الرئسيةسياسة

المغرب يودع سنة 2024 في ظل استمرارية نفسها الاختلالات…ميزانية 2025 تأكيد لتواضع الناتج الداخلي الخام (PIB) وتدني الدخل الفردي

تبدو ميزانية 2025 وكأنها مرآة مشوهة تعكس واقعاً اقتصادياً مفعماً بالتناقضات و الكثير من التحديات الاقتصادية التي يواجهها المغرب في الوقت الراهن، حيث تتجاوز الإيرادات الضريبية 294 مليار درهم، أي ما يعادل حوالي 80% من إجمالي موارد الميزانية، وهذا يعني اعتمادًا مفرطًا على جيوب المواطنين وبعض الشركات في تمويل النفقات العمومية.

تحرير: جيهان مشكور

بمعنى آخر، الحكومة قررت أن جيوب المغاربة هي الحبل السري الذي سيُغذي الميزانية، و هذا النهج يثير تساؤلات حول عدالة توزيع العبء الضريبي ومدى قدرة النظام الضريبي الحالي على تحقيق التوازن بين التحفيز الاقتصادي وتحصيل الموارد عبر استنزاف المواطن.

وبينما تتغنى الحكومة بمفهوم “التمويلات المبتكرة”، نجدها تتجه نحو بيع أصول استراتيجية بقيمة تفوق 80 مليار درهم، هذه الخطوة، وإن كانت تقدم حلولًا قصيرة المدى للأزمة المالية، إلا أنها تحمل مخاطر على المدى البعيد، بما في ذلك تفكيك البنية التحتية للدولة وتقييد السيادة الوطنية.

ولإكمال اللوحة القاتمة، يلجأ صناع القرار إلى الاقتراض الخارجي بمستويات قياسية، مع فوائد وأقساط تثقل كاهل الحاضر والمستقبل، وكأنهم يعقدون صفقة دَين أبدي باسم الأجيال القادمة..

من جهة أخرى فأن الوضع الاجتماعي لا يقل كارثية عن المشهد الاقتصادي، مع معدل بطالة يصل إلى 21٪ على الصعيد الوطني، و50٪ بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً، يصبح الحديث عن التنمية البشرية طموحًا بعيد المنال، خاصةً أن البلاد تحتل المرتبة 120 عالميًا في هذا المجال، متأخرة عن دول تعاني من أزمات داخلية مثل ليبيا وسوريا وفلسطين المحتلة.

أما التعليم، فيعكس أزمة متجذرة تظهر بوضوح في الترتيب الذي عليه المغرب 157 عالميًا، وفي غياب الجامعات المغربية عن التصنيف العالمي، ما يعكس تراجعًا خطيرًا في جودة التعليم الذي يشكل أساس أي نهضة، فضلا عن ضحالة البحث العلمي.

وإذا وقفنا على تدني الدخل الفردي للمواطن المغربي والذي يشير إلى مجموعة من المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية التي يمكن أن تؤثر على نوعية حياة الأفراد ورفاههم بشكل عام.

إن انخفاض الدخل الفردي يعني أن القدرة الشرائية للمواطن تتراجع، مما يحد من قدرته على تلبية احتياجاته الأساسية مثل الغذاء، السكن، التعليم، والرعاية الصحية. هذا قد يؤدي إلى انتشار الفقر وزيادة الفوارق الاجتماعية.

إن تدني الدخل مؤشر على وجود توزيع غير متساوٍ للثروة، وأنها لا تتوزع بشكل عادل بين الفئات الاجتماعية والمناطق الجغرافية، ما يترتب عليه  تفاوت كبير في الدخل بين المواطنين. غالبية الاستثمارات تتركز في المدن الكبرى مثل الدار البيضاء ومراكش، بينما تظل المناطق الريفية محرومة.

وحتى على مستوى محاربة الأمية فشلت الحكومات المتتالية في خفضها، فرغم برامج كلفت 2,971 مليار درهم على مدى عشرين عاماً، وفق المجلس الأعلى للحسابات. التي أُنفقت من أجل محاربتها ، لا تزال نسبتها تفوق الربع، مما يعكس خللًا في التخطيط والتنفيذ.

في سياق تشريعي و المؤسساتي ، تتسم المساطر المدنية والجنائية بعيوب صارخة، فالحق في الوصول إلى العدالة أصبح رهيناً برقم الحساب البنكي، و القيود المفروضة على حرية التعبير والعمل النقابي، مثل قانون الإضراب الذي يكاد يمنع الإضراب فعليًا، ومسطرة جنائية تقوض جهود مكافحة الفساد، تجعل من الإصلاحات المزعومة مجرد وعود جوفاء.

من جهة أخرى، تعكس البيانات المتعلقة بالاستيراد المستمر للحاجيات الأساسية ضعف الاكتفاء الذاتي في العديد من القطاعات. فعلى سبيل المثال، يستورد المغرب 90% من حاجياته من الحبوب والزيوت النباتية و100٪ من الأعلاف، و50% من السكر، بالإضافة إلى استيراد 25% من حاجياته من اللحوم. هذا التوجه يعتمد بشكل كبير على الخارج ويكشف عن أزمة حقيقية في الأمن الغذائي الوطني، حيث لا يستطيع الاقتصاد المغربي توفير الاكتفاء الذاتي للعديد من المنتجات الأساسية التي تشكل جزءاً كبيراً من احتياجات المواطنين،

و ما يزيد الطين بلة هو استخدام الحليب المجفف المستورد لتحضير الحليب السائل بدلاً من الاعتماد على الحليب الطازج المنتج محلياً، في خرق للقوانين التي تنظم صناعة الحليب وطنيا، ما يؤكد مرة أخرى على ضعف السياسة الزراعية وضعف القدرة على تطوير الصناعة المحلية في مواجهة الحاجة المستمرة للاستيراد.

وفي ظل هذه الأزمات التي يعيشها المغرب على جميع المستويات تطل علينا فوات النظر لترتيب الأولويات، فبدلاً من توجيه الموارد نحو القطاعات الحيوية، يتم استثمارها في مشاريع رياضية قد تكون جدواها الاقتصادية والاجتماعية محدودة على المدى القصير، وكل ذلك، في أزمة مالية خانقة حيث يتحمل جيب المواطن التكاليفها بشكل مضاعف مرة عندما يدفع لصندوق الدولة و مرة عند حاجته للخدمات الأساسية كالصحة والتعليم التي لا توفرها الدولة ليضطر للدفع مرة أخرى.

وإذا ما نظرنا إلى الفوائد والعمولات المترتبة على الدين العمومي، نجد أن المواطن المغربي سيحمل عبئاً كبيراً في سداد 45 مليار درهم سنوياً كفوائد على هذا الدين، إلى جانب 67 مليار درهم كأقساط للدين العمومي. ما يعكس حجم الديون التي تقيد الاقتصاد الوطني، خاصة مع بلوغ الدين الخارجي 69.2 مليار دولار، أي ما يعادل أكثر من 45% من الناتج المحلي الإجمالي. هذا يسلط الضوء على تحديات التنمية الاقتصادية ويثير التساؤلات حول كيفية التعامل مع هذا الدين الضخم في ظل الأزمات الاقتصادية الداخلية.

وفي النهاية، يظهر بوضوح أن الأزمة ليست فقط أزمة سياسات، بل أزمة منظومة متكاملة تعجز عن التوفيق بين متطلبات التنمية والعدالة الاجتماعية.

هذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات جامدة، بل هي انعكاسًا لواقع يعاني فيه المواطن المغربي من غياب الرؤية الاستراتيجية، وتجاهل الأولويات الحقيقية، حيث يتطلب المشهد مراجعة شاملة للسياسات الاقتصادية والاجتماعية، بعيداً عن الترقيع والتدابير الظرفية. الشعب المغربي يستحق الأفضل، ولكن هذا يتطلب قيادة واعية ومسؤولة قادرة على إعادة ترتيب الأولويات بما يخدم المصلحة العامة.

المغرب بحاجة لوقفة جادة لإعادة النظر في السياسات الحالية ووضع الإنسان المغربي في قلب أي مشروع إصلاحي، لأنه كما يُقال: كل شعب يستحق الحكومة التي يحظى بها، ولكن هل يمكن أن نستمر في تحميل الشعب وحده مسؤولية ما آلت إليه الأمور؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى