العلمانية في المغرب… التوازن بين الممارسة والمعتقد
يشكل النقاش حول العلمانية في المغرب قضية معقدة تتداخل فيها الأبعاد الثقافية والدينية والاجتماعية.
يعرف المغرب نفسه بأنه بلد مسلم يعتمد الإسلام ديناً رسمياً للدولة وفق الدستور، إلا أن الممارسات اليومية والسياسات العامة تعكس في بعض الأحيان مقاربة عملية أقرب إلى العلمانية، ما يخلق تناقضاً واضحاً بين الإطار المعتقدي للدولة وسلوكها العملي.
تتجلى هذه التناقضات في عدة مستويات، فعلى الصعيد القانوني، تحافظ الدولة على قوانين مستمدة من الشريعة الإسلامية، مثل تلك المتعلقة بالأحوال الشخصية، إلا أن قوانين أخرى، كالقوانين الجنائية والتجارية، تعتمد على تشريعات وضعية، في محاولة للتوفيق بين المرجعية الدينية ومتطلبات الحداثة القانونية. كذلك، يُلاحظ أن الدولة تحمي حرية ممارسة الأديان الأخرى، وتسمح بوجود كنائس ومعابد يهودية، ما يعكس توجهًا يقترب من التعايش العلماني، وإن لم يتم التصريح به رسمياً.
على المستوى الاجتماعي، يعيش المغاربة في ظل قيم متأصلة في الثقافة الإسلامية وسلوكيات مغايرة تستجيب للتغيرات العالمية، ففي الحياة اليومية، تظهر بعض الممارسات التي تعكس انفصالاً عن القيم التقليدية، مثل اللباس العصري، أو تناول الكحوليات في أماكن مرخصة، أو الاحتفال بمناسبات ذات طابع غير ديني، لكن هذه السلوكيات كثيراً ما تصطدم بالمعتقدات التقليدية الراسخة، مما يؤدي إلى حالة من التوتر بين الأجيال أو بين فئات مختلفة من المجتمع.
سياسياً، تتبنى الدولة خطاباً مزدوجاً، يظهر في الجمع بين الترويج للتسامح والانفتاح على القيم الكونية، والحفاظ على الطابع الإسلامي للدولة.
الملك، بصفته “أمير المؤمنين”، يجمع بين السلطة الدينية والسياسية، مما يُعتبر تناقضاً واضحاً مع مفهوم العلمانية التي تفصل بين المجالين، إلا أن هذا الجمع يعتبر كآلية لضمان الاستقرار في مجتمع متعدد الهويات.
وبالرغم من تسليط الضوء على هذا الموضوع من طرف وزير الاوقاف وشؤون الاجتماعية ورئيس الحكومة السابق بنكيران يبقى النقاش حول العلمانية في المغرب نقاشاً غير مباشر، يثيره أحياناً نشطاء أو مفكرون يطالبون بفصل الدين عن الدولة لتحقيق مزيد من الحريات الشخصية، لكنه يواجه معارضة واسعة من القوى المحافظة التي ترى في هذه المطالب تهديداً للهوية الثقافية والدينية للبلاد.
في النهاية، يبدو أن المغرب يعتمد نهجاً خاصاً يجمع بين مرونة الممارسة وانفتاحها، وثبات المعتقد، هذه التوليفة تعكس محاولات مستمرة للتأقلم مع التحولات العالمية دون المساس بالتوازنات الداخلية، لكن هذا التناقض يظل نقطة جدل مفتوحة حول مستقبل العلاقة بين الدين والسياسة في المغرب.