقبيلة والفيء…
سيكون معنا وبيننا…
من يغلق باب الرجاء، لأنه سيد الخفاء… ويطمع في نافذة تفتح له من السماء، فقط لأنه سهر ليلة القدر. وأخذ زينته للمسجد، وركع مع الراكعين، وقد يبكي مما فيه من عذاب خفي…
فلا أحد ينام مع الظلم، إلا ثمالة وبقرص منوم…
سيكون بيننا… قتلة المستقل…باسم الفضيلة والوطنية…
سيكون بيننا… أكثر يجيد البكاء…
تجار المخدرات بجلابيب بيضاء وطرابيش حمراء، ونعال تبدي مقدمة القدم الزهرية…
سيكون بيننا من لا يتزاحم فجرا معنا في الحافلات…
ورغم ذلك يبكون ليلة القدر..
سيكون بيننا…
من لا ينتظر حتى الليل ليجد مقعدا في سيارة أجرة منهكة ليعود لشقاء الليل…
ورغم ذلك، سيدعو السماء أن ترمي له بمصعد العبور نحو الجنة..
سيكون بيننا من لا يقتسمون معنا أي شيء…
لا المستشفى ولا المدرسة… ولا الجنائز ولا طعم الموت في البحر…
ورغم ذلك سيصيرون منا، يتنافسون معنا على مكان في الجنة…
سيكون معنا وبيننا…من يعيد الله..
فقط ليلة القدر… ويوم الجمعة. والأعياد…
سيكون بيننا الدائن والمديون…
وكلاهما ينتظران العفو والعافية…
سيكون بيننا السجين والسجان…
وكلاهما يترقبان ملاك الفجر…
سيكون بيننا القاتل والجثة…
ووحده القاتل… يترقب نزول الملائكة…
سيكون بيننا… كل الذين خطفوا أحلامنا…
ورغم ذلك… سيحجون بأموالنا طلبا للمغفرة، ولباسهم الغالي ليلة القدر من مال الشعب…
سيكون بينا… الظلام في جلباب البكائين…
والقتلة في ثوب التائبين
والسيف الصارم مازال يقطر دمت قد نقش على نصله هذا من فضل ربي…
سيكون بيننا محتضر ودواؤه عند جار له في الصف…
سيكون بيننا معسر أثقلته الديون حتى انحنى مهانة….وفرجه عند جار له في الصف…يدعو الدعاء نفسه، متعوذا من زوال النعمة، ومن الفقر والكفر… ومن القهر والدين…
الأكف نفسها…والإمام نفسه…
والدعاء نفسه…والختم واحد…
خليط من الآمال والخيبات وراء إمام سيختم القرآن…
ولا نختم نحن مصائبنا ولا أحزاننا…
ولأن السماء ليست متاحة للخونة والقتلة والظالمين والفاسدين…
سيظل حالنا هو حالنا…
ندعو ولا يستجاب لنا…
نصلي… بلا ضياء ولا بهاء…
نتسابق على الصفوف الأمامية رياء…
ولأن فينا من يظن..
أنه كلما حج نجا وكلما اعتمر سلك، وأن ليلة القدر ستمحو صحيفة جرائمه…
سنظل حيث نحن…
نموت حردا…
ويعيش هو رغدا…
مادام بيننا عات وظالم وفاسد..
يظن أنه بدعاء القدر، سينعم براحة البال والضمير…وتذكرة نحو الجنة…
فليس من السماء غير الرحمة لا الجزاء…
هيهات… هيهات…!
فبين الله والدعاء
سقف الظلم والفساد والرشوة والغنى الفاحش من أموال المسلمين…يرده ولو كان دعاء دهر…
هيهات…. هيهات..!
فبين السماء والغفران..
سقف الاغتناء غير المشروع، وسرقة كل جدار ظلما، وكل أرض غصبا، وإجهاض كل حلم قهرا، وتغيير المصائر بجرة قلم أو نزوة مغنم…
قريبا… سنجتمع وراء إمام…
ولو تحت المطر…
فالمطلب يستحق صبر ليلة…
سنختلط وجهاء ودهماء…
سيكون بيننا من يطلب العبور المريح …
نحو الموت وكل رأسماله بحر من الدموع والأنين والموت الحزين…
سيكون بيننا… ظالم…في جبة مصلح…
ظن أن ليلة القدر، بالدعاء تمنح الغفران لكل قاتل وناهب وغاصب ومغتصب وقاسط ومعتد ومزور ومزيف وكاذب ومنافق وسياف…
لكن هيهات…..هيهات…!
فبين الغفران والسماء…
جدار من الدموع… وجثث على الرصيف…
وسقف من العري والبؤس والظلم…
والإمام… سيتلو الدعاء نفسه…
كأننا صرعى… ونحن موتى…
وسيُؤَمِنُ حتى المجرمون…
آمين… آمين…
ليظل المشهد نفسه يتكرر…
ظلم وعتو وجور وفساد وريع…
وقتل للأحلام واستنزاف للسواعد…
ودفن للشباب أحياء في معامل الرق الجديد…
وطوابير تنتظر الموت…
بوصفة عاجزة لطبيب لا يملك غير مكتبه…
وشوارع مخيفة…
حيث نهرب من بعضنا البعض قبل الغروب…
وقروض تقتات من العمر… والدائن معنا سهر ليلة القدر وتباكى…
هل يستجيب الله الدعاء…؟
حين يكون وراء الإمام…
القاتل والجثة…؟