عبدالرحمان اليوسفي وبشار الأسد…و”سكوب” البوليساريو الضائع
تم اختياري من طرف إدارة تحرير جريدة الاتحاد الاشتراكي لمرافقة الوزير الأول السابق سي عبد الرحمان اليوسفي( رحمة الله عليه)، خلال زيارته الرسمية لكل من لبنان وسوريا والأردن سنة2001.
كان الوفد المغربي كبيرا، وضم عدة وزراء ورجال أعمال وصحافيين.. عندما استوت الطائرة في السماء، خرج اليوسفي للسلام والترحيب بأعضاء الوفد المغربي. عندما تقدمت للسلام عليه، حدق في جيدا وقال لي مبتسما: انت هنايا (وتلك حكاية أخرى ىتشهد على وقائعها قاعة الاجتماعات بالطابق الخامس).
بعد محطة لبنان، لمدة ثلاثة أيام، وفيها ضاع مني لقاء صحافي مباشر مع حسن نصر الله رحمة الله عليه بعد موافقته بوساطة من مدير يومية “السفير” اللبنانية، طلال سلمان، وسي محمد بنيحيى، رحمه الله. كان اللقاء مع نصر الله قد تحدد مساء اليوم الذي غادرنا فيه (صباحا) لبنان نحو سوريا. ولم يكن بإمكاني التخلف عن مرافقة الوفد لأسباب مادية، وتم تعويض اللقاء المباشر بحوار مكتوب، تكلف الراحل طلال سلمان بنقل الأسئلة إلى حزب الله.
في سوريا، كانت اللقاءات الرسمية مغلقة، وكان على الوفد الصحافي المكوث بالفندق، والاكتفاء بقصاصات وكالة المغرب العربي للأنباء.
خلال اليوم الثاني للزيارة، تم استقبال عبدالرحمان اليوسفي من طرف بشار الأسد، وطلب منا كصحافيين المكوث مرة أخرى بالفندق.
بعد عودة الوفد الرسمي المغربي من مقابلة بشار الأسد، تصادف أن كنت رفقة الصحافي طلحة جبريل، رئيس تحرير يومية “الصياح”، ببهو فندق الشيراتون دمشق. كان أول من تقدم من الوفد الوزاري هو مصطفى المنصوري، رئيس التجمع الوطني للأحرار، أظن كان مكلفا بحقيبة الطاقة والمعادن.
بادرناه، أنا وطلحة جبريل، بسؤال عن طبيعة اللقاء والمحادثات. فقال لنا: لا أعلم شيئا كثيرا، لكن بما أنني كنت أجلس بالقرب من عبد الرحمان اليوسفي فقد تبادر إلى سمعي جزء من حديث هام حول الصحراء والبوليساريو.
“خطفناه” مباشرة إلى مقصف الفندق، واستفردنا به.
فحكى لنا أنه سمع نوعا من العتب صادر من اليوسفي اتجاه بشار الأسد حول وجود مكاتب لجبهة البوليساريو بدمشق. فكان جواب بشار: ليس لدي علم بالأمر ، واعتبر الأمر منتهيا منذ اليوم. ثم قال لنا السيد مصطفى المنصوري: هذا ما سمعت و”ماتعرفوني ما نعرفكم”.
مباشرة اختفى من أمامي طلحة جبريل ماسكا ب”سكوب”. لم أعرف ماذا أفعل ب”السكوب” الذي حصلت عليه، آنذاك لم تكن هناك إيميلات ولا هواتف ذكية. لم يكن أمامي سوى استعمال الهاتف أو الفاكس لنقل الخبر الى مقر الجريدة بالدارالبيضاء.
هنا، انتصب أمامي مشكل آخر، لا أتوفر على المال اللازم لاستعمال الهاتف والفاكس من الفندق. أرسلتني الجريدة بمصاريف سفر تبلغ 1700 درهم، كنت أفقر صحافي بالوفد المغربي وأنا أمثل جريدة الوزير الأول. مصاريف سفري صرفتها ببيروت لإرسال بعض التغطيات وشرب القهوة وأصبحت الله كريم (بسوريا والأردن كنت أضطر للتنقل الى وكالة الأنباء السورية والأردنية لاستعمال الفاكس).
وأنا بالبهو، أمام المصعد، أفكر في حل لمشكلة إرسال “السكوب”، لمحت قدوم كل من محمد بنيحيى (رحمه الله، وأمينة بوعياش، وكلاهما كانا يشتغلان في ديوان اليوسفي.
ولجت معهما المصعد، فحكيت لهما مشكلتي، كنت أفكر في استعمال فاكس الوزير الأول بجناحه بالفندق. بعد اندهاشهما من الخبر( لم يكونا على علم) وبعد أن طمأنتهما من مصادري، طلبا مني التريث إلى حين استشارة عبدالرحمن اليوسفي حول الخبر. هذه إحدى معوقات الجرائد الحزبية.
طالت الاستشارة وطال الجواب، وخرجت يومية “الصباح” بمانشيت عريض على الصفحة الأولى حول إغلاق مكاتب البوليساريو وإنهاء الاعتراف بها.
بعد العودة إلى المغرب، غضب اليوسفي من عدم نشر الخبر بجريدة الاتحاد الاشتراكي، وتم تكليف محمد الأشعري، وزير الثقافة بتدارك الأمر.
عندما اتصل لي الأخ محمد شوقي رئيس التحرير، الله يذكرو بخير، معاتبا ضياع “سكوب” مهم، أجبته ضاحكا: المرة القادمة ماتبقاوش ترسلو الصحافيين بزوج فرنك.
أحزنني ضياع “السكوب” مني ومن الجريدة. آنذاك، أدركت إكراهات الاشتغال بالجرائد الحزبية، وأصبحت أفكر في مغادرة المدرسة (رفقة أسبوعية النشرة )التي تعلمت فيها مهنة الصحافة والبحث عن أفق جديد.