الرئسيةرأي/ كرونيك

بين التشاؤم الماركسي وميتافيزيقا التاريخ: قراءة سريعة في مقال قلق

بقلم: يوسف غويركات

تثير هذه المقالة، للصديق العزيز المصطفى مفتاح، إشكالية عميقة بين التاريخ كحتمية والصيرورة كاحتمال، بين المادية الصارمة التي ترى في التناقضات قوى دافعة حتمية للتغيير، والخوف من أن تتحول هذه التناقضات إلى إعادة إنتاج أكثر عنفا ووحشية لنفس البنية. إنها ليست مجرد تحليل سياسي، بل تأمل فلسفي في المصير العالمي، في معنى العدالة، وفي إمكانية انتصار المستضعفين على منطق الهيمنة والتكرار.

يمكننا مقاربة هذا النص من زاويتين: الأولى، مادية-تاريخية تستند إلى ديالكتيك ماركس، حيث يرى المصطفى أن الرأسمالية المتوحشة تمر بمرحلة أزمتها القصوى، لكنها قد لا تؤدي بالضرورة إلى انهيارها بل إلى ولادة أشكال جديدة من الاستبداد المقنع بالتكنولوجيا والبيروقراطية، ناهيك عن هيمنة القوى الاقتصادية والتدخلات العسكرية، والسيطرة الثقافية والإعلامية، مما يقيد حرية الشعوب بشكل غير مرئي ومتعدد الأبعاد. هنا نجد صدى لتحذيرات فوكو حول “مجتمع الانضباط”، حيث تتحول السلطة من قمع مباشر إلى آليات تحكم ناعمة لكنها أكثر تغلغلا.

الزاوية الثانية أكثر وجودية: الخوف الذي يعبر عنه الرفيق ليس خوفا ظرفيا بل قلقا أنطولوجيا، قلق الإنسان الذي يشهد انهيار القيم ويواجه احتمالية أن يكون التاريخ بلا معنى، بلاعدالة. نيتشه قد يهمس في خلفية هذا النص القلق، ليذكرنا بأن الرهان على “حتمية التاريخ” قد يكون في حد ذاته صورة من “الدوغمائية الميتافيزيقية” التي رفضها. فماذا لو كان “انتصار المستضعفين” مجرد وهم جميل، والواقع محكوم فقط بلعبة القوة التي لا تسمح بفرص حقيقية للتغيير؟

ومع ذلك، هناك بصيص أمل: الحركات الشبابية، الاحتجاجات، التضامن مع فلسطين، الغضب الشعبي ضد النظام الرأسمالي القائم… إنها لحظات تمرد صغيرة، لكنها، كما قال كامو، قد تكون الدليل الوحيد على أن الرفض ما زال ممكنا، وعلى أن الإنسان لم يستسلم تماما لعبثية العالم.

بين الإدراك العقلاني للواقع (تشاؤم الفكر) والإرادة السياسية الساعية لتغييره (تفاؤل الإرادة)، يتجلى التوتر الدائم بين ما هو كائن وما يجب أن يكون. فحتى حين يبدو الواقع معتما قاتما، لا يكون تفاؤل الإرادة مجرد وهم ساذج، بل هو موقف سياسي واع، يستمد شرعيته من العمل التنظيمي، ومن القدرة المستمرة على استنباط بدائل أكثر عدلا وإنسانية، من خلال استراتيجيات نضالية تواكب تعقيدات الزمن. إذ لم يكن التاريخ يوما خطا مستقيما، بل هو ساحة صراع تميل كفته حيث يُبذل الجهد وتُقدم التضحيات. لكن، وسط هذا التناقض بين وعينا بحتمية التغيير ومخاوفنا من مآلاته، تظل الأسئلة مفتوحة:

هل لا تزال هناك إمكانيات للفعل السياسي؟

هل التغيير ممكن حقا؟

وأي درب يؤدي إليه؟

هل التاريخ يتقدم حقا نحو العدالة؟ أم أنه مجرد تكرار أبدي لصراع لا نهاية له بين السلطة والمقاومة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى