في خطوة تصعيدية لافتة، تقدمت الأمانة العامة للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان ومحاربة الفساد بشكوى رسمية إلى الديوان الملكي ضد وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، متهمة إياه بمحاولة تقليص دور جمعيات حماية المال العام ومنظمات المجتمع المدني في ملاحقة الفساد وتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
و تأتي هذه الشكوى في أعقاب تقديم الوزير وهبي لمجموعة من التعديلات المثيرة للجدل ضمن مشروع قانون المسطرة الجنائية الجديد، وهو القانون الذي يعيد تشكيل ملامح العدالة الجنائية في المغرب بعد مرور أكثر من عقدين على إصدار القانون الأصلي، و من بين أكثر التعديلات إثارة للجدل، تلك التي تمنع جمعيات حماية المال العام من تقديم شكاوى قضائية ضد رؤساء الجماعات وموظفي الدولة، وهو ما تعتبره الأمانة العامة للمنظمة محاولة لتفريغ مفهوم الحكامة الجيدة من محتواه.
هذا وقد وافقت الحكومة على مشروع القانون هذا خلال اجتماعها الأسبوعي الأخير، حيث يشمل المشروع نحو 420 تعديلًا، مما جعله موضوعًا شائكًا على طاولة النقاش العام، ومن المتوقع أن يثير هذا المشروع موجة من المعارضة، لا سيما في الأوساط الحقوقية التي ترى في هذه التعديلات تهديدًا لجهود محاربة الفساد والرشوة، وتراجعًا عن المقتضيات الدستورية والقانونية التي تمنح للمجتمع المدني دورًا أساسيًا في تخليق الحياة العامة.
وفي خضم هذه التطورات، عبرت المنظمات الحقوقية عن مخاوفها من أن تسهم هذه التعديلات في تكريس الفساد وإضعاف الرقابة على المسؤولين العمومين.
وتأتي هذه المخاوف في وقت تعيش فيه البلاد على وقع تحولات سياسية واقتصادية تتطلب تعزيز الثقة في المؤسسات وتحقيق الشفافية.
من جهته، وصف مصطفى بايتاس، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان والناطق الرسمي باسم الحكومة، مشروع قانون المسطرة الجنائية بأنه قانون معياري يعكس إرادة المملكة القوية، سواء من قبل الملك أو الحكومة، في تعزيز مبادئ حقوق الإنسان وتكريس دولة القانون.
غير أن هذا التوصيف الحكومي لم ينجح في تهدئة المخاوف المنتشرة بين النشطاء الحقوقيين والمدافعين عن دور المجتمع المدني، حيث يرون في هذه التعديلات خطرًا على المكتسبات التي حققتها البلاد في مجال حقوق الإنسان والحكامة الجيدة، ويخشون من أن تصبح هذه التعديلات أداة لتفريغ مؤسسات المجتمع المدني من قوتها وتأثيرها.
جدير بالذكر، أن النقاش حول مشروع قانون المسطرة الجنائية يعكس صراعًا أعمق حول طبيعة الإصلاحات التي تحتاجها البلاد، ومدى التوازن المطلوب بين تعزيز سيادة القانون وبين ضمان مشاركة فعالة للمجتمع المدني في مراقبة عمل المؤسسات ومحاربة الفساد، ويتخد هذا الصراع أبعادًا دستورية وقانونية، كما أنه، يضع الحكومة في مواجهة مباشرة مع قوى المجتمع المدني، ويشكل اختبارًا حقيقيًا لمدى التزام المغرب بمبادئ الشفافية والعدالة.
يشار في هذا الصدد، أن وزير العدل عبداللطيف وهبي سبق له وأن أطلق وعيدا يتم بموجبه حرمان جمعيات حماية المال العام من وضع شكايات ضد المنتخبين وشخصيات تمارس مهام عمومية بتهم تتعلق بالفساد ونهب المال العام، وجعلها حصرية في وزارة الداخلية والمجلس الأعلى للحسابات ومفتشي الضرائب وهيئة مراقبة الرشوة، وكان ربط ذلك بأن الذي من حقه هو من يمتلك ذلك المال وهو وزير الداخلية، وبأنه لا حق لأحد لوضع شكايات إلا إذا كان مصدر المال من عنده، قافزا على أن الأمر يتعلق بمال عام مال كافة المغاربة.
يشار أيضا بهذا الخصوص، ان المادة الثالثة من مشروع قانون المسطرة الجنائية الذي صادقت عليه الحكومة، تشير بأنه “لا يمكن اجراء الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية في شأن الجرائم الماسة بالمال العام، إلا بطلب من الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة بناء على إحالة من المجلس الأعلى للحسابات، أو بناء على طلب مشفوع بتقرير من المفتشية العامة للمالية أو المفتشية العامة للإدارة الترابية أو المفتشيات العامة للوزارات أو من الإدارات المعنية، أو بناء على إحالة من الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها أو كل هيئة يمنحها القانون صراحة ذلك، وهو ما تعتبره جمعيات من المجتمع المدني ومنها الجمعية المغربية لحماية المال العام، والتي اعتبرته يعني عمليا تطبيق الوعد الذي كان تحدث فيه وزير العدل عن منع جمعيات المجتمع المدني من إقامة دعاوى ضد المفسدين وسراق المال العام.
هدا، وكان وهبي، يوم الثلاثاء 19 أبريل من السنة الجارية؛ في معرض جوابه على أسئلة المستشارين خلال جلسة الأسئلة الشفوية، قال: أن تعديلات ستلحق قانون مشروع المسطرة الجنائية، ستتضمن منع جمعيات حماية المال العام من مقاضاة رؤساء الجماعات، موضحا أن وزارة الداخلية هي المعنية بالمراقبة لا الجمعيات، معتبرا أن هذا التعديل سيقطع الطريق أمام مجموعة من الابتزازات.
و في هدا اليوم عبر الوزير عن رفضه تدخل جمعيات حماية المال العام لرفع الدعاوى القضائية بخصوص تجاوزات مالية، معتبرا أن الأمر تشوبه اختلالات عديدة، مشددا على أن المسؤول على حماية المال العام هو وزير الداخلية فقط.