الرئسيةرأي/ كرونيك
مقدمات مختصرة على أبواب تيه عربي اخر
.1 / انا من جيل عايش مباشرة على الاقل خمسة او ستة احداث مفصلية قلنا انها ستتلوها تحولات كبرى في المنطقة وقد تمت تلك التحولات فعلا وكانت في معظمها على حساب العرب السكان الرئيسيين للمنطقة المسماة استعماريا ” الشرق الاوسط ” وهي الممتدة من غرب اسيا الى شمال افريقيا .
2/ هذه التحولات تباعا؛ والتي نقتصر فيها على ذكر الدراماتيكية منها ؛ هي:
– معاهدة كامب ديفيد المصرية الاسرائيلية وغزو لبنان وخروج المقاومة الفلسطينية ثم قمة فاس واعلانات المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر وبداية القبول الضمني بالتسوية …الحرب العراقية الايرانية … ( اواخر السبعينات والثمانينات ) .
– حرب الخليج الثانية بعد الاحتلال العراقي للكويت وتدمير الجيش العراقي اثناء انسحابه واقرار الحصار على العراق .وانعقاد مؤتمر مدريد ثم اتفاقات اوسلو ( التسعينات).
– احداث سبتمبر وحرب افغانستان واحتلال العراق وانطلاق الحرب على الارهاب والمبادرة العربية في قمة بيروت (اوائل الالفين ) .
– اندلاع الانتفاضات العربية المعاصرة (الثورات العربية) وسقوط اهم نظامين متواطئين مع الخيار الغربي الأطلسي ثم امتداد الثورات الى الدول الساخنة والاشكالية في المنطقة العربية ( ليبيا .اليمن.سوريا .البحرين ) وتحول الربيع الى انقسامات افقية حادة مذهبية وطائفية وعرقية تم تغذيتها وادارتها في المنطقة بشكل هندسي رهيب ( العشرية الثانية من سنوات الألفين ).
– تجدد مشروع الشرق الأوسط الجديد عبر صفقة القرن ومعاهدة الابراهيمية وتصاعد وتيرة التطبيع استعدادا لصناعة الوطن البديل وتفريغ غزة والضفة وتهجير الفلسطينيين وتقسيم الدول العربية الكبيرة وتفريق كثافتها الديمغرافية وتوزيعها على كيانات جديدة اي دول عرقية أو مذهبية او طائفية مناطقية ( الدولة الجنوبية A وشقيقتها الشماليةB ؛ الكيان الكردي؛ الامازيغي؛ الدرزي؛ المسيحي ؛ الشيعي ؛ السني …الخ ) بما يضمن الاندماج الطبيعي للدولة اليهودية في فضاء الشرق الاوسط الجديد بماهو فضاء التعدد العرقي والمذهبي والديني الخ .( اواخر العشرية الاولى وبداية العشرية الثانية من الألفين)
3 / بطبيعة الحال وباعتباري من جيل القراء والانشداد الايديولوجي الى استحضار الوقائع والتاريخ فقد عايشنا ايضا – قراءة لا عيانا – احداثا مفصلية اخرى من اوائل القرن العشرين نزعم اننا نعرف تفاصيلها وتداعياتها ( سايكس بيكوو..نكبة 48 ..الانقلابات وسقوط الملكيات ..هزبمة 67 ) .
4/ تجدر الاشارة الى أنه والى جانب هذه الاحداث المفصلية الدراماتيكية التي كانت بطبيعة الحال على حساب العرب كانت هناك أحداث اخرى ذات طابع ايجابي تنشأ ايضا كتداعيات ممانعة ومقاومة في مواجهة تلك الأحداث الدراماتيكية وبينها ( نشأة المقاومات الاسلامية اللبنانية والفلسطينية تعويضا لتراجع المقاومات اليسارية والقومية ؛ تحرير جنوب لبنان 2000 وكسر عدوان تموز 2006 ؛ منازلات غزة وجنين والقدس ؛ الانتفاضتان المجيدتان ؛ ممانعة عرفات ورفضه لكامب ديفيد 2 واستشهاده في محبسه برام الله وفوز حماس في انتخابات المجلس التشريعي وتحرير غزة من الامن الوقائي ؛ تطور المقاومة العراقية وهرسلة الاحتلال الأمريكي ؛ الخ ) .
