تجميد جبهات الإسناد وتأجيج الوحش الطائفي: البكاري… هذ ما أراه بخصوص ما يقع في سوريا
انشغلت هذه الأيام بأمور خاصة ومهنية متراكمة، وكنت في لحظات “الاستراحة” لا أكاد اتابع سوى ما تبثه ما سميت “المعارضة” السورية المسلحة عن عملياتها وتحالفاتها ورؤيتها، (اي هي متحدثة عن نفسها)، وبالمثل تابعت ما يبثه النظام السوري وحلفاؤه، وتغاضيت عن ما تنسبه مواقع “المعارضة” للنظام، وما ينسبه الإعلام القريب من النظام من أفعال يقول إن “المعارضة” قامت بها.
بمعنى حاولت تجنب ما أمكن ما فيه شبهة “التضليل” أو “الفيك نيوز” أو “تعديل مقاطع فيديو “.
ثم تابعت جزء معتبرا من تغطية الإعلام “الإسرائيلي” لما حدث، ومنه حوارات على الهواء مباشرة مع متحدثين باسم “المعارضة” السورية المسلحة، وهي أمور ثابتة.
ومن خلال بعض ما استطعت مطالعته من تقارير لمراكز ابحاث.
وفي حدود المعطيات التي استطعت التيقن منها.
أكاد أجزم أننا لسنا أمام لا معارضة مبدئية، ولا حركة تحرر شعبي، ولا ثورة مسلحة ضد نظام ديكتاتوري، ولا جهاد في سبيل الله كما يتم الترويج.
فبعد التحييد النسبي لحزب الله من إسناد غزة، بفعل الضربات الموجعة التي تعرض لها هيكله القيادي والعسكري، مما أجبره على القبول بوقف إطلاق النار، خصوصا أن الحالة اللبنانية العامة كانت عاملا ضاغطا (رأيي أن “إسرائيل” لم تنتصر في الجبهة اللبنانية، والحزب لم ينهزم، في انتظار جولات أخرى، ما دامت كل مسببات الانفجار قائمة). حان أوان ضرب باقي جبهات الإسناد، واتوقع ان الدور على اليمن سيكون هو التالي.
السيطرة على حلب وإدلب وحماه إذا لم تقد الميليشيات التي تقوم بحرب الوكالة لصالح “إسرائيل” ودول أخرى التقت موضوعيا معها، إلى إضعاف النظام في أفق إسقاطه، فإنها على الأقل ستساهم في تأخير بناء حزب الله لقوته العسكرية، باعتبار أن هذا الممر أساس في تمرير السلاح له، وبالتبعية حتى لحماس والجهاد وباقي فصائل المقاومة المسلحة.
كما أن خطاب “المعارضة” مبني في جزء كبير منه على المذهبية، وللأسف فجزء من التوجهات القريبة لفكر الإخوان تماهى معه (الجزء يحتمل التنظيمات والأفراد)، وحتما سيعود السلفيون إلى الواجهة لنقل هذه الصراعات المذهبية إلى واقعهم المحلي، بما في ذلك البلدان البعيدة جغرافيا عن سوريا وفلسطين ولبنان.
وفي اعتقادي أنه حتى لو كان المرء ينظر للنظام السوري على أساس انه نظام قمعي (وهو في رأيي كذلك، لكن في رأيي أيضا أن الاستعانة بالأجنبي خيانة، وخصوصا إذا كان دولة إبادة وتطهير عرقي)، فإن مواجهة التناقض الرئيس الذي هو الصهيونية حاليا، ومؤامرات إضعاف كل الدول الوطنية (بما فيها حتى غير الديموقراطية)، يجب أن يجعل المرء يفطن أن ما يقع في سوريا إذا ما كتب له الاستمرارية، لن يؤدي إلا إلى خلق دويلات جديدة، قد لا تعترف بها الأمم المتحدة، ولكن ستكون لها سلطة على الأرض، وهذا السرطان سينتقل إلى دول اخرى، حتى ولو كانت بعيدة، سواء تحت يافطة المذهبية أو الطائفية أو العرقية.
والخلاصة، أن كل من يواجه نظاما يعتبره قمعيا بآليتي: الدعم الأجنبي والتسلح، فقد جعل مصيره في يد غيره، وتحول إلى معول هدم أشد من النظام القمعي نفسه، فالاخير مرض قد يطول أمد الشفاء منه، أما الأول (التدخل الأجنبي ورفع السلاح)، فهو وباء قاتل للجميع.
على أن ما تقوله هذه الميليشيات يجعلها خارج اي نضال من أجل وطن للجميع (الديموقراطية)، بل إنها لا ترفع عقيرتها إلا بجمل ثأرية مغلفة بمرجعية مذهبية، ولو قدر لهذا المشروع أن ينتصر، فسيكون أشد بلاء، لأنه سيتغذى على الثأر والعمالة وضيق الأفق والمذهبية، وستضاف لهم شهوة السلطة والاستفراد بها والتنعم بعوائدها.
إنها طعنة في الظهر لغزة، أكبر من طعنات الأنظمة العميلة في رأيي.
توضيح تعديلي : بعد نشري لهذه التدوينة، وجدت في تعليقين صورة لتدوينة شخص يتهمني فيها بدعم الثورة السورية، مما يحمل على الاعتقاد أن تدوينتي هي رد أو تبرئة، والحال أني لم اطلع عليها إلا في التعليقات، ولا وقت لدي لأهدره في الردود على مثله ممن يقارب اي موضوع من زاوية الأبيض والأسود، ولكنها مناسبة لبيان موقفي من الثورة السورية.
لقد كتبت في بدايات 2011 مدافعا عن الانتفاضة السورية في حدود مطالبها وشعاراتها، كما يمكن أن اساند اي تحرك شعبي يدعو للحرية والديموقراطية، لكن حين تحولت الحركة إلى فعل مسلح بدء من ما سمي الجيش السوري الحر، الذي كان فقط مقدمة للتطبيع مع وجود مقاتلين اجانب، ثم إلى الاستعانة بالأجنبي، وليس اي اجنبي، كتبت ضدها مما هو موثق، كانت المساندة بداية بسبب اللاءات التي رفعها الشباب: لا للطائفية، لا للتدخل الأجنبي، لا لعسكرة الثورة، وبعد الانقلاب على هذه اللاءات، كتبت إن الثورة تم اختطافها مبكرا، وهذا كان موقف الكثيرين ممن كانوا في بداية الانتفاضة، ثم انسحبوا من حركة المعارضة، من قبيل هيثم المناع.