أصبح الفساد أحد المواضيع التي تتكرر أكثر من أي شيء آخر، لدرجة أن البعض بدأ يظن أن هذا هو “الطبيعي” في إدارة الشأن العام،لكن حتى في هذا السياق، تأتي تصريحات محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، لتكسر حاجز الرتابة وتفضح “فضيحة بنكهة شهيوات 5نجوم” في وزارة التعليم العالي.
يبدو أن المغرب قد دخل في مرحلة “الترف الفاضح” الذي تجاوز فيه كل الحدود، وللحق، هي فضيحة تبين أن “التنزيل السليم” في هذا البلد لا يتقيد سوى بالقواعد التي وضعتها نخبة تستفيد من خيرات الشعب بلا خجل.
تعالوا لنستمتع بسماع “إنجازات” وزارة التعليم العالي في عهد عبد اللطيف الميراوي، التي على ما يبدو، نجحت في تطوير طرق جديدة لم نسمع عنها من قبل لتبديد المال العام!.
هذه المرة، لا تتعلق الفضيحة ببناء مدرسة جديدة أو تجهيز مختبر، بل بـ”استثمار” فريد من نوعه: تعاقد مع فندق فاخر بمبلغ 62 مليون سنتيم سنوياً، لتقديم وجبات غداء لا يتناولها سوى ثمانية أشخاص، قد تكون علاقتهم الوحيدة بالوزارة هي شهيتهم المفتوحة، حقًا، إنه ولاء غير مشروط… للبطن قبل الوطن!
كأنها “قصص خيالية” لكن بميزانية حقيقية، مرة أخرى نعود إلى الوجبات الفاخرة، والهواتف “الطائرة”، والبطاقات الوقودية “المختفية” من رفوف وزارة التعليم العالي في عهد الميراوي، لنفتح فصلاً جديدًا من مسلسل يتكرر بطله ويتغير القناع فقط،
حسب محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، يبدو أن الوزير الميراوي الذي غادر منصبه “غير مأسوف عليه” قرر أن يكون عهده مشبعاً بنكهة المأكولات الفاخرة. ولأن “كرم” المسؤولين ليس له حدود، قيل إن من بين هؤلاء الثمانية ضيوف لا علاقة لهم بالوزارة، بل لا يعدون سوى أصدقاء “غير رسميين” اختاروا التمتع بطعم الفساد في قاعات فندقية تُدفع من أموال افعي الضرائب، الذين بالكاد يستطيعون توفير لقمة العيش، وكأن المال العام هو مأدبة أصدقاء مفتوحة دون حسيب أو رقيب.
المفاجئة لم تنته هنا، فقد اكتشف الوزير الجديد عند تسلمه المنصب أن هناك 21 هاتفًا من النوع الرفيع و16 لوحة إلكترونية قد اختفت بشكل مثير للدهشة، كأنها لم تكن، وربما كان من المفترض أن تُستعمل لدعم التعليم أو لتزويد الموظفين بوسائل اتصال تسهّل العمل، لكن ماذا حدث؟ يبدو أن هذه “الهدايا التقنية” كانت جزءًا من تقاليد الوزارة في “تعزيز” العلاقة مع المحيط الضيق للمسؤولين.
وطبعا القصة لا تكتمل إلا بلمسة “المحروقات”، حيث اختفت أيضًا 60 بطاقة للتزود بالوقود، إنها ليست بطاقات، بل هي تذاكر سفر مجاني على حساب المال العام، تستخدم على الأرجح لرحلات لا علاقة لها بمتطلبات الوزارة، يبدو أن بعض المسؤولين اتخذوا من الوزارة محطة للتزوّد المجاني، بينما يعيش المواطنون المعاناة اليومية في محطات الوقود بأسعار خيالية.
نعود إلى تصريحات الغلوسي، حيث لم يكتفِ بالكشف عن هذه الفضائح وحسب، بل طالب بأن يتم فتح تحقيق شامل في الموضوع.
والآن، هل سيقوم المجلس الأعلى للحسابات بفتح تحقيق شامل؟ أم أن الأمور ستستمر في مسارها الطبيعي، حيث يتم “تنزيل” المال العام هنا وهناك لصالح من لا يستحق؟.
الغلوسي شدد أيضا على ضرورة افتحاص ميزانية الوزارة التي تشمل الأموال التي خصصها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بمبلغ 4 مليارات سنتيم، لعل هذا المبلغ، وإن تأكدت معطيات هدره، قد وُضع في ميزانية “اللاعودة”، و الإنجازات “اللامرئية”، او توزع في دهاليز الصرف وملفات الإنفاق غير المعلنة، وكأنها أموال مجهولة المصدر تستخدم لمشاريع مجهولة المصير.
الغلوسي لم يتوقف عند المطالبة بالتدقيق، بل طالب بتدخل النيابة العامة واستدعاء الفرقة الوطنية للشرطة القضائية للتحقيق مع الجميع، بدءاً من الوزير السابق عبد اللطيف ميراوي الذي قيل إنه كان على علم بما يدور في أروقة الوزارة، ولكن يبدو أن فضوله في تعقب الفساد لم يكن بذات جموح فضوله في اكتشاف صنوف الطهي الفاخر.
وفق الغلوسي الفساد ليس مجرد حالة عارضة، بل هو اليوم نسق ثابت يهدد كل شيء، من التعليم إلى الصحة، إلى كل مشروع تنموي.
الفساد ليس مجرد بعض الأشخاص الذين يستغلون مناصبهم، بل هو جزء من النظام الذي يهدد الاقتصاد الوطني والمستقبل الاجتماعي للمجتمع، بفضل هؤلاء المسؤولين، لن تصل الجامعات المغربية إلى مصاف الجامعات العالمية أبدًا، لأنهم يركزون على ملء بطونهم، بينما يتركون المؤسسات التعليمية غارقة في الفوضى.
الفساد اليوم يتمتع بحصانة غير مباشرة تتسبب في إجهاض جميع البرامج التي تسعى إلى تطوير البلد. يجب التصدي له بحزم، وربط المسؤولية بالمحاسبة الحقيقية، ومصادرة ممتلكات المتورطين الذين حولوا المناصب العامة إلى فرصة للتربح الشخصي بلا خجل.
في النهاية، تبقى هذه الفضيحة مجرد حلقة جديدة في مسلسل طويل من الفساد الذي يؤرق الوطن، لتكون تصريحات الغلوسي كجرس إنذار، فهل سنستطيع أخيرًا أن نضع حدًا لهذا الاستغلال الممنهج للمال العام؟ أم أن الفساد سيظل “الطريق السليم” في نظر البعض، طالما أن الأموال تأتي من جيوبنا؟ #كفى من الفساد