الرئسيةرأي/ كرونيكسياسة

هل الترامبية وصعود اليمين المتطرف العنصري والديني والشوفيني هما المرحلة الأقصى للرأسمالية؟

بقلم مصطفى مفتاح

هل ما نعيشه من استشراء صَلِف للمواقف والسياسات اليمينية المتطرفة العنصرية المستهترة فاشية جديدة، تشبه الفاشية والنازية التي انتصرت لحين حتى الحرب العالمية-الأوروبية الثانية؟

أم هي فقط مرحلة أخرى أقسى، وأعمق، من حلقات الردة اليمينية أو الثورة الرجعية على سياسات ماينار كينز، و”السنوات الثلاثين المجيدة”، منذ ثاطشر وريغن؟

أم هي انتصار الوحش الإنساني المدجج بالتكنولوجيا والعنصرية، وعقدة “رامبو” أم هي شيء آخر؟ ألا تذكرنا الأوضاع التي نعيشها، منذ أكثر من عقد، أن العالم الغربي، على وجه الخصوص، يعيش تغولاً لأقبح الأفكار الإقصائية، اقتصاديا واجتماعيا، وردة أخلاقية مريعة، وبالسافر الفضائحي من الكذب والبهتان العمومي، واختلاق الأعداء، وتكذيب البديهيات؟ والتراجع حتى على أبسط شروط الديمقراطية، والأكثر شكلية، كما عرفت ذلك اليونان، حيت انقلبت أوربا والمؤسسات المالية الدولية على تصويت الشعب، وأجبرت الحكام على تهشيم اقتصاد بلادهم، والهجوم على الحريات العامة، وفرض ديكتاتورية التكنوقراط، وصناديق الاستثمار، والشوفينية الاقتصادية؟

طبعاً، ما يجري الآن في العالم هو كل هذا الذي ذكرت، بما في ذلك الردة الأخلاقية، وهي خاصية أصيلة للرأسمالية والغرب على حد سواء.

أكيد أننا لم نعرف بالملموس كل الفظاعات، التي عاشتها الإنسانية، جراء الجرائم الغربية الرأسمالية الإمبريالية العنصرية الاستعمارية الاستعبادية، منذ ما سمي بـ”النهضة” و”الأنوار”.

لكننا نتساءل، وعلى صعيد قضيتنا الأولى، ومنطقتنا، هل نعيش نكبة أخرى أقسى، وربما نهائية، حيث لن يبق من فلسطين، وجزء كبير أو صغير من الشام، غير ذكريات؟

أم هي فقط، انهزامية تسللت تُمْسِكُ بتلابيب الوقت، وتمتحن إيماني بالحتمية التاريخية؟

ألسنا مهددين بالإبادة مثل أجدادنا من الشعوب الأولى، بين شمال المحيط الأطلسي والمحيط الهادي؟

أو هي هزيمتنا المنكرة أمام عبودية جديدة، وفصل جغرافي-عنصري، تحرسه التأشيرة وقوانين الهجرة وقرارات التهجير؟

لم نعش النكبة إلّا بعض الأثر، ولم نعش الهزيمة إلا لتحفزنا على الهروب اليساري نحو ماي 1968، و”الثورة الثقافية”، وكتابها وشرارتها المحرقة الحارقة، ولم نعش فصول الشتاء الطويلة القاسية، إلا لنتهجى قصائد حول العاصفة، وقهوة الأم، وأيلول الأسود، وننتظر الانتفاضة.

لم نعش بعد ذلك في ألْفِيَتِنا هذه، إلاّ لنعرف انتكاسة الربيع، وانطلاق آلات الحرب تدك الأرض، وليبيا وسوريا والعراق واليمن والسودان والجوار، وجرارات الشراكة الاستراتيجية العربية-الأمريكية-الإسرائيلية تُغِيرُ وتحاصر، وتعاقب وتملي شروطها، وتغرس التطبيع، وفي عين العاصفة القضية الفلسطينية، وكل أفق ممكن للمقاومة.

ثم عشنا طوفان الأقصى، فسكرنا، ثم أفقنا على نتائج الانتخابات الأمريكية، وعشرات الآلاف من الضحايا، جلهم أطفال.

