الرئسيةسياسة

مشروع قانون الإضراب بين التوازن مع حقوق العمال و”المصلحة العامة” في ضوء الدستور والمواثيق الدولية

لازال مشروع قانون الحق في الإضراب، يثير جدلا واسعا، خاصة بعد مصادقة مجلس النواب بغرفتيه على النسخة المعدلة منه، إذ أصدرت نقابات وهيئات حقوقية معارضة وغيرها، مواقف عبرت  فيها عن رأيها بخصوص هذا المشروع إما بقبوله أو رفضه،

و هكذا، أعلنت العديد من النقابات قرارها الخروج إلى الشارع للاحتجاج على مشروع القانون المعني الذي اعتبرته مكبلا لممارسة الحق في الإضراب المنصوص عليه دستوريًا، وذلك بغاية دفع الحكومة من أجل إقرار قانون عادل يصب في مصلحة جميع الأطراف، ويكون نتاج توافق بين جميع الفرقاء الاجتماعيين عبر مشاورات موسعة وحقيقية، بدل ما اعتبرته النقابات وهيئات سياسية أخرى، أن الحكومة اعتمدت على أغلبيتها في مجلس النواب لتمرير المشروع القانون.

وفي هذا الإطار جدد وفد الاتحاد المغربي للشغل في لقاء مع وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولات الصغرى والمتوسطة والتشغيل والكفاءات، يونس السكوري ، مواقفه الثابتة، مؤكدا على رفضه مضامين هذا المشروع في صيغته المصادق عليها من طرف مجلس النواب، و مشدد على الملاحظــات والمقترحــات المتضمنة في المذكرة التفصيلية التي كان وجهتها النقابة الى الحكومة بتاريخ 23 نونبر 2024.

وأكدت النقابة ذاتها، في بلاغ صادر عنها، في اللقاء نفسه الذي جمعها بالوزير أول أمس الثلاثاء،  أن مشروع هذا القانون الذي يَهُمُّ أساسا الطبقة العاملة المغربيــة وعموم الأجراء والحركة النقابية المغربية، كانت الحكومة قد صاغته بطريقة انفرادية ودون استكمال النقاش والحوار حوله، وذلك في ضرب مفضوح لمنهجية التوافق التي كانت قد التزمت بها إثر اتفاق الحوار الاجتماعي لأبريل 2022 ، وفيما اعتبرته خرقا سافرا للالتزاماتها المتضمنة في ميثاق مأسسة الحوار الاجتماعي الموقع في أبريل 2023 بين الفرقاء الاجتماعيين و رئيس الحكومة، لتقوم بعرضه على الغرفة الأولى بالبرلمان وتمرره عبر أغلبيتهـــا العدديـــة.

بدوره اعتبر  وفد المكتب التنفيذيفي لقائه مع السكوري،  أن الصيغة الحالية لمشروع القانون التنظيمي للإضراب، لازالت تتضمن مقتضيات مكبلة للحق في الإضراب وأنها يقول “حافظت على جوهر المشروع السابق”، وطالب في هذا الشأن، بالملاءمة مع الدستور والمواثيق الدولية، وخاصة الاتفاقية 87، وقرارات لجنة الحريات النقابية لمنظمة العمل الدولية.

وأوضح بلاغ للنقابة، بأن الوزير يونس السكوري قدم خلال هذا اللقاء، الصيغة الجديدة للمشروع، مؤكدا، على أن باب الحوار والتعديلات لازال مفتوحا، وأنه على استعداد للتعاطي الايجابي مع مقترحات الكونفدرالية الديمقراطية للشغل.

وتشبث الوفد الكونفدرالي في هذا اللقاء، وفق البلاغ، الذي يأتي في سياق احتجاجي عمالي محلي وإقليمي وجهوي تقود حراكه الاجتماعي وبخط تصعيدي النقابة، بإلغاء الفصل 288 من القانون الجنائي، ومراجعة تعريف الإضراب الذي يمنع ضمنيا يقول بلاغ المركزية “الإضراب التضامني والسياسي والإضراب العام”، مؤكدا على ضرورة مراجعة كافة المواد التكبيلية للحق في الإضراب المضمون بموجب المواثيق الدولية والدستور، كما عبر في ذات الآن، عن تشبث المنظمة، بضرورة استكمال التفاوض حول مشروع القانون التنظيمي للإضراب،  انسجاما يقول البلاغ “مع مضامين محضر اتفاق أبريل 2024”.

وكان أبدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ملاحظاته، حيث اعتبر أن مشروع القانون، ومنذ عرضه على لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب في فبراير 2017، قبيل تنصيب الحكومة التي ترأسها سعد الدين العثماني، لم يتقدم في مساره التشريعي، نظرا لاعتراض المنظمات النقابية على ما جاء به المشروع، والتي ترى أنه لم يعرض عليها خلال فترة إعداده، كما لا ينسجم مع مقتضيات الدستور ولا يستجيب للمعايير الدولية المتعلقة بممارسة الحق في الإضراب.

إن العديد من الفرقاء الاجتماعيين اعتبروا أنه ومع مجيء الحكومة الحالية برئاسة عزيز أخنوش، برز الإسراع بإصدار المشروع في اتفاقات الحوار الاجتماعي ثلاثية الأطراف بتاريخ 30 أبريل2022، و29 أبريل2024، ويرى المعارضون لمشروع القانون الذي عرض في البرلمان، أن السرعة الكبيرة،التي أخرج بها، مقارنة مع العرقلة التي طالته في الحكومة السابقة، فيما يرى المؤيدون أن الحكومة كانت لها الشجاعة لإخراجه بعد 62 سنة من التنصيص عليه في أول دستور مغربي.

المعارضون لمشروع قانون الإضراب:

dرى المعارضون أن مشروع القانون سيترتب عليه تقليص حقوق العمال في ممارسة الإضراب، وذلك من خلال فرض شروط قد تجعل الإضراب أكثر صعوبة في التنفيذ، وفي هذا الإطار يتحدثون على سبيل المثال، عن الإلزام بإشعار مسبق الذي هو بمثابة تحديًا غير مبرر في حال كانت هناك قضايا استعجالية تتطلب الاحتجاج.

في السياق ذاته، يعتقد العديد من النقابيين أن هذا القانون سيضع قيودًا كبيرة على حرية العمل النقابي، بحيث يجعل الإضراب أقل فعالية في مواجهة السياسات الحكومية أو سياسات الشركات التي تعتبر جائرة في بعض الأحيان،كما أن بعض النقابات ترى أن هذا القانون قد يُستغل من قبل الحكومة أو أرباب العمل لمواجهة الاحتجاجات والمطالب العمالية.

المعارضون للمشروع، يعبرون أن فرض آليات إجرائية مثل الإشعار المسبق أو تحديد فترات زمنية سيؤثر سلبًا على القوة التفاوضية للعمال، في حال كانت المطالب ملحة أو ناتجة عن أزمات غير قابلة للتأجيل، والذي تعني مباشرة أن تأخير الإضراب قد يؤدي إلى تفاقم المشاكل.

هل المشروع يتوافق مع الدستور المغربي:

ينص دستور 2011 في الفصل 29 على ما يلي:

“يُعد الإضراب حقاً مشروعاً، وهو ممارس في إطار احترام الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور.”

ومن تم، فإن الدستور يضمن بشكل صريح وواضح على حق الإضراب باعتباره أحد الحقوق الأساسية التي تضمنها الدولة. ولكن هذا الحق لا يُمارس في جميع الظروف، بل يجب أن يكون في إطار احترام الحقوق والحريات، مما يعكس توازناً بين حق الإضراب ومقتضيات المصلحة العامة.

إلا أن مشروع قانون الإضراب وفق المعارضين له، يتضمن تقييدات تجعل هذا الحق خاضع للتكبيل، خاصة فيما يتعلق بـ:

الإشعار المسبق، إذ يُطلب في مشروع القانون أن يُشعر العمال بالإضراب قبل فترة معينة، وهذا قد يُعتبر تقييدًا لحق الإضراب إذا اعتُبرت الظروف طارئة أو عاجلة.

يتضمن المشروع، شروط إجرائية صارمة لإعلان الإضراب، مثل ضرورة تبني التمثيلية النقابية، والتصويت بالإجماع في بعض الحالات، يتضمن المشروع أيضا، توفير ما سماه خدمة حد أدنى في القطاعات الحساسة مثل الصحة والنقل والتعليم، مما قد يحد من قدرة العمال على الضغط من خلال الإضراب.

في السياق ذاته، يعتبر المعارضون للمشروع، أنه يتناقض مع المواثيق الدولية، التي تعنى بحقوق الإنسان والعمال، مثل الاتفاقيات الدولية لمنظمة العمل الدولية، التي تلزم الدول الأعضاء بالامتثال لبعض المبادئ الأساسية بشأن حرية الإضراب وحقوق العمال، ومن بين أهم هذه الاتفاقيات، الاتفاقية رقم 87 بشأن حرية التنظيم النقابي وحماية حق النقابات، والتي تؤكد على حق العمال في تشكيل النقابات والمشاركة في الإضراب كأداة رئيسية للدفاع عن حقوقهم. هذا الحق يجب أن يكون متاحًا دون تمييز أو تقييد غير مبرر.

توجد أيضا الاتفاقية رقم 98 بشأن حق التنظيم والمفاوضة الجماعية، وهي اتقاقية تدعو إلى ضمان الحق في الإضراب كجزء من عملية المفاوضة الجماعية، وأنه على الدول الأعضاء أن تضمن أن الإضراب يكون وسيلة قانونية لحل النزاعات الجماعية، هذا وتوجد أيضا توصية رقم 142 بشأن سياسة التشغيل، وهي التوصية التي تدعو بصريح العبارة  إلى احترام حقوق العمال في الإضراب مع ضمان عدم المساس بحقوقهم الأساسية في العمل والحصول على تعويضات في حال تأثروا بسبب الإضراب.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى