فيلم “نايضة” للمخرج سعيد الناصيري: بين إشادة واسعة وانتقادات لاذعة
حظي فيلم "نايضة: كبرها تصغار" للمخرج والممثل المغربي سعيد الناصيري باهتمام جماهيري واسع منذ عرضه على منصة يوتيوب، حيث تجاوز العشرة ملايين مشاهدة في غضون أيام قليلة، ورغم هذا النجاح الرقمي، تباينت الآراء حول جودته الفنية ورسالته الاجتماعية، ما جعله مادة دسمة للنقاش الفني والنقدي، بين من رأى فيه انعكاسًا لواقع مغربي مؤلم بأسلوب ساخر، وبين من وصفه بعمل سطحي يعتمد على استثارة العاطفة دون تقديم حلول عميقة.
تدور أحداث الفيلم حول “سعيد” وأصدقائه في حي صفيحي بالدار البيضاء “دوار الرحامنة”، حيث يعيشون بين الفقر والتهميش، في محاولة لإيصال مطالبهم للسلطات التي تتجاهل أصواتهم، لِتأخذ الأحداث منحى تصعيدياً حين يقرر الأصدقاء احتجاز دبلوماسيين وشخصيات سياسية كرهائن، وهو ما ينقلهم من خانة المناضلين إلى المتهمين بالإرهاب.
هذا الخط الدرامي حمل رسالة نقدية ساخرة تستعرض معاناة الأحياء المهمشة، لكنه تعثر في تقديم معالجة درامية متماسكة، ما جعل الانتقادات تنهال على العمل.
في حين ركز الناصيري في تصريحاته الإعلامية على الطابع الاجتماعي للفيلم، مشيرًا إلى أنه يسلط الضوء على قضايا حساسة مثل السكن، الصحة، والبطالة، وموضحًا أن رفض القنوات الوطنية لعرض العمل يعود لجرأته.
هذه التصريحات أثارت نقاشًا حول مدى استخدامها كجزء من حملة دعائية لزيادة اهتمام الجمهور، خاصة مع طرح الفيلم في سياق رقمي يُبرز الاستهلاك السريع بدلاً من التأمل العميق.
السيناريست مثل يوسف الغريب، انتقد الفيلم قائلاً إن النجاح الرقمي لا يعكس جودة العمل، مؤكدًا أن النص افتقر إلى التحليل الموضوعي، بينما جاءت نهايته بموت البطل كإشارة لضعف البناء الدرامي
رغم طابع الفيلم الكوميدي، إلا أن بعض النقاد رأوا أن الفكاهة جاءت سطحية في مشاهدها، و تُستخدم كأداة لتخفيف وطأة القضايا المطروحة بدلًا من تسليط الضوء عليها بذكاء، و بينما دافع آخرون عن هذا الأسلوب، معتبرين أن الناصيري اعتمد على الكوميديا لإيصال رسائل اجتماعية وسياسية معقدة بطريقة مبسطة يفهمها الجميع، صرح أخرون على مواقع التواصل الاجتماعي أن الفيلم يحمل رسالة أخطر من كونه مرآة للواقع و تتمثل في فشل او نهاية من يطالب بحقه في هذا هذا الوطن.
من جهة أخرى ركز النقد بشكل أساسي على السيناريو الذي بدا وكأنه يفتقر إلى التفاصيل التي تمنح القصة عمقها الإنساني. فالحوارات جاءت مباشرة ومليئة بالشعارات، مما جعل الشخصيات تبدو نمطية و سطحية، كما افتقر العمل إلى لحظات درامية مؤثرة تظهر الجوانب الإنسانية الغنية للشخصيات، كطموحاتها أو نضالها الداخلي، وهو ما جعل القصة تبدو كأنها مجموعة مشاهد متفرقة أكثر من عمل سينمائي متماسك.
مع ذلك، لا يمكن إنكار أن الفيلم أثار النقاش حول قضايا التهميش والفقر وغياب العدالة الاجتماعية.
وإن كانت معالجة هذه القضايا سطحية، فإنها نجحت في تحفيز الجمهور على إعادة التفكير في أوضاعهم.
ومع كل الانتقادات، يظل “نايضة” محاولة جريئة لتسليط الضوء على مشاكل الفئات المهمشة، لكنه يبرز الحاجة إلى تطوير الأدوات الفنية والدرامية لتحقيق تأثير أعمق ومستدام، فضلا أنه يسلط الضوء على معضلة كتابة السيناريو بالمغرب والتي تتميز عموما بالضعف، باستثناء بعض التجارب التي ينتمي أصحابها أصلا للكتابة الروائية.
هذا التباين في الآراء يعكس التحديات التي تواجه السينما المغربية بين رغبتها في طرح قضايا مجتمعية جادة وبين ضرورة الالتزام بمعايير الإبداع والابتكار الفني، كما يسلط الضوء على مدى مساحة الجرأة في معالجة القضايا السياسية المسموح بها في القنوات الوطنية.
فيلم “نايضة” يشير إلى بداية جديدة تحتاج إلى صقل، لتمكين السينما المغربية من لعب دورها كمرآة للواقع وأداة للتغيير.