الرئسيةسياسة

المغرب يُعيد إحياء اتفاقية 1957 لتثبيت سيادته الاقتصادية على معبري سبتة ومليلية

في خطوة تحمل أبعادًا استراتيجية وسيادية، اعتمد المغرب على اتفاقية قانونية تعود إلى عام 1957 لتشكيل الإطار التفاوضي مع إسبانيا بشأن تدشين الجمارك التجارية عبر معبري سبتة ومليلية.

هذه الوثيقة التاريخية، التي وُقعت بين الملك الراحل محمد الخامس والجنرال الإسباني فرانسيسكو فرانكو، أضحت ركيزة أساسية لتحديد شروط المغرب في تنظيم حركة السلع والبضائع بين الجانبين، ما أثار جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والاقتصادية الإسبانية.

في هذا السياق سلطت التقارير الإسبانية الضوء على هذا المستجد، حيث كشفت أن المغرب استند إلى الاتفاقية المذكورة لتبرير موقفه الحازم فيما يتعلق بتصنيف الجمارك في سبتة ومليلية كـ”إقليمية”، هذا التصنيف يهدف إلى تقنين مرور البضائع وضمان أن المنتجات المسموح بتداولها عبر المعبرين هي تلك التي تخضع لعمليات تصنيع جزئي داخل المدينتين، بينما يتم حظر دخول السلع المصنعة في إسبانيا أو دول أخرى مثل الصين والهند.

هذه السياسة المغربية ليست وليدة اللحظة، بل تأتي ضمن استراتيجية أوسع لمحاربة التهريب الذي كان لسنوات طويلة يشكل اقتصادًا موازيًا في المنطقة، ومن خلال هذا النهج، يفرض المغرب قيودًا على دخول المنتجات التي تُعد محورية للنشاط التجاري في سبتة ومليلية، ما يهدد العجلة الاقتصادية للمدينتين اللتين لطالما اعتمدتا على حركة البضائع عبر الحدود البرية.

فينا تضمنت اتفاقية عام 1957 تفاصيل دقيقة لتنظيم العلاقات الاقتصادية بين المغرب وإسبانيا، بما في ذلك قوائم بالسلع المسموح بجلبها في الاتجاهين، على سبيل المثال، حددت الاتفاقية السماح بنقل مواد غذائية ومواد خام من سبتة ومليلية إلى المغرب، مقابل دخول منتجات مغربية مثل المنسوجات والآلات والمواد الكيميائية، كل ذلك كان يتم وفق نظام رخص استيراد مُحكم يعكس توازنًا تجاريًا بين الطرفين.

تحذر الإشارة أن إجراءات المغرب الأخيرة، و التي تضمنت استمرار منع عمليات التهريب وتنظيم صارم لعبور المسافرين والبضائع، واجهت انتقادات حادة في الأوساط الإسبانية.

من جهة اخرى راى فاعلون اقتصاديون، الذين وصلتهم الشروط الجديدة من خلال الحكومة المركزية في مدريد، تهديدًا مباشرًا للنشاط الاقتصادي في المدينتين، وكان من أبرز النقاط المثيرة للجدل منع المنتجات المصنّعة في إسبانيا أو دول أخرى من الوصول إلى الأسواق المغربية عبر المعبرين، وهو ما اعتبره الإسبان خطوة “تقييدية” تمس بتقاليد تاريخية للنشاط التجاري في المنطقة.

وجاءت ردود الفعل السياسية سريعة، حيث طالب رئيس الحكومة المحلية في مليلية، خوان خوسي إمبرودا، باستقالة مندوبة الحكومة المركزية، صابرينا موح، داعيًا في الوقت ذاته لاستدعاء وزير الخارجية الإسباني خوسي مانويل ألباريس إلى البرلمان لمساءلته حول هذا الملف، و اعتبر إمبرودا أن قبول حكومة بيدرو سانشيز لشروط الرباط يمس بشكل واضح بـ”السيادة الإسبانية” على المدينتين، ويضعف موقفهما الاقتصادي في مواجهة القيود المفروضة.

تسلط هذه التطورات الضوء على التوترات المستمرة في العلاقات المغربية الإسبانية فيما يتعلق بسبتة ومليلية، حيث يسعى المغرب إلى فرض رؤيته الاقتصادية والسيادية على المدينتين، مستندًا إلى وثيقة قانونية تاريخية تعزز موقفه في هذه المفاوضات،و من ناحية أخرى، تجد إسبانيا نفسها مضطرة للتعامل مع هذه الشروط في ظل سياق جيوسياسي حساس، يتطلب التوفيق بين مصالحها الوطنية وضغوط الفاعلين الاقتصاديين في المدينتين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى