ما سيناريوهات المشهد السياسي الفرنسي بعد جولة الانتخابات الأولى؟
أ ف ب/ تستعرض خبيرة الدستور من جامعة روان آن شارلين بيزينا، لوكالة فرانس برس، السيناريوهات المحتملة لما بعد الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية الفرنسية، ما بين غالبية مطلقة وحكومة أقلية وحكومة خبراء، فيما يبقى السؤال مطروحا عمّن سيكون رئيس الوزراء المقبل ومتى سيتولّى مهامّه.
ثمة أمران واضحان. لن يكون بالإمكان في أي من الأحوال حل الجمعية الوطنية بتشكيلتها التي ستظهر في السابع من يوليوز، قبل التاسع من يونيو 2025، حتى في حال جرت انتخابات رئاسية جديدة. ومن جهة أخرى، لا يمكن للبلاد أن تجد نفسها بدون حكومة عملا بمبدأ استمرارية الدولة. عدا ذلك، ثمة عدة سيناريوهات محتملة.
أولا، سيناريو غالبية مطلقة (289 نائبا على الأقل) للتجمع الوطني (يمين متطرف). تغير الوضع حسابيا على ضوء الانسحابات الكثيرة، لكن معرفة بأي نسبة سيتبع الناخبون “الجبهة الجمهورية” عند الإدلاء بأصواتهم يبقى أمرا في غاية الصعوبة.
وثمة خيار آخر هو غالبية نسبية للتجمع الوطني:
– مريحة (حوالى 270 مقعدا)، ما قد يسمح لجوردان بارديلا (رئيس الحزب) بالبحث عن دعم في صفوف الجمهوريين (يمين) وأن يصبح رئيسا للوزراء من غير أن يخشى أن تطيح بحكومته مذكرة بحجب الثقة في الجمعية.
– محدودة (حوالى 250 مقعدا)، وهو سيناريو عرفته مؤخرا إليزابيت بورن (رئيسة الوزراء المنبثقة عن الغالبية النسبية الرئاسية بين 2022 ومطلع 2024).
– ضعيفة (حوالى 220 مقعدا) مع شرعية تكاد تكون مماثلة لأحزاب المعارضة التي سيتكون حجمها قريبا من التجمع الوطني”.
لا تفرض المادة الثامنة من الدستور أي شيء على رئيس الجمهورية، ولا سيما في ما يتعلق بمهلة لتعيين رئيس الحكومة.
وفي حال الغالبية المطلقة، قد يقبل جوردان بارديلا منصب رئيس الوزراء فقط بعد الاستحقاق الحاسم المتعلق بدورة باريس للألعاب الأولمبية (بين 26 يوليوز و11 غشت).
في المقابل، أكد أنه في حال لم يكن حزبه قريبا جدا من 289 مقعدا، سيختار عدم تولي رئاسة الحكومة، ما سيشكل سابقة في الجمهورية الخامسة.
هل يمكن أن يبدل رأيه حتى لا يثير استياء ناخبيه، فيشكل حكومة وينتظر أن تسقطها مذكرة بحجب الثقة ليثبت بذلك للناخبين أنه يتم منعه من التحرك رغم عزمه على ذلك؟
في حال أعلن رفضه، وهو الاحتمال الأكثر ترجيحا، سيتعين عندها البحث عن شخصية أخرى لتولي منصب رئيس الوزراء.
انا أستبعد أن يبقى غابريال أتال (رئيس الوزراء الحالي) في رئاسة الحكومة بعد الفشل في الانتخابات الأوروبية والنتائج السيئة المتوقعة في الانتخابات التشريعية. وقد يقدم استقالته عملا بالتقليد الجمهوري اعتبارا من مساء السابع من يوليوز.
لكن إيمانويل ماكرون غير ملزم بقبولها على الفور، وقد ينتظر انقضاء دورة الألعاب الأولمبية. في العام 2022، مضى شهر تقريبا بين استقالة جان كاستيكس ووصول إليزابيت بورن.
إذا رفض جوردان بارديلا رئاسة الحكومة، ثمة احتمالان:
قيام حكومة وحدة وطنية تجمع المعسكر الماكروني وقسما من الجبهة الشعبية الجديدة (تحالف أحزاب اليسار) واليمين الجمهوري.
هذا السيناريو يبدو معقدا. فهذا الائتلاف المتنافر الذي سيتشكل بدون فرنسا الأبية (يسار راديكالي، أحد أبرز مكو نات الجبهة الشعبية الجديدة لكنه مرفوض من التكتل الوسطي ويرفض هو نفسه الدخول في ائتلاف مع الماكرونيين)، لن يكون مسلحا بما يكفي للصمود بوجه مذكرة حجب ثقة.
ثم من الصعب لشخصيات على هذا القدر من التناقض مثل الجمهوري أوليفييه مارليكس والبيئية ساندرين روسو، أن تتفق ولو على برنامج بالحد الأدنى.
وأمثلة الائتلافات لدى الجيران الأوروبيين (ألمانيا وإيطاليا وبلجيكا وهولندا والبرتغال وغيرها) خادعة. فمعظم الانتخابات التشريعية في هذه الدول تجري بالاقتراع النسبي الذي يسمح بالتعبير بصورة أفضل عن إرادة الناخبين. نحن في فرنسا في وضع مختلف تماما، لدينا اقتراع بالأكثرية بدورتين، وهو نظام يغربل ولا يشجع التوافق.
وثمة فرضية أخرى هي تشكيل حكومة خبراء تستمر حتى الانتخابات التشريعية المقبلة، وتلتزم مختلف القوى السياسية عدم الإطاحة بها. خبراء (خبراء اقتصاد وموظفون كبار ودبلوماسيون…) يكونون بدورهم تحت سلطة شخصية موضع إجماع في ماتينيون. والهدف هو طمأنة المستثمرين والأسواق المالية وشركائنا.
ويقتصر مجال عمل (مثل هذه الحكومة) على الحد الأدنى الضروري حصرا: دفع رواتب موظفي الدولة وتخصيص الموارد الضرورية للإدارات وجمع الأموال حتى تتمكن فرنسا من تمويل نفسها…
في إيطاليا مثلا، تم تشكيل حكومتي “خبراء” برئاسة ماريو مونتي (2011-2013) وماريو دراغي (2021-2022) لمحاولة خفض المستوى الحرج للدين الإيطالي. وبعد ذلك وصلت جورجيا ميلوني إلى السلطة…”