بمناسبة عرضه التمهيدي بمهرجان مراكش…فيلم فرنسي عن التجربة الجزائرية لفرانز فانون
أ ف ب: يرى المخرج جان كلود بارني أن فكر فرانز فانون "يمكن أن يعيد قليلاً من الإنصاف" إلى عالم اليوم، وذلك في مقابلة أجرتها معه وكالة فرانس برس، مؤخراً، لمناسبة العرض التمهيدي لفيلمه حول هذا المفكر المناهض للاستعمار بمهرجان مراكش السينمائي.
يقدم بارني (59 عاماً)، وهو مخرج فرنسي من جزيرة غوادلوب، عملاً سينمائياً متقناً عن تجربة فانون أثناء إقامته بالجزائر في الفترة ما بين 1953 و1956، في خضم حرب التحرير ضد الاحتلال الفرنسي، حيث طوّر هذا الطبيب النفسي والكاتب فكره المناهض للاستعمار.
ويوضح فكرة فيلمه الذي يحمل عنوان “فانون” قائلاً: “لم أكن أرغب في إنتاج فيلم فيه ثرثرة، بقدر ما أردت تقديم صور وأشياء مؤثرة، وأن أُكوّن لدى المشاهدين شعورا بكونهم يشاركون مغامرة فانون من الداخل”.
لتحقيق هذه الغاية، واجه بارني “تحدياً تقنياً يتجلي في كيفية تصوير نفسية فانون على الشاشة”، ولذلك “اخترنا تقنية التعليق الصوتي”، مع “مشاهد استعادية (Flashback) لاستحضار الفترة التي صاغ فيها كتابه” الشهير “المعذبون في الأرض”.
بدأت مغامرة فانون الجزائرية عندما عُيّن للخدمة في مستشفى الطب النفسي بمدينة البليدة بضواحي العاصمة، حيث عاين الظروف الاستشفائية القاسية التي يواجهها المرضى، ما دفعه إلى خوض نضال لفرض مقاربة علاجية إنسانية.
وامتدت معركته إلى خارج المستشفى عندما بدأ يتواصل مع مقاتلي جبهة التحرير الوطني، التي قادت الثورة الجزائرية، وقرر مساعدتهم وعلاجهم في السر.
يصوّر الفيلم تلك الفترة بمشاهد قوية حول السردية السلبية لدى المستعمرين الفرنسيين تجاه الجزائريين، والإعدامات وأجواء القمع الرهيبة.
يعتبر بارني في حواره مع وكالة فرانس برس أن العنف الذي وصفه فانون، وهو متحدر من جزر المارتينيك، “بلغ اليوم ذروته، وأعتقد صادقاً أن علينا أن نحسم اختيارنا”، في إشارة إلى الحرب في غزة.
ويتابع موضحاً: “لا يمكننا أن نستمر في قبول الاحتلال والتمييز والاستعمار واقتلاع أشخاص من أرضهم، وتقطيع الأراضي والقتل بازدراء”.
ويضيف بارني: “مؤلفات مثل تلك التي خلفها فانون يمكنها أن تعيد قليلاً من الإنصاف إلى هذا العالم”.
ويستطرد: “عندما نفتقد الوسائل والبيداغوجيا والمادة اللازمة لندافع عن الكلمات الصادقة، يتعين علينا العودة لما وقع في التاريخ”.
في هذا السياق يعتبر بارني أن فيلمه “يصل إلى مدى معين يستطيع من خلاله القول إن الإنصاف موجود لدينا”.
قبل أن يحقق أمله في تصوير هذه الفكرة استغرق بارني عشرة أعوام بسبب “قيود مالية”، ولأنه كان أيضاً بحاجة إلى الإحاطة بفكر فانون الذي يرافقه منذ مرحلة المراهقة.
طوال تلك الأعوام، “كنتُ أكتب وأنتقي الممثلين وأفكر في زوايا التصوير، وتصميم القصة، والإضاءة.. وكل ما من شأنه أن يجعل التصوير مرتهنا بي فقط”، وفق بارني.
وقد اضطر بارني لتصوير المشاهد الخارجية في تونس والداخلية في لوكسمبورغ في ظرف شهرين، بسبب عدم حصوله على ترخيص بالتصوير في الجزائر.
وكان فانون انتقل إلى تونس العام 1957، حيث واصل نشاطه لدعم استقلال الجزائر وتفرغ للكتابة.. وتوفي هناك العام 1961 عن 36 بعد إصابته بسرطان الدم، لكنه دفن في الجزائر بناء على وصيته.
يرتقب أن يبدأ عرض فيلم جان كلود بارني، وهو ثالث الأفلام الطويلة في مسيرته، في فرنسا، أبريل الماضي.
ويأمل أن يلاقي الفيلم الجمهور المناسب “لأنني أريد أن أبين من خلاله، أن بإمكاننا أن نصنع سينما جميلة موجهة لجمهور عريض، وتخاطب ضميره في الوقت نفسه”.