في مديح المقاومة
المقاومة مقاومات، وهي درجات، ومراتب، ومقاومة الاحتلال أجلُّها، وأسماها.
ولمقاومة الاحتلال ساحات، وعلى رأسها المقاومة في الميدان، لأن الأرض المحتلة لا تعود بأضعف الإيمان، بل بالشوكة، ولأن الحرية لا تُؤخذ بالتوسُّل والتسوُّل، بل بالحزم والعزم والقوة.
المقاوم إنسان إستثنائي، سبق لي أن وصفته ب “الإنسان الكامل”. لا حساب للذات لديه، “وما هذه الحياة الدنيا” عنده “إلا لهو ولعب”.
المقاوم “يحمل دمه على كفه، ويحمل كفنه على كتفه”، لا مال يُغْريه، ولا سلطة تستهويه، ولا جاه يشغل هواه. هو في هذا صادق، والشهادة التي هي نيته، وقدره خير شاهد على صدقه، وحسن طويته.
هو يدرك أنه ماضٍ لا محالة نحو “مصيبة الموت”، وأنها قد تصيبه في أية لحظة، فيقع منه السلاح. لكنه يدرك أيضاً، عن وعي خارق، أن الطريق لا ينتهي بنهايته، وأن التاريخ لن يتوقف عند شهادته، وأنه لا يجترح فعل المقاومة عبثاً، وسُدىً.
لا يخفى على المقاوم أين يميل ميزان القوة، عقله لا يحجب عنه الفارق من حيث المقدرات. بالنظر إلى العقل، وبمقياس الواقعية، المقاومة مجازفة، سوء تقدير، ضرب من الذهول، وارتماء في المجهول. بالمقياس عينه، وبالنظر ذاته يعلم المقاوم أن ميزان الإرادة يعدل ميزان القوة، وأن صولاته وجوْلاته هي كالمطر أينما وقعت نفعت، وأن النصر لا يكتمل إلا عند احتساب إجمالي “النقط”. يأْلم المقاوم أكثر مما يألم الاحتلال. خسائره أفدح، وضغطها أشد وأمضُّ من ضغط الاحتلال، غير أن ما يحثُّه على الصبر، ويمده بالطاقة هو إيمانُه بأن الاحتلال زائل، وأن من يأْلم أخيراً يأْلم كثيراً.
المقاومة لا تكون لذاتها، بل للتصدي للاحتلال. وجودُها المشروع يُسوِّغ له وُجودُه اللامشروع. وإذا زال الاحتلال انتفى، بالنتيجة، شرط المقاومة.
للمقاومة ساحات أخرى سياسية، واقتصادية، وإعلامية، وثقافية، ونفسية. الاحتلال مُرابطٌ في كل هذه الساحات، بلا استثناء. لكنه يضع الساحة النفسية في أعلى المراتب. ولأن المقاوم يدري جيداً أن الهزيمة تبدأ بهزيمة النفس، والوعي، والإرادة، فإنه لا يترك لها مساحة بين حدّين، النصر، أو الاستشهاد.