ستبقى النساء تلك الصخرة التي تعري زيف الخطاب
منهجية ورش إصلاح المدونة: التفاف على البداية المبتكرة
قلت في مقال سابق لي على إثر إطلاق السيرورة الثالثة في مسار إصلاح قانون الأسرة، أن منهجية العمل هذه المرة أكثر تقدما من سابقاتها، وهذا يعني أن بلادنا تعرف دينامية مجتمعية ودولتية. إذ تشكلت الهيئة من مؤسسات دستورية حكومية وقضائية وحقوقية ودينية، وانفتحت في عملها بشكل واسع على ممثلي القوى الحية الوطنية والمجالية. وهو بالتأكيد ما أعطاها صورة حية شاملة ومركبة مطابقة للواقع المغربي.
لنتفاجأ بعدما أنهت الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة أشغالها وقدمت نتائجها باستفتاء الملك المجلس العلمي الأعلى في قضايا اعتبرت خلافية استوجبت حسب التقدير الملكي العودة بها إلى هذا المجلس الذي، وفق الفصل 41 من الدستور، “يعتبر الجهة الوحيدة المؤهلة لإصدار الفتاوى التي تعتمد رسميا، في شأن المسائل المحالة إليه، استنادا إلى مبادئ وأحكام الدين الإسلامي الحنيف، ومقاصده السمحة.”
نعم كانت هذه الإحالة مفاجئة، لأن المجلس العلمي ممثل في الهيئة المكلفة بإعداد المراجعة. فماذا حدث؟ وما هي دواعي الإحالة؟ وما دلالة ذلك؟ بالنسبة للسؤالين الأول والثاني، فلا توجد معطيات حول مجريات النقاش الذي دار في مداولات الهيئة ولا المسطرة التي اعتمدت في الحسم، لأن لا أحد تكلم عن الأشغال الداخلية لها.
هل ممثلو المجلس في الهيئة لم يكونوا متفقين على مخرجاتها؟ وإن كانوا قد توافقوا عليها، فما هي الدواعي الحقيقية التي حركت هذا الإجراء؟ هل كان للمؤسسة الملكية تقدير آخر؟ وما هو هذا التقدير؟ تغيب عنا معطيات كثيرة لنلم بكل الحيثيات ونبلور رأيا محايتا للواقع.
وأما الدلالات والإشارات التي تبعثها هذه الإحالة فيمكن إيجازها فيما يلي:
1. التأكيد على أن السلطة الدينية أولوية في الفصل في القضايا والمسائل ذات الصلة بالنساء، فغربلتها عبر منخل المجلس العلمي قبل طرحها على البرلمان لها أبعاد ورسائل تفوق ما قد تعطيه هذه المؤسسة من رأي ليس خافيا على أحد سلفا. 2. توجيه النقاش في المؤسسة التشريعية وتقييده وفق ضوابطها، والحالة هذه، أي دور بقي للبرلمان وأي معنى للديمقراطية؟
3. ومهما يكن فموضوع النساء يشكل جمرة لا يريد أحد الاحتراق بها قدر المستطاع، وخلف هذا، نظام سياسي مبني ليس على إحقاق الحق مهما كلف، ولكن على التوازنات مهما أيضا كلف الأمر.
نعم هي منهجية ابتدأت بنفحة مدنية دستورية لتقيد بشروط دينية من شأنها خنق النقاش في السيرورة التشريعية.
“حلال/حرام” أم “ما جاء الإسلام من أجله وليس ما جاء به”؟
“عدم تحليل حرام وتحريم حلال” ماذا تعني؟ هي عبارة فضفاضة يجد فيها المقتصد في الاجتهاد ضالته ويجعل منها فزاعة ضد كل مجتهد.
فتحليل الواقع الاجتماعي المركب من زاوية مقابلة تبسيطية بين الحلال والحرام، الأبيض والأسود أو الخير والشر، اختزال له حد الابتدال لا يُمكِّن من فهمه والتعاطي معه بحلول واضحة لا ريب فيها، وهذا بالضبط ما يعيق العقل الإسلامي عندنا في الانخراط في عصره هٌوَ وليس ما باد من العصور.
فحقوق النساء والمساواة لا تدخل ضمن هذه المعادلة وليست مسألة مزايدة وأطراف “مع أو ضد” وما يقتضيه ذلك من لعبة التوازنات، ولكنها مسألة حق وجب إحقاقه ابتغاء لاحترام الدستور والتزامات بلدنا وما جاء من أجله الدين الإسلامي لا ما جاء به، ووضْعِ المتقاعسين أمام مسؤوليتهم التاريخية في عرقلة التقدم والنهضة ببلادنا، أكانوا رجال دين أو رجال سياسة.
فهل من الحرام في شيء إذا وجد طفل نفسه نتيجة علاقة لا يعترف بها القانون مجردا من حقه في النسب؟ وكيف يفتى بوجوب الإنفاق عليه من لدن والديه دون إثبات نسبه؟ ما هذه المفارقة؟ وما شأن هذا الطفل والقضاء على الأسرة المبنية على الزواج وإحلال محلها أسرة بديلة؟ إنها فعلا السوريالية في إعمال الاستنباط.
وما الحرام في أن تتساوى النساء والرجال في الإرث؟ أين الضرر إن لم يكن فقط حماية المكاسب الذكورية على حساب النساء. والملاحظة العامة علاقة بالتعدد، فما ما الذي يحول دون منعه كقاعدة، والنيابة القانونية التي بقيت غامضة علاقة بالنساء، بل أرجأت إلى تقدير قاضي الأسرة، والتجربة بينت انحياز القضاة للذكورة، وإرث البنات تم فيها التفاف بأشباه حلول تكرس دونية النساء والحفاظ على سمو الرجال عليهن المرفوض.
ليست النساء موضوع حلال أو حرام بل هن موضوع حقوق وواجبات في مجتمعات ودول المواطنة
لاتزال النساء ناقصات الأهلية في مقترحات التعديل، وقد ننتظر 2044 لإسقاط التعصيب في حالة البنات:
قام الفقهاء ولم يقعدوا عند المطالبة بتعليم الفتيات في بداية القرن العشرين، وقاموا ولم يقعدوا عندما طرح موضوع إصلاح المدونة في بداية التسعينات، وعندما طرح اقتسام الممتلكات المتراكمة أثناء الزواج، وقيل أننا سنخرب الأسرة إذا ما أعطيت المرأة الراشدة حق تزويج نفسها، وإذا ما أعطي لها الحق في طلب الطلاق، واننا نشجع في ما نقترحه على إفساد الأسرة وفساد المجتمع، وما إلى ذلك من الاعتراضات عن مطالب هم على يقين من أنها سوف لن تضر بالمجتمع ولا بمؤسسة الأسرة ولكن أساسا سوف تقوض سلطة الذكورة وتحكمها في النساء.
عن المسائل الشرعية المتعلقة بمدونة الأسرة، قال وزير الأوقاف أن لجنة الفتوى استجابت لعشرة مسائل استجابة تامة من ضمن السبعة عشر مسألة التي قدمت لها، إذ يتعلق الأمر بكل من سن الزواج، وشهادة شاهدين مسلمين، والنيابة الشرعية المشتركة، واعتبار العمل المنزلي مساهمة في ثروة الزوج، ووجوب نفقة الزوجة بالعقد، والعمرى الإجبارية للسكنى للزوج الباقي حيا، ومرتبة ديون الزوجين المتعلقة بالأموال المكتسبة، وبقاء حضانة من تزوجت، و”المتعة” للمرأة طالبة التطليق، والمساواة بين أبناء الأبناء والبنات في استحقاق الوصية الواجبة مهما نزلوا.
غير أن هناك ثلاث مسائل أعطت فيها اللجنة حلولا بديلة توافق الشرع وتحقق المطلوب ومن الأفضل الأخذ بها، وتتعلق بنسب ولد خارج الزواج، والحل البديل تحميل الأم والأب المسؤولية عن حاجيات الولد دون ثبوت النسب لأن ثبوت النسب يخالف الشرع والدستور ويؤدي إلى هدم مؤسسة الأسرة وخلق أسرة بديلة؛ والوصية للوارث إذا لم يجزها باقي الورثة، وإلغاء التعصيب في حالة ترك البنات دون الأبناء، والحل البديل الهبة من دون اشتراط الحيازة.