قد نستجير بالتحليل المادي للرأسمالية، ونراهن على التناقضات البين-رأسمالية في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي العالم، وننسى كل انتقاداتنا لمقولة “الحتمية التاريخية”، وانتصار الشعوب والمستضعفين، في آخر المطاف، وقد نعول على إيماننا العميق بالحق، ولكنني من 1979 إلى 1990، أخشى أن ينسى التاريخ دروس وقوانين التاريخ، وأن تصطف التناقضات تحت راية القوة والبلطجة، المنتصرة الآن في مركز العالم الأقوى، وأخشى أن لا تكون الصين جاهزة للمقاومة، وأن تدخل أوربا في “الزريبة” صاغرة كما تفعل أوكرانيا وأخشى من الفكر النقدي الماركسي نفسه، الذي علمنا بعد نهاية الاتحاد السوفياتي أن التاريخ يحب المسارات الملتوية الأطول وأخاف.

قد يطردني الرفاق من الصمود الماركسي-اللينيني القديم تحت نيران العدو ومن الامتتاع باليقين بأن الثورة في المنعطف الموالي قبل منتصف السنة منتصرة لاريب فيها وفيهم وعندهم!

قد تطردني تحاليل المقاهي، والشيع الثورية اليسارية المنتثرة شذر مذر. لكني وبكل “نقد ذاتي” شبه ثوري أو ثوري، من درجة تحريفية إصلاحية، أخاف!


نعم، أعرف أن التناقضات ستنفجر في القريب بين هذا الجناح، وذاك من المركب الصناعي-المعلوماتي-العسكري الأمريكي، بين الإمبريالية العرابة والإمبرياليات الثانوية المتصابية، بين زحف الشيخوخة والخوف من التعويض الكبير وبين حرية الرأسمال والنزعات الحمائية، بين ما تبقى من منطق الحرب الباردة وتغيير العدو لجلده “الشيوعي” وتقدمه التكنولوجي -الصناعي المخيف، ولكني أخاف!

نعم، أعرف أن التحالف بين العمال والرأسمال في العالم “المتقدم” انفرط، شيئا ما، وأن خوف الشمال وعنصريته ينفران الشياب الذي كان يصنع التقدم العلمي لمركز الإمبراطوريات العجوز.

نعم، أعرف أن خاصرة النظام العالمي العربية والجنوبية رخوة حابلة بالتغيير تهدد هذا العالم بوعودها ووعيدها.

ولكن قلبي خائف على فلسطين ولبنان وسورية أمام تكالب الخيانة والتجبر ورغبة الانتقام والإبادة وتفرج العالم والضمير الإنساني.

ولكنني خائف على ليبيا والسودان وجل دول افريقيا.

ولكنني خائف من ضمور صوت الحكمة وانتفاخ الخطابات المتعصبة السفيهة في منطقتنا والتي ستزداد مع الرب الجديد للبيت الأبيض تؤججها أصبع أخطبوط التطبيع التي تزحف وتلتهم مقوماتنا محمية بسيف القمع المسلط على حرية التعبير والرأي والصحافة.

والخطير هو أن كل النخب التي توالت على حكمنا بعد “الاستقلالات”، سواء كان حكمها “ثوريا” أو قوميا” أو “وطنيا” أو “غير منحاز” أو “أصالة قرون” إلا إليها قد استكانت للتبعية والتخلف والقمع والاستفراد بالقرار وتكديس المسروق في العواصم البعيدة وتغدية النزاعات وافتعالها والصراخ باسم الشعب والوطن على الشعب والوطن.

وبالمقابل، ففورة الشباب في كل المدن الكبرى في كل القارات تضامنا مع غزة وفلسطين وضد المشاركة في جرائم الإبادة والحرب والتجويع وقبل ذلك ضد تدمير الكوكب علامة نور هائلة تبعث على الأمل.

لكن قدرة المتحكمين في النظام العالمي على البطش هائلة ومخيفة. ونخاف على أفقنا القريب المنظور.
—————–
1 اقتصادي انجليزي طبقت سياسته بعد أزمة 1929 في أوربا وأمريكا John Maynard Keynes
2 Les trente glorieuses
3 Margaret Thatcher, وزيرة أولى محافظة لإنكلترا et Ronald Reagan, رئيس مجمهوري للولايات المتحدة بين 1981 و1989
4 Rambo : بطل هوليودي انتصر في السينما على الشعب الفيتنامي بعد 1975
5 Le grand remplacement خوف رُهابي من اليمين المتطرف الذي يرى المهاجرين الملونين يعوضون البيض الغربيين

اقرأ أيضا….

هل الترامبية وصعود اليمين المتطرف العنصري والديني والشوفيني هما المرحلة الأقصى للرأسمالية؟

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى