
أظهرت دراسة حديثة صادرة عن الوسيط الفرنسي في المنتجات المالية “HelloSafe”، بالتعاون مع منصة “Statista”، أن المغرب شهد ارتفاعًا ملحوظًا في عدد حاملي العملات الرقمية خلال السنوات الأخيرة، حيث تشير التقديرات إلى أن حوالي 2.9 مليون مغربي تحولوا إلى استخدام العملات الرقمية بين عامي 2019 و2024.
و كشف التقرير أن عدد المغاربة الذين يمتلكون أصولًا رقمية ارتفع من 3.647 مليون شخص عام 2019 إلى 6.080 مليون شخص عام 2024، ما يعكس زيادة بنسبة 60% خلال خمس سنوات فقط.
هذا التطور يعكس مدى انتشار العملات الرقمية عالميًا، خاصة في إفريقيا، حيث أصبحت تُعتبر أداة مالية يسهل الوصول إليها، ما جعلها تجذب عددًا متزايدًا من المستخدمين.
و سلط المحلل الاقتصادي محمد جدري، الضوء على العوامل التي دفعت الشباب المغربي، بشكل خاص، إلى الإقبال على الاستثمار في العملات الرقمية، فوفقًا لجدري، فإن هذا التوجه يعكس تحولات سلوكية عميقة داخل المجتمع المغربي، حيث أصبح الشباب أكثر اهتمامًا بالتكنولوجيا والأسواق المالية العالمية، وأقل رغبة في التوجه نحو الوظائف التقليدية في القطاعين العام والخاص، و يشير هذا التغيير في العقلية الاقتصادية إلى تزايد الاهتمام بالمبادرات الفردية والمشاريع الحرة التي توفر استقلالًا ماليًا وفرصًا غير محدودة لتحقيق الأرباح، كما أكد أن الشباب المغربي اليوم لا يتردد في خوض المخاطر، وهو ما يجعلهم أكثر استعدادًا للمغامرة في أسواق العملات الرقمية التي توفر إمكانية تحقيق مكاسب مالية كبيرة.
لكن في الوقت ذاته، نبه التقرير إلى أن هذه الأرقام تبقى تقديرية، نظرًا لغياب مصادر رسمية توثق العدد الفعلي لحاملي العملات الرقمية على المستوى العالمي، وأوضح أن الاعتماد على الاستطلاعات والبحوث يعد الوسيلة الأكثر دقة لتقدير مدى انتشار هذه الأصول، خاصة في ظل غياب معايير موحدة في هذا المجال.
ورغم أن تداول العملات الرقمية محظور رسميًا في المغرب منذ عام 2017، إلا أن الدراسة كشفت أن نحو 5% من السكان يشاركون في هذا السوق.
وتأتي هذه المعطيات في وقت يشهد فيه المغرب تحركات متسارعة نحو تقنين الأصول الرقمية، حيث أعلن عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، في نوفمبر 2024، أن قانونًا جديدًا لتنظيم العملات الرقمية بات في مراحله النهائية، وتفتح هذه الخطوة قد المجال أمام المزيد من المغاربة للولوج إلى عالم العملات المشفرة في إطار قانوني واضح، مما يسهم في تنظيم السوق وضمان حماية المستثمرين.
ويرى جدري أن العملات الرقمية توفر للشباب المغربي فرصة للخروج من قيود الاقتصاد التقليدي، حيث تمنحهم إمكانية تحقيق أرباح دون الحاجة إلى الاعتماد على الوسائل الريعية أو الاحتكارية، كما أنها توفر سوقًا مفتوحة وعادلة للمنافسة، ما يعني أن من يمتلك المعرفة والمهارات المناسبة يمكنه تحقيق مكاسب كبيرة، وأضاف أن هذه الأسواق تتماشى مع تطلعات الشباب الذين يسعون إلى تحسين أوضاعهم المالية بسرعة، خاصة مع رغبتهم في تحقيق أهدافهم الشخصية والمهنية في أقصر وقت ممكن، وهو أمر يصعب تحقيقه عبر الدخل التقليدي من الوظائف المعتادة.
وأشار الخبير ذاته إلى أن بعض الشباب الذين استثمروا في العملات الرقمية في وقت مبكر تمكنوا من تحقيق أرباح ضخمة، مستفيدين من فرص السوق في اللحظات المناسبة، هذا و أكد أن هذه الأسواق لا تعرف حدودًا للمنافسة، مما يجعلها أكثر جاذبية للأجيال الجديدة التي تبحث عن طرق مبتكرة لتحسين وضعها الاقتصادي، ورغم المخاطر المحتملة، إلا أن الشباب المغربي أصبح أكثر دراية بالتعامل مع التكنولوجيا وأمن المعلومات، مما يقلل من المخاوف المرتبطة بالاختراقات السيبرانية أو المشكلات التقنية.
وفيما يتعلق بالإطار التنظيمي المرتقب، فقد صرح الجواهري في ديسمبر الماضي بأن القانون الخاص بالأصول الرقمية المشفرة بات شبه جاهز، حيث تم الانتهاء من صياغته، ويجري حاليًا العمل على إعداد النصوص التطبيقية لضمان تنفيذه بشكل فعال، وأوضح أن هذا الإطار القانوني هو نتاج تعاون بين بنك المغرب وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بمشاركة مختلف الأطراف المعنية، لضمان ملاءمته مع التطورات الدولية في هذا المجال، وأكد أن الهدف من هذا القانون هو تحقيق توازن بين تشجيع الابتكار وحماية المستثمرين، بما يضمن بيئة استثمارية آمنة ومستقرة.
إن التوجه نحو تقنين العملات الرقمية في المغرب يبدو مسألة وقت، فمع الاعتراف المتزايد بأهميتها على المستوى الاقتصادي والتكنولوجي، يدرك بنك المغرب ضرورة إيجاد إطار قانوني يسمح بتنظيم هذا المجال، بدلًا من تركه يعمل خارج إطار القانون، مما يحرم الدولة من الاستفادة من العائدات الضريبية والعملة الصعبة، ومن شأن هذا التقنين أن يعزز من جاذبية السوق المغربية للاستثمارات الرقمية، مما يتيح للشباب فرصًا أكبر لتنمية مشاريعهم وتحقيق طموحاتهم في بيئة أكثر أمانًا واستقرارًا.