لماذا إضراب عام بنصف مقومات النجاح؟…أو الحركة النقابية بين الحاجة إلى التصعيد وضعف التنظيم و ضبابية الرؤية
05/02/2025
0
تحرير: جيهان مشكور
يعرف المشهد النقابي المغربي، منعطفًا حاسمًا خاصة مع دعوة معظم المركزيات النقابية إلى إضراب عام يوم 5 فبراير، فيما اختارت أخرى تمديده إلى 6 فبراير.
هذا التصعيد يثير العديد من التساؤلات حول جدواه وقدرته على تحقيق الأهداف المعلنة، خصوصًا في ظل الوضع الراهن للحركة النقابية التي تعاني من تراجع كبير في قوتها التنظيمية والتأطيرية، فما الذي دفع النقابات إلى هذا القرار؟ وهل تملك القاعدة العمالية الأدوات الكفيلة بجعل هذا الإضراب محطة فارقة في مسار النضال العمالي؟
تواجه الطبقة العاملة المغربية منذ سنوات، سياسات ليبرالية متوحشة تمس قوتها اليومي، وظروف عملها، واستقرارها الاجتماعي، كما تئن تحت وطأة هجومٍ ممنهج على مكتسباتها، بدءًا من اتفاق أبريل 2022، أحد أبرز المحطات التي كرست لهذا الهجوم، عبر تقديم تنازلات خطيرة من طرف قيادات الحركة النقابية، و الذي فتح الباب أمام الإجهاز على الحق في الإضراب، مرورًا بالتعديلات التي مست مدونة الشغل، وصولًا إلى القرارات التي مست نظام التقاعد.
إن كل هذه التطورات عمّقت الحاجة إلى إضراب عام قوي، غير أن الرد النقابي انذاك لم يكن في مستوى هذا التحدي، حيث استمر التراجع بفعل تواطؤ القيادات تحت ما يسمى بـ”الشراكة الاجتماعية”، وهو ما عمّق ضعف النقابات، وزاد من تآكل قدرتها على الحشد والتعبئة.
وها هي اليوم تدعو إلى إضراب عام وسط غياب تحضير كافٍ، ما يطرح إشكالية الجدية في التعاطي مع هذا الشكل الاحتجاجي.
في ظل هذا السياق، يبدو أن إضراب 5 فبراير و5 و6 فبراير بالنسبة للاتحاد المغربي للشغل، جاء كتحرك مفاجئ، لم يسبقه إعداد جدي على مستوى تعبئة القواعد العمالية أو بناء جبهة نضالية موحدة، ما يجعله أقرب إلى رد فعل ارتجالي منه إلى خطوة نضالية استراتيجية.
فيما جعل “غياب استراتيجية واضحة لإعداد الإضراب”، وكأن الدعوة إليه تبدو قرارا فوقيا لم ينبع من صيرورة نضالية حقيقية، وبدلاً من نهج التعبئة التدريجية، والبناء الوحدوي، والعمل على تحقيق انتصارات جزئية تشحذ همم العمال، وجد الشغيلة أنفسهم بين عشية وضحاها مدعوين إلى إضراب عام.
هذا الغياب للتحضير انعكس أيضاً في طبيعة المطالب المطروحة، حيث جاءت عمومية ومفتقدة للوضوح والدقة، ما يقلل من قدرتها على توحيد الصفوف وإقناع الفئات العمالية بجدوى خوض معركة من هذا الحجم.
فالإضراب العام، كي يكون مؤثراً، يحتاج إلى برنامج نضالي متكامل، يؤطره تصور واضح لمراحل التصعيد، وأهداف محددة يمكن قياسها، وهو ما تفتقده هذه الدعوة التي جاءت دون أن تسبقها تعبئة كافية، أو حتى محاولات جادة لتنسيق الجهود بين مختلف المكونات النقابية.
في المقابل كان حراك قطاع التعليم خلال الأشهر الثلاثة الماضية نموذجًا لحيوية الفعل النضالي العمالي، حيث أبدت القاعدة العمالية في صفوف رجال التعليم استعدادًا كبيرًا لمواصلة الكفاح، مما شكل فرصة سانحة لتوسيع رقعة الاحتجاج ليشمل قطاعات أخرى، وعلى رأسها الصحة والجماعات المحلية، وهي القطاعات الأكثر تأثرًا بالسياسات الحكومية الأخيرة، لكن بدل تبني استراتيجية مدروسة لاستنهاض قوى العمال عبر توحيد النضالات القطاعية في اتجاه إضراب عام منظم، جاءت الدعوة مفاجئة ومرتجلة، لتضع القاعدة العمالية أمام خيار لم تكن مهيأة له بالشكل المطلوب.
المثير في هذا الإضراب أنه انتقل فجأة من حالة السكون النقابي إلى شبه إجماع على التصعيد، حيث بادرت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل إلى الدعوة للإضراب يوم 5 فبراير، ثم التحقت بها باقي النقابات، بينما دعا الاتحاد المغربي للشغل إلى تمديده ليومين، و ما يزيد من غرابة الموقف ان هذه الدعوات جاءت متأخرة جدًا، إذ لم تفصل بين إعلانها وتاريخ تنفيذها سوى أيام قليلة، وهي مدة غير كافية لحشد القوى وضمان تعبئة شاملة، ما يفتح الباب أمام التساؤل عن الأهداف الحقيقية لهذه الخطوة: هل يتعلق الأمر بمحاولة لامتصاص الغضب العمالي المتصاعد؟ أم أن الأمر مجرد خطوة تكتيكية لتحسين موقع القيادة النقابية في مفاوضاتها مع الحكومة وأرباب العمل؟
خصوصا أن واقع الحال يبين انه على مدى الشهرين الماضيين، بين قرار الكونفدرالية الديمقراطية للشغل في 24 نوفمبر وإعلان الإضراب،لم يكن هناك أي دينامية نقابية واسعة، باستثناء تحركات قطاعية معزولة، ومسيرات ووقفات احتجاجية محدودة التأثير.
حتى المسيرة الوطنية بالرباط يوم 19 يناير، التي نظمت احتجاجًا على مشروع قانون الإضراب، لم تعكس زخمًا قويًا يعكس جهوزية القاعدة العمالية لخوض إضراب عام حقيقي يشل الاقتصاد ويدفع الدولة إلى التفاوض الجدي.
وفي ظل هذا الوضع، يجد العمال أنفسهم اليوم أمام استحقاق نضالي لم يتم تحضيره بالشكل المطلوب، و دون تقديم بدائل ملموسة أو خارطة طريق واضحة لما بعد الإضراب.
هذه “العشوائية” قد تنعكس سلبًا على ثقة العمال في العمل النقابي، مما يعمق أزمة التنظيم داخل النقابات ويضعف قدرتها على التأثير مستقبلاً.
و رغم كل هذه الإشكالات، يبقى من واجب المناضلين العماليّين دعم أي خطوة نضالية، مهما كانت محدودة، والعمل على إنجاح الإضراب بأقصى ما يمكن، ليس فقط لتحقيق مكاسب آنية، ولكن أيضًا لتأكيد الحاجة إلى بناء حركة نقابية كفاحية وديمقراطية من أسفل، تكون قادرة على قيادة نضالات العمال بطريقة أكثر فعالية.
من جهة أخرى، إن المخرج الوحيد من الأزمة الحالية للحركة النقابية لا يكمن في مجرد الاستجابة لدعوات الإضراب غير المحضَّر لها مع أهمية ذلك وحيويته في مسار التصحيح،هو السعي الجدي لإعادة بناء تنظيم نقابي حقيقي، ينطلق من القاعدة العمالية، ويرتكز على استراتيجية نضالية واضحة، تستفيد من الدروس السابقة وتقطع مع منطق القرارات الفوقية غير المدروسة.