اقتصادالرئسيةحوارات

الكراوي يجيب على 5 أسئلة يشرح من خلالها علاقة الذكاء الاقتصادي والثقافي ومساهمته بنجاح المقاولات

خص رئيس الجامعة المفتوحة بالداخلة، إدريس الكراوي، وكالة المغرب العربي للأنباء بحوار على هامش مشاركته في الدورة الـ29 للمعرض الدولي للنشر والكتاب، ضمنه رؤية خبير حول العلاقة بين الذكاء الاقتصادي والذكاء الثقافي، وتأثير هذا الأخير على عالم المقاولة والأعمال، وأثره على نجاح استراتيجيات التوسع الدولي للمقاولات المغربية في إفريقيا.

1 – كيف يمكنكم شرح العلاقة بين الذكاء الاقتصادي والذكاء الثقافي؟

الذكاء الاقتصادي هو أولا منظومة بيئية تقوم على البحث وجمع وتنظيم وتحليل المعلومات المفيدة لأغراض استراتيجية وعملية لبلوغ هدف تسعى إليه منظمة معينة (مالية أو غير مالية)، أو جماعة ترابية، أو جامعة، أو مركز للبحث، أو منظمة سوسيوـمهنية، أو أي إطار حكومي وغير حكومي آخر ، سواء كان خاصا أو عموميا على المستوى المحلي أو القاري أو الدولي لتحقيق هدف محدد في خارطة طريق أو مخطط عمله.

لذلك، فإن هذه المعلومة مفيدة اليوم ليس فقط للمقاولات. بل إن مجالات كالرياضة والثقافة والاستشراف وأي مجال آخر من مجالات النشاط البشري بدأت في الاهتمام بممارسات الذكاء الاقتصادي.

اليوم، بدأ المجال الثقافي، باعتباره رافعة للتنمية وأفقا للاستثمار ، يهتم بالممارسات الجيدة للذكاء الاقتصادي، بهدف مواكبة النهوض بالصناعات الثقافية والإبداعية ومواكبة ديناميكية الاستثمار في كافة المجالات ذات الصلة بالثقافة سواء الفنون والتراث، والموسيقى، والمسرح، والسينما، والصناعة التقليدية، وغيرها من الأبعاد المرتبطة بتلبية الاحتياجات الثقافية، بما فيها البعد الروحي والثقافي (مثل تدبير أماكن العبادة وتسيير الأنشطة الاقتصادية خلال الأعياد الدينية وشهر رمضان الخ).

تعلمون أن هذه مراحل الحياة في المجتمع التي تتقاطع ثقافياً مع الأبعاد الحضارية للمجتمع. وبالتالي، تتميز بأنماط محددة من إشباع الحاجات التي تتطلب من الدولة ولكن أيضاً من جانب المقاولات والمستهلكين ممارسات الذكاء الاقتصادي للوصول إلى هدف تلبية الانتظارات ومساعي كافة الفاعلين، وهو ما يمكن تسميته بسوق “المقدس”. وبهذا المعنى توجد صلة بين الذكاء الاقتصادي والذكاء الثقافي.

وعلى سبيل المثال، كان المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي قد كشف أن ثروة المغرب ما بين 1999 و2013 تحققت بفضل المساهمة الكبيرة لرأسمال اللامادي بنسبة تفوق 76,2 في المائة.

لهذا، فإن مستقبل النموذج التنموي الجديد يمر أيضا وسيمر بالضرورة على قدرة بلدنا على تثمين أفضل لرأس ماله اللامادي وضمنه رأس المال الثقافي. من هنا تأتي أهمية الذكاء الثقافي كمقاربة وأداة وآلية من شأنها تحسين استخدام رأسمال اللامادي لدينا، ورسم المسالك لتحسين جودة الاستثمارات في المجال الثقافي في كافة أبعاده.

يعد المعرض الدولي للنشر والكتاب تعبيرا دقيقا عما يمكن القيام به بالذكاء الثقافي لتثمين أفضل للكتاب والفنون بشكل عام والأنشطة الإبداعية الأخرى. إننا في قلب مسألة أساسية، خلق الثروة، والنهوض بالتشغيل، مع الحفاظ على الابعاد الحضارية والثقافية التي تصنع هوية بلد ما على غرار المغرب.

2ـ إلى أي مدى يساهم الذكاء الثقافي في نجاح المقاولات المغربية بإفريقيا؟

هناك مستويان من تقدير الثقافة في علاقاتها بالمقاولة. وبلادنا في صلاتها بالبلدان الشقيقة والصديقة بالقارة الإفريقية، تعي جيدا الدور الذي ينبغي أن تلعبه الثقافة في تهيئة المناخ العام المتسم بالخصوصيات الثقافية الذي ستتأسس فيه هذه المقاولات.

تجد الثقافة بالنسبة للشركات المغربية أرضية مهيأة تاريخيا. وفي الواقع، نتقاسم نفس التراث الحضاري مثل جميع البلدان الإفريقية بفضل علاقات بلادنا العريقة معها.

إن تقاليدنا العريقة في التبادل كعراقة الدولة المغربية، أي أزيد من 12 قرنا، تكرس إيمان بلادنا بهذه القاعدة المشتركة من القيم والممارسات الثقافية التي نتقاسمها مع الشعوب الإفريقية.

