“كرونيك “السينما، عشقي!” للمخرج السينمائي إدريس اشويكة… فيلم “عسل”، جمالية شاعرية وتأملية
يعد فيلم “عسل” للمخرج سميح كابلانوغلو، وهو جزء من “ثلاثية يوسف”، والذي عرض سنة 2010 وحاز على جائزة الدب الذهبي المرموقة في مهرجان برلين السينمائي في نفس السنة، أحد أكثر الأفلام تمثيلاً للسينما التركية خلال العقود الأولى من القرن الحادي والعشرين.
إنه عمل سينمائي مصاغ برقة كبيرة يقدم حكاية شاعرية وتأملية لصبي صغير اسمه يوسف يعيش في قرية صغيرة نائية في تركيا.
و من خلال الحياة اليومية لهذه الشخصية، يتناول المخرج موضوعات كونية مثل العلاقة بين الإنسان والطبيعة، والبحث عن الهوية، والبحث عن الذات.
قصة الفيلم بسيطة. فيوسف صبي يبلغ من العمر ست سنوات يعيش مع والديه في قرية نائية في الأناضول. بالنسبة لهذا الطفل الصغير، فالغابة المحيطة مكانًا مفعما بالغموض والمغامرة، حيث يحب مرافقة والده مربي النحل. فهو يراقبه بإعجاب وهو يقوم بتثبيت خلايا النحل ويجني العسل من أعلى الأشجار الشامخة.
ومع تزايد ندرة النحل، يجد المربي نفسه مجبرًا على التوغل أكثر داخل الغابة. لكن غيبته تطول، وبالنسبة ليوسف الصغير يصبح العالم موحشا وغير صالح للعيش.
تدور أحداث الفيلم بطريقة بطيئة وتأملية، وتدعو المشاهدين إلى التعمق في حميمية حياة يوسف. هيكلة الفيلم السردية بسيطة ولكنها فعالة، وتركز بشكل أساسي على الشخصية الرئيسية وتطور مسارها طوال الحكاية.
وتتمحور أحداث الفيلم حول العلاقة المعقدة بين يوسف ووالده، بالإضافة إلى سعي الصبي الصغير للعثور على طريقه في بيئة ريفية معزولة. يستخدم المخرج لقطات متوالية طويلة ومشاهد صامتة ليغمر الجمهور داخل العالم الشاعري للفيلم، مما يعزز الجو التأملي الذي ينبعث من العمل.
جمالية شاعرية وتأملية
إن الأسلوب البصري لهذا الفيلم، المتميز بجماله وبساطته، يرتكز على منهج جمالي شاعري وتأملي. ويستخدم سميح كابلانوغلو أيضًا لوحة ألوان دافئة وطبيعية لالتقاط الجمال البري للريف التركي، وتسليط الضوء على العلاقة الوثيقة بين الإنسان وبيئته الطبيعية.
وتعزز المناظر الطبيعية الخلابة والضوء الطبيعي الذي اختاره المخرج أجواء الفيلم الشبيهة بالحلم، مما يعطي الانطباع بأن الزمن توقف في هذه الزاوية النائية من تركيا. بالإضافة إلى ذلك، فضل المخرج اللقطات المقربة على وجه يوسف المعبّر، مما يتيح للمشاهد الشعور بكل عاطفية وعمق الشخصية.
يعزز هذا النهج البصري الحميم الارتباط العاطفي بين الجمهور والشخصية، مما يخلق تجربة غامرة وحسية فريدة من نوعها.ولتعزيز هذه الجمالية السينمائية، قام سميح كابلانوغلو باستعمال مجموعة كاملة من الرموز خلال مسار الفيلم، وبالتالي إثراء معناه العميق. ومن أقوى الرموز في الفيلم هو رمز العسل الذي يمثل حلاوة الحياة والعلاقة التكافلية بين الإنسان والطبيعة. فالعسل يصبح رمزًا للشفاء والمصالحة والتحول بالنسبة ليوسف، مما يسمح له بالعثور على طريقه والتواصل مع بيئته. بالإضافة إلى ذلك، يستخدم المخرج رمزية الحلم والطبيعة لاستكشاف موضوعات الروحانية والتحول والبحث عن المعنى في عالم متغير باستمرار.
خصوصية كونية
مع التزامه بالخصوصية المحلية في أرقى التقاليد التركية، يتناول المخرج بمهارة وشاعرية العديد من الموضوعات الكونية التي يتردد صداها بعمق مع جماهير مختلفة حول العالم. العلاقة بين الإنسان والطبيعة، الحاضرة بقوة في قلب الحكاية، تؤكد أهمية الحفاظ على بيئتنا الطبيعية والعيش في وئام معها. بالإضافة إلى ذلك، يستكشف الفيلم رحلة البحث عن هوية يوسف، وهو طفل يبحث عن نفسه ومكانته في العالم. إن البحث عن المعنى والروحانية والعلاقة بين الأب والابن يقع أيضًا في قلب الاهتمامات الإنسانية لمخرج الفيلم.
ويتم التعامل معهم بحساسية وعمق من قبل كابلانوغلو.وهكذا فإن فيلم «عسل» للمخرج سميح كابلانوغلو هو عمل سينمائي تأملي وشاعري يدعو المشاهد إلى التأمل في موضوعات أساسية تتعلق بالحالة الإنسانية. ومن خلال أسلوبه البصري الفريد والرموز القوية والموضوعات الكونية، يتمكن المخرج من خلق تجربة حسية وعاطفية عميقة، مما يسمح بالتفكير العميق في العلاقة بين الإنسان والطبيعة. إنه فيلم ذو جمال بصري رائع وعمق روحي حساس للغاية، يثريه منهج شاعري في غاية الدقة.
فيلموغرافيا سميح كابلانوغلو (الأفلام الطويلة)
« Loin de la maison » (2001) ; « La chute de l’ange » (2005) ; « Oeufs » (2007) ; « Lait » (2008) ; « Miel » (2010) ; « Grain » (2017) ; « Engagement » (2019) ; « Engagement Hasan » (2021).