5/ من ابرز التحولات الكبرى ظهور لاعبين مهمين من جيراننا في المنطقة اصبح بامكان القوى العربية الحية التقاطع معهما والمناورة على هامش من الصمود في مواجهة اللاعب الأمريكي الاسرائيلي عبرالاستعانة بهما ونقصد بذلك الجارين الفارسي والتركي .
6 / تم تقاطع القوى العربية الاسلامية ذات المشروع الراديكالي المقاوم مع الجار الفارسي( محور المقاومة ) وتقاطعت مع الجار التركي القوى العربية الاسلامية ذات التوجه الاندماجي مع الغرب والتسوية معه على قاعدة الديمقراطية والقسمة العادلة مع الاسرائيلي ( محور الربيع والاسلام الديمقراطي ) .
7/ لم يتمكن عرب هذين المحورين من ابتداع صيغة للالتقاء الاستراتيجي بنص عربي مشترك يقدم ويفرض على الجارين الراعيين ( ايران وتركيا ) في مواجهة اللاعب الاسرائيلي الامريكي وظلت العلاقة بينهما كعرب تتراوح بين التوتر المكتوم والمواجهة ( رغم ان الراعيين الاصليين لم يتصارعا كما فعل المتحالفون العرب معهما ) او التقاسم الضمني للادوار . اشتد الصراع بين المحورين في المسالة السورية وانقسمت ” العالمية الاسلامية الاولى ” الى تيارين متواجهين بعنوان مذهبي ولكن في الحقيقة بسبب عجز فكري للاسلامية العربية على صياغة التاليف الخلاق بين خيار الراديكالية المقاومة وخيار الاندماج الديمقراطي ( الاسلام المقاوم vs الاسلام الديمقراطي ) .
8 / حقق طوفان 7 اكتوبر ؛ الذي جاء بعد نهاية الربيع العربي ؛ اسبقية لخيار الاسلام المقاوم وبدت ” العالمية الاسلامية الثانية ” وفي قلبها الاسلامية العربية وكأنها تميل لخيار الراديكالية المقاومة وتحسم امرها في التكتيكات الخائبة للاسلام الديمقراطي والحقيقة ان تغيير التكتيكات بدا منذ بدايات التحول القيادي والتنظيمي داخل حماس في مؤتمر 2016 خصوصا ان حماس تمثل نقطة الوصل في العالمية الاسلامية الثانية بين الخيار الراديكالي ( الخمينية ) والخيار المدقرط ( الاخوانية الاصلاحية ثم الاردوغانية والغنوشية ) .
منح الطوفان سريعا وحدة برامجية في في العالمية الاسلامية الثانية ( مركزية المعركة في غزة والقبول بوحدة الساحات وتأجيل الخلاف حول التكتيك الديمقراطي للتغيير ) . وهو ما منح اسبقية في قيادة العالمية الاسلامية الثانية للاعب الفارسي على حساب اللاعب التركي الذي تراجع عن استكمال طموحه في الحصول على ” التفويض الاطلسي ” لاستلام ملف الترتيبات في المنطقة العربية .
9 / الاحداث الدراماتيكية المؤلمة التي تسارعت في الاشهر الخمسة الاخيرة وانكسار موجة الطوفان والانكسار النسبي الكبير لظهر المقاومات في الجبهة اللبنانية ثم في غزة سوف يسارع بعودة المبادرة للاعب الاطلسي الاسرائيلي وتراجع محور الاسلامية المقاومة واللاعب الفارسي وعودة اللاعب التركي الى صدارة التفويض في المنطقة بانتصارات حقيقية ينافس فيها نسبيا اللاعب الاسرائيلي ما يجعلهما بشكل “بارادوكسالي” الرابحين الاساسيين في التسارع الاخير للاحداث في مقابل الخسارة الواضحة للاعب الفارسي .
10 / تبدو العالمية الاسلامية الثانية وفي قلبها الاسلامية العربية بشقيها ( محور الربيع ومحور الراديكالية المقاومة ) في حيرة من امرها . الاسلامية العربية لمحور الربيع لا تستطيع نسبة التقدم التركي لنفسها فهي كاسلامية عربية ديمقراطية تأتي من ركام فشل الربيع ولاتبدو احزاب الربيع في وضع جيد وهي لا تفرح كثيرا (بالحساب الاستراتيجي للكلمة ) بخسارة الاخوة الألداء في محور الراديكالية المقاومة باعتبار حاجة العرب وقضيتهم الى الانتصار المتساوق للمحورين يكمل انتصار احدهما الاخر وفي المقابل لايبدو المحور الراديكالي المقاوم منزعجا من عودة الاخوة الالداء في محور الربيع الى طاولة الترتيب اذا ما احسنوا فرض شروط حماية ماتبقى من ظهر الرفاق في المحور المقاوم ومنع استعادة الايام المظلمة من تنابز الاخوة الاعداء مذهبيا بتدبير المهندس الخبيث( اختبار ذلك سيكون في سوريا مرة اخرى ) .
11/ يبدو اللاعب التركي محتاجا الى فرض شروط على الاطلسي لكبح جماح لاعبهم الاسرائيلي المدلل وعدم استغراقه المغرور في جعل انكسار محور الاسلامية الراديكالية انتصارا ناجزا للاطلسي الغربي المتصهين .
هذا الكبح خيار سيضطر اللاعب التركي الى فرضه وممارسته براغماتيا . اذ لا مصلحة للتركي ولا امكانية له في المحافظة على التفويض الوظيفي للترتيب مع الاطلسي باسم المنطقة ما لم يكن اللاعب الثالث ( الفارسي والجبهات المقاومة ) حاضرا معه ببعض عافيته وبعض عافية حلفائه ( الاسلامية العربية الراديكالية المقاومة /المحور) بما يمنع اللاعب الاسراىيلي من الحركة الواسعة ويحد من اندفاعه ويمنح ” العالمية العربية الاسلامية “( اسلاميي الربيع المعدلين) والنظم العربية القابلة للتدقرط والنخب الديمقراطية المعلمنة شروط القبول ” الكريم ” بالتسوية والترتيب التي يريد المفوض التركي حملهم اليها دون ان يبدو ذلك منهم قبولا باذلال وتسوية ضيزى .
12/ في كل اللحظات الكبرى التي عشناها عيانا وقراءة وقلنا انها ستكون تحولات كبرى في المنطقة كانت تحدث اشياء دراماتيكية هي بطبيعة الحال على حسابنا كعرب ولكن تعقيدات المنطقة كانت تمنح باستمرار هامشا للمناورة لنخفف عن انفسنا فداحة هذه التحولات .
13 / باستثناء المقاومة ( التي تعيش الان انكسارات مؤلمة ) لا يملك العرب بجميع اطيافهم مشروعا قويا يجعلهم مركزا او اسيادا او شركاء اساسيين في ترتيب منطقتهم ( العالمية العربية الاسلامية ؛ الاممية العربية اليسارية ؛ القوميون العرب؛ النظم العربية ؛ النخب المعلمنة والملبرلة .. الخ ..كلها نخب وتنظيمات ضعيفة بتفاوت ومجرد قوى وظيفية للاعبين الرئيسيين من غير العرب شعروا بذلك ام لم يشعروا …).