لذلك، فإن المقاولات المغربية في تعايش تام مع البيئات الإفريقية التي تتواجد فيها، مما يساهم في نجاحها في جميع مجالات الحياة الاقتصادية، سواء الاتصالات، والتعدين، والفلاحة، والتكوين، والتعليم، والصناعات الدوائية، والمجال الرقمي، إلخ.

تجد المقاولات المغربية توازنا وانسجاما ذكيا بين سلوكها الاستثماري والبيئة التي تعمل فيها.

وبفضل هذه الخصوصية الثقافية وهذا العمق التاريخي، تنجح المقاولات المغربية في إنتاج عوامل إيجابية تتميز بها، وفي تقوية قبول مقارباتها ومشاريعها، وفي ترسيخ وجودها بشكل فعال فوق التراب الإفريقي.

3ـ ما هي الوسائل التي يمكن توظيفها لتعزيز الذكاء الثقافي لدى رواد وأرباب المقاولات المغاربة؟

يجب علينا النهوض بثقافة الذكاء الاقتصادي والذكاء الثقافي لدى المقاولات المغربية. ويمر ذلك عبر رفع مستوى الوعي، والمعلومة، والتكوين، وتنظيم الفاعلين الاقتصاديين حول أهمية الذكاء الثقافي كمدخل لاستثمار متلائم ومناسب للسياقات الترابية التي لها تاريخها الخاص وخصوصيتها الحضارية والثقافية والتراثية والرمزية والروحية.

لدينا كل شيء لننجح في إضفاء هذا الطابع اللامادي على الاستثمار المادي لإيجاد توازن بين المكونات الثلاثة لثروة الأمة، يعني رأس المال الطبيعي، ورأس المال المنتج، ورأس المال اللامادي في رأس المال الثقافي. إنها أبعاد حاسمة، لأنه بفضل الذكاء الثقافي يمكننا إعطاء معنى أفضل للوجود بالتوفيق بين المستوى والنوع ومعنى التنمية.

ومن ثم، فإن الثقافة تحضر العقول وتحول العقليات بحيث تتكيف مع أشكال مختلفة من العقلانية الاقتصادية والمالية. وهذا البعد هو الذي يسمح للمستثمرين إما بالنجاح في مجالات معينة أو بالفشل.

إن خصوصية المقاولات المغربية وثقافتنا الوطنية تمكننا من إنتاج عوامل تمييز إيجابية وترجيح قبول المبادرات والمشاريع المقترحة. وبفضل هذا العمق التاريخي، نجح رواد الأعمال المغاربة في ترسيخ أقدامهم بشكل فعال على الأراضي الإفريقية.

4ـ كيف يؤثر الذكاء الثقافي على المفاوضات التدبيرية وصنع القرار الاستراتيجي؟

لا يمكنك ممارسة التجارة مع شخص ما، أو التفاوض، أو بناء علاقات اقتصادية مع مجال ترابي أو مجتمع إذا كنت لا تفهم العقلية والبيئة الثقافية التي يؤمن بها شريكك ويعمل بها.

إن أساس أي فعل اقتصادي هو قبل كل شيء الرغبة والحاجة، اللتان تمليهما أبعاد لامادية مرتبطة بتصور المستهلك للمنتوج الذي تقدمه له. وكل ذلك تدعمه قاعدة من القيم والمحددات الحضارية والثقافية والروحية. وهذه البيئة هي التي تجمع الظروف التي تسمح للمستثمر بالنجاح وتحقيق ذاته وتوسيع إمكانياته.

5ـ كيف ستكون مساهمة المركز الدولي للبحث والتكوين في مجال الذكاء الاقتصادي والذي يوجد مقره بالداخلة؟

إنه من حسن الحظ أنه تم اليوم التوقيع على المذكرة المؤسسة لإنشاء المركز بين ثلاث منظمات مهمة في المجال، وهي الاتحاد الاستراتيجي لمحترفي الذكاء الاقتصادي ومقره الولايات المتحدة، والجمعية الدولية الفرانكفونية للذكاء الاقتصادي (مقرها بباريس)، ومنتدى الجمعيات الإفريقية للذكاء الاقتصادي (مقره بالداخلة).

وقد قررت هذه المؤسسات الثلاث، التي تعد رائدة في مجال الذكاء الاقتصادي عالميا، أن تجعل من الداخلة مقرا لمركز هو الأول من نوعه على المستوى الدولي، يعمل على تعبئة الذكاء الجماعي لأفضل المنظمات العالمية والقارية في هذا المجال.

ويتمثل الطموح في جعل هذا المركز ، انطلاقا من الداخلة، قطبا عالميا للتميز يكون في خدمة إفريقيا وبقية العالم. وستجعل من بلادنا أرضا رائدة لدعم الطموحات الكبيرة لقارتنا، بما في ذلك هذا البعد الأطلسي الذي أطلقه صاحب الجلالة الملك محمد السادس.

وسيكون هذا المركز مهتما بالمجالات الجديدة للذكاء الاقتصادي، ضمنها الذكاء الثقافي. وهذا سيسمح بمواصلة تعميق كافة القضايا المرتبطة بالذكاء الثقافي في علاقاته بالذكاء الاقتصادي، واستكشاف كل إمكانيات الشراكة في خدمة بلادنا وقارتنا للنهوض بأفضل ممارسات الذكاء الاقتصادي بجميع أبعادها. ضمنها البعد الثقافي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى