ميديا وإعلام…الحرّية للصحافيين والسّجن للصحافة
اعتبرت الصحافية والمهتمة بحقوق الإنسان من المغرب عائشة بلحاج، بأن حدث الإفراج بعفو عن الصّحافيين: “توفيق بوعشرين”، و”سليمان الريسوني”، و”عمر الراضي” بأنه تطورا أحيا موجة تفاؤل بانفراج حقوقي يتطلع إليه المغاربة، “لكسر سنوات التّضييقات الحقوقية، التي لم تستطع حتى موجات الإضراب عن الطعام المتتالية، التي خاضها الصحافيون، التخفيف من وطأتها.. خاصة إضرابات “سليمان الريسوني” عن الطعام، التي بلغ أطولها مدة 122 يوماً”.
جاء دلك على موقع صحيفة السفير العربي، في مقال تحت عنوان، “الحرية للصحافيين والسجن للصحافة”، حيث أكدت في أن الصحافيين الثلاثة الأشهر الذين أُفرج عنهم، زد بهم في السّجن بتهم جنسية، وليس بتهم تمس بحرّية الصّحافة أو الرأي كما هو الواقع، معتبرة هدا الأمر يدخل ضمن استراتيجية مباشِرة إلى درجة تثير السخرية، غير أنها أيضاً لئيمة إلى درجة أنه من الصّعب محو الشكوك لدى عامة الناس. فلا أحد يتدخل في تهم اغتصاب، وهذه تهمة الثلاثة، بينما التهمة الحقيقية هي الصحافة، على حد تعبيرها.
أكدت كاتبة المقالة، أن الجميع لام “توفيق بوعشرين” على استعمال مهنته ومكتبه في علاقاته، واستغلال منصبه لاستدراج شابات طموحات، وهذا أمر يفعله كثيرون وينجون به، لكن ليس من اقتحم منطقة “اللعب مع الكبار”، “وأثار حفيظة بعضهم. وكانت تلك النافذة التي دخلت منها العاصفة، التي اقتلعت الأخضر واليابس في حياته، وجلبت له تهم اغتصاب واستغلال جنسي”، وفي مضمار ه\ه القضية تضيف المتحدثة داتها، . أن بعض النساء المفترض أنهن ضحاياه، صرحن بتعرضهنّ للضغط عليهن ليقدمن شكوى ضده. وهي التهم التي ترفضها جهات حقوقية، على الرغم من أنه ليس خالياً من الشبهات.
تابعت عائشة بلحاج في المقالة نفسها التي عممتها السفير اللبنانية، بالقول، لعل “نجاح محاصرة “بوعشرين” بتهم فادحة، شجّعت على نصب الفخاخ لاعتقال آخرين، على الرغم من أنها كادت أن تكون مهمة مستحيلة. ففي حالة “سليمان الريسوني”: زعم شخص أن “الريسوني” حاول هتك عرضه منذ سنتين، بلا أدلة غير شهادة الضّحية المزعومة، مع العلم تؤكد كاتبة المقال، أن غياب الأدلة أسقط متابعات كثيرة في حالات اغتصاب حقيقية، لكنه هنا لم يمس بالدعوى.
ثم جاء الاعتقال الثاني، “الذي تحولت فيه ليلة “عمر الراضي” مع صديقته التي استقبلته بالأحضان بعد ساعات من خروجه من السجن الاحتياطي، إلى كابوس صار فيه متهماً بالاغتصاب في اليوم التالي. هنا كان “عمر” ساذجاً وواثقاً من أن القانون سيحميه، بعد أن خرج من فترة سجن بتهمة حقيقية هي أداؤه لعمله الصحافي”.
و صدر في حق “بوعشرين” حكماً بخمس عشرة سنة سجناً، قضى منها نصف المدة. بينما صدر في حق “الريسوني” حكماً بخمس سنوات سجن، قضى منها أربع سنوات. وحُكم على “عمر الراضي” بالسجن ستّ سنوات، قضى منها أربع سنوات.
بين الصحافة والسخافة
قالت الصحافية والمهتمة الحقوقية عائشة بلحاج، إنه و في العقد الأخير، و مع فورة الصّحافة الإلكترونية، أُنشئت منابر عديدة لخدمة أجندات كبيرة، قُدّمت لهذه المنابر موارد كبيرة للقيام بمهماتها وبروزها في المشهد الإعلامي، وأقواها مهاجمة الأصوات المعارِضة بشتى التهم، غالبيتها: “المس بسلامة الوطن”، و”خدمة أجندة خارجية”، وهي تهمة رائجة بقوة، وطبعاً تضيف بلحاج، تُعتبر التهم الجنسية شديدة الدسم لهذه المواقع، فتتفنن في اختراع تفاصيل تسيء إلى الصحافيين الذين يكشفون عمّا يجب ألا يُكشف، من سيئات بعض الجهات النافذة والأصوات المعارضة. وبعضها يمارس حرباً مفتوحة ضد هذه الأصوات.
قدمت المتحدثة داتها، أمثلة منها حالة “فدوى برناني” الموظفة – سابقاً – في جريدة “أخبار اليوم”، التي كان “توفيق بوعشرين” رئيس تحريرها، والتي رفضت توجيه الاتهام بالاستغلال الجنسي ضده، بل رفعت قضية على جهاز الأمن، بسبب ما سمته “فبركة دعوى باسمها”، تعرضت بسببها “فدوى” إلى حملة تشهيرية ماسة بعرضِها، بعد كل ظهور إعلامي لها، تتضامن فيه مع صحافيين معتقلين، حتى وهي خارج البلاد.
فيما المثال الثاني، يهم منابر مهنية محترمة تعاني من مضايقات مستمرة، حيث تتخلى كثير من الجهات والهيئات والشركات عن وضع إعلاناتها في هذه المواقع، وهي تقريباً مصدر التمويل الوحيد لها، مما يحكم عليها بالتراجع إلى الخلف في سوق لا ترحم، فيما بعض المواضيع باتت ممنوعة كلياً، ولم تعد المحظورات مقصورة على مجال المقدسات، وهي: المَلكية، والدين، والوطن، بل أُضيف إليها أهل النفوذ والمال.
هل أدت الأحكام دورها؟
أشارت كاتبة المقال على صفحات “السفير” اللبنانية، أنه و بعد سجن هؤلاء الصحافيين الثلاثة قبل أن يجري الإفراج عنهم بعفو، عرفت حرية التعبير حالة خرس واضحة، حيث أحجمت معظم الأصوات عن نقد المؤسسات والمسؤولين بدرجاتهم، خوفاً من تهم تُلحق بهم العار قبل أن تَزج بهم في السجن، خاصة للنساء. إذ، تضيف بلحاج، لم تتعفف الجهات صاحبة فتوى الإخراج الهوليودي للتهم، عن المس بنساء، وأبرزهن الصحافية “هاجر الريسوني” ابنة أخ “سليمان”، التي سبقت عمها إلى السجن بتهمة أكثر سريالية، لم يتم إثباتها، هي الإجهاض. ولولا صدور عفو ملكي لصالحها، بعد نداءات دولية، لقضت في السجن وقتاً أكبر.
اعتبرت الصحافية والمهتمة بحقو الإسنان، في مقالها المعنون ب” “الحرية للصحافيين والسجن للصحافة”، أن ما هو الأسوأ في هذه التجربة ليس السجن، بل التشهير الذي تعرضت له، وانتشار التقارير الطبية لجسدها وشؤونها الحميمة، التي حاولت معها الصحافة الصفراء إثبات حالة إجهاض تنفيها التقارير الطبية، لكن هذه المنابر تفتي في الطب، وتفسر التقارير على هواها. لحسن حظ “سعيدة العلمي” المرأة الوحيدة المعتقلة بسبب حرية التعبير، والمفرج عنها في هذه الموجة مع الصحافيين، أنها لم تلصق لها تهمة جنسية، وتم الاكتفاء بالتهمة الكلاسيكية، وهي المس بالوطن.
بعد الخروج من السجن، تحدث “عمر الراضي” عن ظروف سجنه في حفل استقباله، لكن “سليمان الريسوني” ذهب أبعد واتهم إدارة السجن بمصادرة كتاباته وأوراقه، ودخل في مواجهة مع صحافة التشهير في حوار صحافي موسع، تم حذف الحوار من “النت” بعد الصدى الذي خلّفه، وبعد أن ثبت للجهات المعنية أن بعض الصحافيين لا يفيد السجن في تعليمهم رذيلة الصمت الخائف.
تقول بلحاج، “بينما التزم “بوعشرين” الصمت في الأسابيع الأولى، وهو ما يُتوقع من “اللّاعب مع الكبار”، والذي تعرض لعملية تشهير، وإن كان فيها بعض الحقائق. وعندما استعاد نشاطه على وسائل التواصل، لم يشر إلى تجربة السجن أو أسبابها. أما “سليمان” و”عمر”، فهما صحفيان، أدى بهما عملهما إلى السجن، وصارا رمزين من رموز النضال من أجل الحريات، وسيكون لسجنهما أثر كبير على مستقبلهما، إن أحسنا تدبيره، وإن لم يتم إحباطهما في الفترة المقبلة، ومحاصرتهما في أيّة مشاريع مقبلة، وربما دفعهما إلى الهجرة… مع العلم أن الآثار النفسية والصحية لتجربة السجن ستطاردهما بلا شك طيلة حياتيهما”.
هل نُقبل على لحظة انفراج أو أنها مجرد ومضة برق؟
بهدا السؤال اعلاه، أشارت الصحافية عائشة، بأن بعض الأصوات المتفائلة اعتبرت خطوة العفو بأنه انفراج حقوقي، خاصة أن المغرب ترأس هذه السنة “مجلس حقوق الإنسان” التابع للأمم المتحدة. ولكن في سجونها معتقلو رأي، مثل قادة حراك “الحسيمة”، والسياق الحقوقي والحرّياتي ضيق للغاية، مما يجعل هذا الحدث مفارقة ساخرة. بالإضافة إلى أن رئاسة “مجلس حقوق الإنسان” تولتها السعودية، في عز الخروقات الحقوقية التي مارستها في العقد الماضي، وبالتالي فلا تأثير لهذه الفترة على التوجه الحقوقي. كما أن جهات دولية كثيرة دعت سابقاً إلى إطلاق سراح المعتقلين السياسيين والصحافيين، وأهمها “البرلمان الأوروبي”، الذي وجه نداء للإفراج عام 2023، ولم تستجب السلطات المغربية. مما يسقط أسطورة الضغط الخارجي لتحسين الوضع الحقوقي.
تقول كاتبة المقال، العفو لم يمنح المعتقلين هامشاً كبيراً من الحرية، إذا يأتي هذا الإفراج سنة قبل إنهاء “الريسوني” لمدة حكمه، وسنتين قبل نهاية حكم “الراضي”، وبعد أن قضى “بوعشرين” نصف المدة التي حكم عليه بها، وهي ست سنوات، وهي مدة كافية لمعاقبتهم بحسب مؤلفي السيناريوهات، وبعد أن غادر المتابعون في حالة سراح البلاد للإقامة في منافي اختيارية. بل يأتي هذا لإظهار قدرة الدولة على الأمر والنّهي، وأن القانون قد يكون أحياناً مسألة مزاج سياسي.
المصدر: السفير العربي