فيلم”Kill the Messenger ” عندما يؤدي نشر الحقيقية إلى ضياع حياتك
تُعتبر الصحافة من أهم أدوات كشف الحقيقة ومساءلة السلطات، لكن ذلك قد يأتي بثمن باهظ عندما تتعلق القضية بمؤسسات قوية تسعى لإخفاء أسرارها، هذا هو ما يقدمه فيلم "Kill the Messenger", الذي يعرض القصة الحقيقية للصحفي الأمريكي غاري ويب الذي فضح في التسعينيات تورط وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) في تسليح متمردي نيكاراغوا وجلب الكوكايين إلى الولايات المتحدة، الأمر الذي أثار عاصفة من الجدل،
الفيلم من إخراج مايكل كويستا، الذي قدم رؤية سينمائية مؤثرة ومشحونة بالعواطف حول حياة ويب وما واجهه من صعوبات بعد نشر تحقيقاته، لعب دور غاري ويب الممثل الشهير جيريمي رينر، الذي قدم أداءً مميزًا أضفى على الفيلم عمقًا إنسانيًا وشحنًا دراميًا أثار إعجاب النقاد والجمهور على حد سواء.
تجدر الإشارة ان الفيلم استند إلى سلسلة تحقيقات صحفية تحت عنوان “Dark Alliance”، نشرها الصحفي ويب في عام 1996، العامل في صحيفة San Jose Mercury News، سلطت هذه التحقيقات الضوء على تورط وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) في دعم متمردي نيكاراغوا، المعروفين باسم “الكونترا”، خلال الثمانينيات، عن طريق تسهيل عمليات تهريب الكوكايين إلى الولايات المتحدة، وفقًا للتحقيقات، كان الهدف من تلك العمليات توفير تمويل غير شرعي للكونترا، الذين كانوا يقاتلون الحكومة الاشتراكية في نيكاراغوا.
لم تكن هذه الفضيحة مجرد اتهام ضد الـCIA، بل ألقت الضوء أيضًا على التداعيات الاجتماعية الكارثية لهذه السياسة، حيث تم تهريب الكوكايين إلى الولايات المتحدة عبر شبكات توزيع أدت إلى انتشار وباء تعاطي “الكراك كوكايين” في الأحياء الفقيرة، خاصة بين المجتمعات الأفريقية الأمريكية، ما زاد من معاناة تلك المناطق التي كانت تعاني أصلاً من التهميش والتمييز العنصري.
قدّم جيريمي رينر، المعروف بأدواره القوية في أفلام مثل “The Hurt Locker” و” The “Avengers، أداءً استثنائيًا في تجسيد شخصية غاري ويب، و أظهر رينر ببراعة الصراع الداخلي الذي عاشه ويب، خاصة عندما وجد نفسه معزولًا ومحاصرًا بعد أن تخلت عنه مؤسسته الصحفية وزملاؤه، بالإضافة إلى الضغوط العائلية والنفسية التي واجهها، حيث نجح رينر في تصوير الصحفي الشجاع الفخور بمبادء والملتزم بواجبه المهني، وأيضًا الإنسان العادي الضعيف المنكسر تحت وطأة الضغوط و الذي عانى من الانهيار بسبب حملة التشويه الممنهجة ضده، و أجمعت العديد من المراجعات النقدية على أن أداء رينر كان أحد أبرز نقاط قوة الفيلم، ما جعله أكثر قربًا من المشاهدين، مما أضفى على القصة طابعًا شخصيًا ومؤثرًا.
في نفس السياق اعتبر النقاد أن الفلم يمثل “صرخة في وجه الفساد الإعلامي والسياسي”، واعتبروه تكريمًا للصحافة الاستقصائية الشجاعة، كما أثنوا على رؤية مايكل كويستا الإخراجية، التي حافظت على التوازن بين الجانب الإنساني لويب والتوترات السياسية المحيطة بالقضية، هذا و تم مدح الفيلم على تصويره الدقيق والصريح للأحداث، بالإضافة إلى قدرته على نقل التوتر والدراما التي رافقت حياة غاري ويب بعد تحقيقاته.
على صعيد الجمهور، نجح الفيلم في إثارة نقاش واسع حول مسؤولية الصحافة، ودور السلطة في إسكات الأصوات التي تسعى لكشف الحقيقة، بينما رأى البعض أن الفيلم يميل أحيانًا إلى التبسيط في تقديم المعلومات المعقدة، أشاد آخرون بقدرته على إظهار الجانب النفسي والاجتماعي لما يعنيه تحدي مؤسسة بحجم الـCIA.
صور الفلم ما أثارته، سلسلة تحقيقات صحفية “Dark Alliance” من جدل واسع، حيث تعرضت تحقيقات ويب لهجوم واسع من الصحف الكبرى، مثل The New York Times وThe Washington Post، التي شككت في مصداقية و مصادره ونتائجه، و لم يتوقف الأمر عند حدود التشكيك الصحفي؛ بل أصبح ويب هدفًا لحملة تشويه ممنهجة شملت اتهامه بعدم المهنية وتضليل الرأي العام، و عانت صحيفة San Jose Mercury News من ضغوط هائلة، مما دفعها في نهاية المطاف إلى التراجع عن دعمها لويب، وبدأت في نشر مقالات تبرئ فيها الـCIA من الاتهامات التي جاءت في تحقيقاته ، ترك هذا ويب معزولًا، بلا دعم من زملائه أو مؤسسته.
رغم النهاية المأساوية لغاري ويب، الذي وُجد ميتًا في ظروف غامضة عام 2004، يبقى إرثه شاهدًا على شجاعة الصحفيين في مواجهة الفساد، ألهم الفيلم أجيالًا جديدة من الصحفيين والمشاهدين للتفكير في قيمة الحقيقة وأهمية الدفاع عنها، مهما.
في النهاية، يظل فيلم Kill the Messenger شهادة فنية على شجاعة غاري ويب، وهو يعيد إحياء ذكراه كأحد أبرز المدافعين عن الحقيقة في مواجهة أقوى مؤسسات العالم.