كما أنه أشار إلى مسألتين أعطت اللجنة حلولا بديلة توافق الشرع وتحقق المطلوب ويمكن لولي الأمر أن يقرر فيها ما يراه محققا للمصلحة، وتهم التوارث بين الزوجين مختلفي الديانة، والتوارث بين الكافل والمكفول أو التنزيل الواجب، بالإضافة إلى مسألة لا يمكن تجاوز رأي اللجنة فيها إلا بقرار من ولي الأمر باعتبار المصلحة وتتعلق بإدراج شرط موافقة الزوجة الأولى في التعدد، وبالمادة 400 التي تنص على المذهب المالكي كمرجع.
إن الأمر لا يتعلق بكمِّ ما اتفقت علية لجنة الإفتاء، ولكن بنوع ما أفتت به. فمن حيث النوع لم يستعمل معيار المساواة بين النساء والرجال، ولكن معيار درء بعض الأضرار والالتفاف باستعمال أنصاف الحلول المبنية على التراتبية بين النساء والرجال وعدم اعتبار المصلحة الفضلى للطفل.
كأن يتحمل الأب كالأم مسؤولية الإنفاق على الطفل خارج الزواج دون إثبات النسب، أو الهبة عوض إسقاط التعصيب في حالة البنات، أو اشتراط الموافقة على التعدد عوض إلغائه…الخ.
وخلاصة المرتكزات التي بنيت عليها المقترحات (النيابة القانونية المشروطة بالنسبة للنساء، التعدد المشروط، عدم إلغاء التعصيب دون الكلام عن عدم الخوض في المساواة في الإرث…)، تبين أن النساء في المتخيل لا تزلن ناقصات الأهلية لمجرد أنهن إناث. ومهما تكن مشاركتهن في المجتمع ومساهمتهن في الأسرة، فالهيئة ولجنة الإفتاء تمعنان في أن تظل النساء المغربيات مواطنات من الدرجة الثانية.
المجلس العلمي الأعلى يقتات على ما تجتهد فيه النسائية، ولا اهتمام له بحقوق النساء
كان رأي المجلس سيكون محل تقدير واحترام لو أنه اجتهد في قضايا حقوق النساء من تلقاء ذاته، بمحض ما تمليه عليه قيمه الدينية، ولكن وأن يركن لما تبحث فيه النسائية وتثير له الانتباه، ثم يأتي بأقل ما يمكن منه، فهذه لعمري ليست من تقاليد الإسلام الأول، ولكن اذا بحثنا في التاريخ الإسلامي سنجد أمثالهم ممن تكلم فيهم ابن رشد الحفيد في كتابه الفقهي “بداية المجتهد ونهاية المقتصد”، وهؤلاء ينتمون للفئة الثانية، أي المقتصدون الذين يركنون لما قاله آخرون في عصور غابرة.
وفي الحقيقة، ما الذي يمنع العلماء عن أن يفتوا ضد السياسات الرامية إلى مناهضة العنف، لأن في ذلك تناف مع النص وتوافق والذوق السائد للمغاربة، ليصبح المغرب هٌزءَ الأمم. الإسلام مرة أخرى كما قال بذلك الطاهر حداد، ليس ما جاء به أكان ظني أو قطعي الدلالة، ولكن ما جاء من أجله وهو المساواة بين الناس كيفما كان لونهم أو جنسهم.
وما دعوة الملك للمجلس العلمي إلى “مواصلة التفكير واعتماد الاجتهاد البناء في موضوع الأسرة، عبر إحداث إطار مناسب ضمن هيكلته، لتعميق البحث في الإشكالات الفقهية التي تطرحها التطورات المحيطة بالأسرة المغربية، وما تتطلبه من أجوبة تجديدية تُساير متطلبات العصر.”، إلا مؤشرا على أن المجلس لا يهتم بحقوق النساء إلا عرضا وعند الطلب.
والإسلام السياسي المغربي سجين عباءته السياسوية لا ينفتح على تجارب الدول الإسلامية الرائدة
أي دور للإسلام السياسي في حقوق النساء والمساواة بين الجنسين غير الاعتراض اللامنتج الجاحد للواقع الاجتماعي للمغربيات والمتشبث بقراءة لا عقلانية منافية للتقدم العلمي والمدني. في الوقت الذي كان من الممكن أن يلعب دورا هاما في التعبئة من أجل إخراج المغاربة من الخرافة والشعوذة نحو المجتمع العاقل المحترم للقيم الإنسانية والبيئية.
نجده يكرس مقولات دونية النساء والتحجر الديني في الوقت الذي توجد فيه دول إسلامية متقدمة في العلاقة بالنساء وفي الاجتماع بشكل عام وفي الاقتصاد لا تنقص تقدما عن الدول الحداثية. على سبيل المثال لا الحصر تركيا التي يستمد منها حزب العدالة والتنمية المغربي اسمه، والسنغال وغيرهما. وأن ينفتحوا على الدول الإسلامية الآسيوية كماليزيا ويفتحوا قنوات التشاور مع المتقدمين من المسلمين والا يبقوا حبيسي حدود المقابلة المتضادة غرب/إسلام.
ماذا لو فسحنا للمغاربة حرية اختيار المرجعية التي يريدون بموجب مدونة الأسرة؟
منهج التدرج في الحقوق والمكانة التي تليق بالنساء ومساواتهن طالت وشاخت وأصبحت نية مبيتة لحرمانهن من أن يكن مواطنات كاملات المواطنة. ولم تعد النساء تستسغن في العشرية الثالثة للقرن الواحد والعشرين النظرة الدونية اعتبارا لجنسهن. ويبدو أن المجتمع منقسم، من المشدود لماضي متخيل، والمتطلع لكونية إنسية يتساوى فيها الجميع، ولا تبدو عليه علامات تبدد هذا الانقسام على الأقل في الزمن المتوسط.
في هذا الواقع المجتمعي، تضيع حقوقنا وتهدر كرامتنا يوميا كنساء، ولا نعامل على أساس ما نقوم به من أدوار كبيرة ونبيلة في المجتمع والدولة. ما هي الاختيارات التي تبقى أمامنا لنعيش في وطن واحد نحترم فيه اختلافاتنا ولا نختزلها في» المضاعف المشترك الأصغر «Le plus petit multiple commun PPMC؟ فقد سبقتنا الأمم في تدبير اختلافات المجتمعات الحداثية في إيجاد الأجوبة لتجاوز حالة الانحصار كالتي نعيشها اليوم.
فسياسة التوازنات المبنية على عدم إرضاء أي طرف لضمان “الاستقرار” ليست سياسة من أجل البناء على قيم العدل والحقوق والمساواة، والتقدم، بل تصبح لا تعدو سياسة البقاء والاستمرار المبني على الهشاشة. وهذا ليس في مصلحة أحد إلا من يريد الحجر على المغرب والمغاربة.
لنتصور مدونة تفتح أما المغاربة إمكانية الاختيار بين منهجيتين، منهجية تعاقدية مدنية وأخرى دينية. الأولى مبنية على المرجعية الحقوقية مسندة بتراثنا التنويري عبر تاريخ المسلمين، والثانية مبنية على ما يتيحه العقل المغربي حتى الآن من اجتهادات. ولن يكون هناك إكراه لأحد لينخرط في مقتضيات قانون وفق قراءة نصية يعتبرها غير لائقة بمكانة النساء ومكانة الأسرة في القرن الواحد والعشرين. الأولى تعهد لمؤسسة مدنية بالعمالات والأقاليم مثلا، أو أي جهة أخرى يمكن أن تؤمن وتوثق الزواج المدني، والثانية يعهد بها للعدول كما هو الحال اليوم. كما فعلنا بالنسبة للأبناك، تركنا الحرية للناس ليلجوا ما يوافق ميولاتهم الشخصية. فلم يعد مستساغا اعتقال المغاربة في رؤية لا يتقاسمونها جميعا ولا يمكنها أن تكون محل إجماع لأن تهم حياتهم الخاصة بهم هنا والآن.