14/ لابد مرحليا من الاعتراف بأن القوى الاساسية في المنطقة بعد تضرر المقاومة هم لاعبون رئيسيون من غير العرب بحيث تحتاج ” الوطنية العربية ” الان الى صياغة سرديتها المشتركة وصناعة قوتها الممثلة حتى نلعب لانفسنا ونحدد علاقتنا بهؤلاء اللاعبين في ارضنا وهم :
اللاعب الاسرائيلي كممثل للغرب الاطلسي وهو لا يمكن ان يكون الا عدوا بطبيعة الحال وهو ما حسمه الطوفان وتجربته الاليمة علينا\ز
اللاعبان الشقيقان الفارسي التركي ويتقاطع هذان مع مصالحنا باعتبار المشترك الاسلامي التاريخي بيننا حيث تبادلنا معهم حمل الرسالة وحكم المنطقة وقيادة الامة وحماية بيضة الاسلام على امتداد 14 قرن بقطع النظر عن التقييمات المختلفة لعهود حكمنا وحكمهم .
15 / يجب ؛ استراتيجيا ولمصلحتنا كعرب حاملين اصليين للرسالة؛ تبكيت واسكات النخب والمفكرين العرب الوظيفيين الذين يريدون دفعنا الى المفاضلة بين الجارين الشريكين او الاصطفاف مع احدهما ضد الاخر (نخب الولاء العربي للفارسي بمعاداة التركي او نخب الولاء العربي للتركي بمعاداة الفارسي هي نخب تم هندستها لجعل العرب خارج التحكم في منطقتهم..)
نحن العرب نقطة الربط والتحالف بين الأمم في المنطقة باعتبارنا الحملة الاصليين لرسالة التوحيد الكونفيديرالي المحمدي للمنطقة ولا قوة لنا كعرب ولا تحرير للانسانية الا بالجمع بين أمم المنطقة من اقصى شرق اسيا الى غربها وصولا للقارة الافريقية بديلا عن التوحش الأممي الياجوجي الماجوجي كما فعل اسلافنا في قرون الفتح واستئنافا لمشروع تحرير الانسانية من التوحش منذ الرسالات الالاهية الحنيفية الاولى في شرق النبوات .( اتوني زبر الحديد …وانفخوا كي نقيم بيننا وبينهم ردما )
16 / ما راكمه اللاعبان الشقيقان يجب ان يجير لمصلحة الامة نستعيد عبره جسر التحالف الاممي على المصالح مع من احترم رسالتنا كعرب ومسلمين من القوتين الدوليتين الجارتين البعيدتين في القارة الاسيوية ( روسيا والصين ) وهما قوتان من داخل الفضاء الشرقي ولا يريان مانعا اذا صدقا في تحول العرب الى لاعب رئيسي يلعب لمصلحته (يمكن الموافقة على ما يقترحه علينا دوغين ومناقشته…هو فيلسوف كهل في سننا ) .
17/ كما يمكن للشقيقين التركي والفارسي ان يجسرا علاقتنا من جديد مع فضائنا الاسلامي البعيد وهو فضاء الرسالة الاسلامية للعرب القدامى ونعني بذلك باكستان واندونيسيا وافغانستان وغيرها من شعوب الفتح العربي الاسلامي القديم . شرط ان نتمكن من صياغة سردية عربية موحدة تفرض على اللاعبين الجارين التركي والفارسي وتوحد موقفنا منهما على قاعدة اننا كعرب مركز المنطقة وحملة الرسالة بما يوقف التناقضات الجزئية بينهما ويوقف اصطناع الاستقطاب العربي حولهما .
18/ تبقى هذه الافكار مجرد تهويمات نظرية ارجح مرحليا ان شروط تحققها لم تنضج وتنضج على العكس منها شروط تحقق هزائم اخرى لابد منها كي تفهم هذه الامة ما لها وما عليها …لكن لا خير في ان لم اقلها ولا خير في القراء النبيهين ان لم يتدبروها .