وخلاصات القول:
أولا. المواقف المعبر عنها هاهنا مبنية على ما جاء في تصريحات كل من وزيري العدل والأوقاف، فلم نطلع على مقترحات التعديل 139 التي تقدمت بها الهيئة، ولا رأي المجلس العلمي، كما لا نخبر منهجية المصادقة على مخرجاتهما. هل كانت بالتصويت؟ وفي هذه الحالة هل كان بهما من اعترض؟ هذه كلها أشياء إن بدت ساعدتنا عل المزيد من الفهم؛ فقد يعتريها بعض النقص الناتج عن نقص في الالمام الكافي بمصوغات المقترحات؛
ثانيا. الملك يسود في ورش مراجعة المدونة، ولكنه لا يريد أن يحكم وحده في مخرجاتها، فبين تفويض المجلس العلمي للملك للأخذ بما يراه، وتحميل الملك المسؤولية للمجلس فيما أنتجه، والتوصية التي وجهها للمجلس العلمي من أجل مزيد من الاشتغال حول القضايا الخلافية مع إنشاء آلية دائمة لذلك، مع الإلحاح على التواصل والنقاش العمومي وعلى دور البرلمان، كلها مؤشرات على ذلك. وعلى الحركة النسائية أن تعي ذلك جيدا وأن تراجع نسائيتها وتغير من استراتيجية عملها، لإعادة الحياة للنسائية العضوية الشاملة Féminisme organique de la totalité المنخرطة في كل القضايا العادلة التي هي جزء منها.
ثالثا. يبدو أن سقف المقترحات 139 للهيئة كان منسجما مع مطالب القوى النسائية المدنية والسياسية والفاعلين الاقتصاديين وكل الأطياف الأخرى التي تم الإنصات إليها، فالهيئة نظرا لتشكيلتها المتنوعة والدامجة تؤهلها لأن تكون أقرب إلى نبض المجتمع وحاجياته، من دون أن يعني هذا بأنها لم تقص مطالب نسائية من النقاش كالمساواة في الإرث مثلا. لكن سقف المجلس العلمي الأعلى بقي في أسفل ما تتيحه عباءة الدين بعيدا عن روح الإسلام الأولى وعن كل الاجتهادات المستنيرة للذكاء الإسلامي التي عرفها تاريخنا المشرق، وأخلت بالدستور وبالتزامات المغرب الأممية؛
رابعا. بناء على كل ما جاء في تصريحات كل من وزيري العدل والأوقاف، يتبين أن التعديلات المقترحة تدخل في باب تفعيل مبدأ الإنصاف في حدوده الدنيا، بل يمكن وصفه “بالإنصاف البخيل” أو “الإنصاف الشحيح”، وهو ما عبر عنه وزير الأوقاف بعبارة الكرامة التي تعوض عنده كلمة العِرض المستعملة في لغة الفقهاء، ضمن الكليات الخمس المشروطة في البيعة المكتوبة، التي يجب أن تتضمنها مدونة الأسرة على حد قوله؛ ولسنا بتاتا في مقاربة المساواة وفق المقتضيات الدستورية والمواثيق الدولية وما جاء من أجله الإسلام وليس ما جاء به وفق مقياس الطاهر حداد في دفاعه عن المساواة بين النساء والرجال في الإسلام؛
خامسا. وآخر ما أختم به هذه الخلاصات سؤال “هل قضي الأمر في هذه السيرورة التعديلية الثالثة للمدونة، أي أن الكبار قد حددوا السقف وبقي للصغار إتقان الأدوار في البرلمان لتكون المسرحية مستوفاة للشروط الفنية؟ هل الفاعل السياسي في المؤسسة التشريعية على وعي وقدرة وإرادة في إعادة فتح النقاش بما تمليه الإرادة في التغيير والتقدم والنهضة المجتمعية دون رقابة ذاتية مفرطة؟ سوف تكون فرصة لضخ دماء جديدة للحياة السياسية للبلاد. وألا نخضع لخطابات الوعد والوعيد، وثقافة الإجماع التي تقتل التنوع والاختلاف، وسياسة التخويف من مآلات الاختلاف التي تقتل العقل والإبداع. ولا إجماع إلا تجاه من يتعدى على حقوق بلادنا وأمنه واستقراره من قوى خارجية معادية، ما عدى ذلك، فحرية التعبير هي الأصل وإن كانت مؤلمة لرص قوة بنيان المغرب الديمقراطي الحداثي.
حكيمة ناجي
تطوان، 26 دجنبر 2024